178
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع عشر
العرب و اليونان
وقد ذكر إن والد الملك "سباسينس" HyspaosinesSpasines كان ملكاً يحكم العرب المجاورين لهذه المدينة. وقد عرف ب Sagdodonacus . وهو اسم لم يتفق الباحثون على أصله. ولما وجد "سياسينس" إن الخراب قد حل بالمدينة المذكورة، بنى لها سدأَ، أنقذها من الغرق، وأعاد بنائها فعرفت بأسمه. ويظهر إن حكم هذا الملك كان في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد. ويرى بعضهم إنه حسكم بابل و "سلوقية" Seleukeia في حوالي سنة "127 ق.م."، وانه كان يحكم مقاطعة Charax في حوالي سنة "130 ق.م." أو "129". وقد عثر على نقود ضربت بأسمه. ويظهر إن حكم هذه المملكة الصغيرة بقي إلى أيام المك "أردشير" الساساني، حيث قضى عليها في حوالي سنة 224 أو 227 م.
وقد عرفت Charax ب Charakene، وهي "ميسان" Mesene. Charax، هي "كرخا"، وعرفت أيضاً بي "كرخ ميسان".
وقد تحدث "سترابون" بشيء من الإيجاز يكن الساحل العربي المشرف على الخليج، مستمداً له من "ايراتوستينس" على الأكثر، إذ استند إلى وصفه وأخباره. أما "ايراتوستينس"، فقد جمع مادته من أقوال رجال، عرفوا الخليج وعركوه، وكانت لهم أيام فيه. منهم "نيرخس" Nearchus قائد الإسكندر الشهير وأمير أسطوله، و "أندروستينس" Androsothenes من أهل "ثاسوس" Thasos، كان في صحبة القائد "نيرخيس"، ثم كلف قيادة الأسطول الذي أمر بالسير بمحاذاة ساحل الجزيرة للكشف، وللحصول على معارف جديدة عن بلاد العرب. ومنهم "أرسطوبولس" Aristobulus وكان أيضاً من رجال البحر، و "أورثاغوراس" Orthagoras الذي كان من هذا الصنف كذلك. وأخذ "سترابون" من مورد آخر يرفع سنده إلى "نيرخس"، إلا إن "سترابرون" لم يذكر رجال السند، وإِنما ذكر جملة "قال نيرخس". في فجوز إن يكون هذا المورد من وضع القائد نفسه، أو من وضع مرافقيه، حكوا عنه، أو من وضع أناس جاءوا بعدهم، استندوا إلى روايات وأقوال مرجعها "نيرخس" أخذ منه "سترابون".
وقد اقتصر "سترابون" على ذكر "جرها" Gerrha، و "تير" Tyre، و "أرادوس" Aradus و "ماكه" Macae، وهي مواضع تقع على ساحل العروض، أي الساحل الشرقي لجزيرة العرب المطل على ا الخليج، ولم يذكر أماكن أخرى غيرها تقع في هذه المنطقة، وفي ذلك دلالة على قلة علمه بأحوال ذلك الخليج.، اما "جرها"، فمدينة تقع، على حد قوله، على خليج عميق أسسها مهاجرون "كلدانيون" من أهل بابل، في أرض سبخة، بنوا بيوتهم بحجارة من حجارة الملح، ترش جدرانها بالماء عند ارتفاع درجات لمنع قشورها من السقوط. وتقع على مسافة "200" "اسطاديون" Stadia من البحر. وهم يتاجرون بالطيب والمر والبخور، تحملها قوافلهم التي تسلك الطرق البرية. و يذكر "ارسطوبولوس" Aristobulus أنهم ينقلون تجارتهم بالبحر إلى بابل ثم إلى مدينة Thapascus، ومنها يعاد نقلها بالطرق البرية إلى مختلف الانحاء و "تباسكوس" Thapascus، هي: الدير، أو "الميادين" في رأي كثير من الباحثين.
وقد أشار إلى "جرها" كتاب آخرون، عاشوا بعد "ايراتوستينس" صاحب خبر هذه المدينة المدوّن في جغرافية "سترابون" أشار اليها مثلاً "بوليبيوس" Polybius "204- 122 ق. م."، و "أغا ثرسيدس" المتوفى سنة "145" أو "120 ق. م."، و "أرتميدورس" Artemidorus من أهل مدينة "أفسوس" Ephesus "حوالي 100 ق. م."، و "بلينيوس". وخلاصة ما أوردوه عنها إن المدينة كانت مركزاً من المراكز التجارية الخطيرة، وسوقاً من الأسواق المهمة في بلاد العرب، وملتقى طرق تلتقي القوافل الواردة من العربية الجنوبية والواردة من الحجاز والشام والعراق، كما إنها كانت سوقاً من أسواق التجارة البحرية تستقبل تجارة إفريقية والهند والعربية الجنوبية، وتعيد تصديرها إلى مختلف الأسواق بطريق القوافل البرية حيث ترسل من طريق "حائل" - "تيماء" إلى موانئ البحر المتوسط ومصر، أو من الطريق البري إلى العراق ومنه إلى الشام. وقد ترسل في السفن إلى "سلوقية" Seleucia، أو بابل Thapascus ومنها بالبر إلى موانئ البحر المتوسط. وما بي حاجة إلى إن أقول إنها كانت تستقبل تجارات البحر المتوسط والعراق والأسواق التي تعاملت معها، لتتوسط في إصدارها إلى العربية الجنوبية إفريقية والهند، وربما إلى ما وراء الهند من عالم ينتج ويستهلك. فهي سوق وساطة، والوسيط يصدر ويستورد و بعمله هذا يكتنز الثروة والمال.
وذكر القدماء إن الجرهائيين تاجروا مع حضرموت، فوصلت قوافلهم إليها في أربعين يوماً. وكانت تعود وهي محملة بحاصلات العربية الجنوبية، وحاصلات إفريقية المرسلة بواسطتها وهي بضاعة نافقة ذات أثمان عالية في الأسواق التجارية لذلك العهد. وتاجروا مع النبط بإرسال قوافلهم التي قطعت الفيافي مارة بمواضع الماء والآبار إلى "دومة الجندل" Dumatha ، و منها إلى "بطرا" عاصمة النبط. والنبط هم مثل بقية العرب تجار ماهرون نشيطون. فإذا وصل تجار "جرها" إلى أرض النبط باعوا ما عندهم للنبط واشتروا منهم ما محتاجون إليه من حاصل بلاد الشام والبحر المتوسط. أما التجار الذين يريدون أسواقاً أخرى غير أسواق النبط، فكانوا يتجهون نحو الشمال، فيدخلون فلسطين قاصدين "غزة"، أو يتجهون وجهة أخرى هي وجهة بصرى وبقية بلاد الشام. وقد اكتسبت."جرها" شهرة بعيدة في عالم التجارة في ذلك الزمان، بسبب مركزها التجاري الممتاز، وذاع خبر ثراءْ أهلها وغناهم، حتى زعم إنهم كانوا يكنزون الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وأنهم اتحذوا من الذهب آنية وكؤوساً وأثاثاً، وجعلوا سقوف بيوتهم وأبواب غرفهم به وبالأحجار النفيسة الغالية، وغير ذلك مما يسيل له لعاب الجائعين إلى المال. وهذا الصيد البعيد، هو الذي أثار الطمع في نفس الملك "إنطيوخس الثالث" Antiochus III، فجعله يقود أسطوله في عام "205 ق. م."، للاستيلاء على المدينة الغنية الكانزة للذهب والفضة واللؤلؤ وكل حجر كريم، وإذلال القبائل المجاورة، وإلحاقها بحكومته فإما إن تذعن وتستسلم بغير قتال، وتقدم ما عندها هدية طيبة إليه، وإما القتل والنهب ودك المدينة في دكّاً.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق