إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

21 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي


21

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الثاني

الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي

وفي الشعر الجاهلي الواصل الينا، شعر صحيح وشعر موضوع منحول حمل على الشعراء. وقد شخص أهل الفراسة بالشعر الصحيح منه ونصوا على أكثر الفاسد منه. ولم يقل أحد منهم أن الشعر الجاهلي موضوع كله، فاسد لا أصل له. فدعوى مثل هذه، هي دعوى كبيرة لا يمكن إن يقولها أحد. إنما اختلفوا في درجة نسبة الصحيح إلى الفاسد، أو نسبة الفاسد إلى الصحيح.

"وكان ممن هجنّ الشعر وأفسده وحمل كلُ غثاء، محمد بن إسحاق مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف. وكان من علماء الناس بالسير فنقل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها، ويقول لا علم لي بالشعر إنما أوتى به فأحمله، ولم يكن ذلك له عذراً، فكتب في السير من أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرا قطّ، وأشعار النساء فضلاّ عن أشعار الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود أفلا يرجع إلى نفسه: فيقول من حمل هذا الشعر، ومن أداه منذ ألوف من السنين، والله يقول: )وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى(. وقال في عاد: )فهل تهم ى لهم من باقية(. وقال: )وعادا وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلاّ الله(.

واّتهم "حمّاد الرواية" بالكذب وبوضع الشعر على ألسنة الشعراء، فقيل فيه: "وكان غير موثوق به. كان بنحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعار". وقال "أبو جعفر النحاس" المتوفى سنة 328 للهجرة في أمر "المعلقات": "إن حماداً هو الذي جمع السبع الطوال، ولم يثبت ما ذكره الناس من أنها كانت معلقة على الكعبة"، واتهم غيره ممن ذكرت من جهابذة حفظة الشعر الجاهلي بالوضع كذلك. وقد نصوا في كثير من الأحايين على ما وضعوه، وحملوه على الجاهليين. وذكروا أسباب ذلك بتفصيل، كالذي فعله مصطفى صادق الرافعي في "تأريخ آداب العرب".

وبعد هذه الكلمة القصيرة في الشعر الجاهلي - الذي سأتحدث عنه بإطناب في الجزء الخاص باللغة - أقول: إن إليه يعود فضل بقاء كثير من الأخبار المتعلقة بالجاهلية، فلولاه لم نعرف من أمرها شيئاً. ولست مبالغا إذا قلت إن كثيرا من الأخبار قد ماتت لموت الشعر الذي قيل في مناسباتها، وان أخباراً خلقت خلقاً، لأن واضع الشعر او راويه اضطر إلى ذكر المناسبة التي قيل فيها، فعمد إلى الخلق والوضع. وهو من ثم صار سبباً في تخليد الأخبار، لسهولة حفظه، ولاضطرار راويه إلى قص المناسبة التي قيل فيها.

وما قلته في أهمية الشعر الجاهلي بالقياس إلى عمل مؤرخ الجاهلية، ينطبق أيضاً على أهمية شعر الشعراء المخضرمين بالقياس إلى عمل هذا المؤرخ، فقد اسهم أكثر الشعراء المخضرمين في أحداث وقعت في الجاهلية، وكان منهم من جالس "آل نصر" و "آ"ل غسان"، وبقيمة سادات العرب، فورد في شعرهم أخبارهم وأحوالهم وطباعهم ويخر ذلك. كما نجد في شعرهم مادة عن الحياة العقلية والمادية في أيامهم. ثم إن حياتهم اتصلت بالإسلام، فلم يكن شعرهم وما قالوه ورووه بعيدَ عهد عن أهل الأخبار ورواة الشعر، وهو من ثم أقرب إلى المنطق والواقع من شعرً الجاهليين لبعدهم عن الرواة بعض البعد.

ولم ينج هذا الشعر أيضاً من الوضع، فحل على بعض الشعراء مثل "حسان ابن ثابت" بعض الشعر لأغراض، منها العصبية القبيلية، كما ساًتحدث عن ذلك فيما بعد. وفي الجملة إن المؤرخ الحاذق الناقد لن تفوته هذه الملاحظة حين رجوعه إلى هذا الشعر والى ما ورد على ألسنة الشرّاح.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق