22
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني
الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي
وتعرضت كتب السيِرَ والمغازي لأخبار الجاهلية بقدر ما كان للجاهلية من صلة بتاريخ الرسول، كما تعرضت لها كتب الأدب كتب الأنساب والمثالب والبيوتات ومجامع الأمثال والكتب التي ألفت في أخبار المعمرين، وفي الأيام، وفي البلدان، وفي المعجمات والجغرافية والسياحات وغير ذلك، فورد في ثناياها أخبار قيّمة عن هذه الجاهلية المتصلة بالإسلام. وهي موارد عظيمة الأهمية لمؤرخ هذه الحقبة، كثيرة العدد، هيأها عدد كبير من العلماء، لا يمكن استقصاؤهم في هذه المقسمة، ولا التحدث عن مؤلفاتهم، وهو حديث يحتاج إلى فصول.
على أنّا بحب أن نأخذ بعض هذه الموارد المذكورة بحذر جدّ شديد، ولاسيما كتب "الأخبار والمثالب والمناقب والمآثر والأنساب"، فإنّ مجال الوضع والصنعة بها واسع كيبر، لما للعواطف القبيلية فيها من يد ودخل، وللحزبية والأغراض فيها من تأثير. وطالما نسمع أن فلاناً وضع كتاباً في مثالب القبيلة الفلانية أو في مدحها ترضية لرجال تلك القبيلة، أو لحصوله على مال منها. ومن هنا وجب الاحتراس كل الاحتراس من هذه الموارد، ووجوب نقد كل رواية فيها قبل الاعتماد عليها والأخذ بها كمورد صحيح دقيق.
وفي كتب الأدب ثروة تأريخية قيمة، مبثوثة في صفحاتها، لا تجد لها مثيلاً ولا مكاناً في كثير من الأحايين في كتب أهل التأريخ عن التاًريخ الجاهلي، حتى اني لأستطع أن أقول إن ما أورده رجال الأدب عنه هو أضعاف أضعاف ما رواه المؤرخون عن ذلك التاريخ، وأن ما جاءت به كتب الأدب عن ملوك الحيرة وعن الغساسنة وعن ملوك كندة وعن أخبار القبائل العربية، هو أكثر بكثير مما جاءت به كتب التأريخ، بل هو أحسن منها عرضاً وصفاءً، وأكثر منها دقة " ويدل عرضه بأسلوبه الأدبي المعروف على أنه مستمد من موار عربية خالصة، وقد أخذ من أفواه شهود عيان، شهدوا ما تحدثوا عنه. وقد أفادنا كثيراً في تدوين تأريخ الجاهلية الملاصقة للإسلام، ولشأنه هذا أودّ أن ألفت أنظار من يريد تدوين تاًريخ هذه الحقبة إليه، وأن يرعاه بالرعاية والعناية وبالنقد، وسيصل عندئذ على رأي لا يستطيع العثور عليه في كتب أهل التاريخ.
وقد صارت كتب المؤرخين المسلمين لذلك ضعيفة جداً في باب تأريخ العرب قبل الإسلام، ومادتها عن الجاهلية هزيلة جدّ قليلة بالقياس إلى ما نجده في كتب التفسير والحديث والفقه والأدب وشروح دواوين الشعراء الجاهليين والمخضرمين والموارد الأخرى. والغريب أن تلك الكتب اكتفت في الغالب بإيراد جريدة لأسم ملوك الحرة أو الغساسنة أو كندة أو حمير، مع ذكر بعض ما وقع لهم بعض الأحيان، على حين تجد كتب الأدب تتبسط في الحديث عنهم، وتتحدث عن حوادث وأمور لا نجد لها ذكراً في كتب المؤرخين، بل نجد فيها أسم ملوك لم تعرفها كتب التاريخ، مما صيرها في نظري أكثر فائدة وأعظم نفعا لتأريخ الجاهلية من كتب المؤرخين.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق