إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 15 نوفمبر 2015

177 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع عشر العرب و اليونان


177

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل السابع عشر

العرب و اليونان

وقد ورد في بعض الموارد إن العرب قدموا الأسلحة والملابس إلى الجيش المقدوني، وأن الإسكندر تمكن من قهر العرب. كما ذكر إن عربياً انقض على الإسكندر وفي يده اليمنى سيف مسدد نحو رقبته، قاصداً قتله في أثناء معركة حامية، غير إن الإسكندر تجنب الضربة بسرعة فاثقة فنجا. وكان هذا العربي في جيش "دارا" "داريوس" Darius.

وذكر "كونيتوس كورتيوس" إن "الإسكندر" بعد إن سار مع مجرى نهر Pallacopas وصل إلى مكان أعجبه، فأمر بإنشاء مدينة فيه، أسكنها العجزة والمسنين من رجاله، وذلك في أرض العرب. وسوف يأتي الكلام على ذلك في أثناء الحديث عن "بلينيوس" وما عرفه من بلاد العرب.

وكان مما تحدث به المؤرخ المذكور عن حملة الإسكندر إن أحد قواده كان قد تنكر في زي الأعراب وأخذ معه اثنين من العرب ليكونا دليلين في سيره، ووضعا زوجَيْها وأطفالهما لدى الملك الإسكندر ليكونوا رهائن عنده، لئلا يصيب القائد أي سوء ومكروه. فلما وصل إلى الموضع الذي قصده، وابلغ من أرسله إليه عاد ومعه الأعرابيان، فأثابهما.

ليست فتوحات الإسكندر التي قذفا بالإغريق والرومان إلى مساحات واسعة من آسية، حدثاً سياسياً حسب، إنما هي فصل من فصول كتاب التأريخ البشري، نقرأ فيه أخبار التقاء العالمين الشرقي والغربي وجهاً لوجه على مساحات واسعة مهن وجه هذه المسكونة. ونزعة الغرب في السيطرة على الشرق وتأثر الحضارات و الثقافات بعضها لبعض. وحصول علماء اليونان والرومان على معارف مباشرة عن أحوال أمم كانوا يسمعون أخبارها من أفواه التجار والسياح والملاحين فإذا وصلت إليهم كان عنصر الخيال فيها الذي يميل إلى التفخيم والتجسيم قد انتهى من عمله وأدى واجبه. فصححت فتوحات الإسكندر هذه للهلال الخصيب ولمصر، بعض تلك الأوهام، وجاءت بعلماء من اليونان إلى هذه البلاد، ولا سيما مصر فأفادوا واستفادوا، وصارت "الإسكندرية" بصورة خاصة، وبعض مدن بلاد الشام، ملتقى الثقافات، الثقافات الشرقية والثقافات الغربية، ومركز الاتصال العقلي بين الغرب والشرق وبقيت الإسكندرية محافظة على مكانتها هذه حتى ظهور الإسلام. وقد حملت فتوحات الإسكندر والحروب، التي وقعت بين الروم والفرس إلى الشرق الأدنى، دماً جديداً هو دم الإغريق ومن دخل في خدمة الإسكندر واليونان والرومان من الجنود والمتطوعة والمرتزقة من سواحل البحر المتوسط الشمالية وما صاقبها من أصقاع أوروبية. لقد بنى الإسكندر الأكبر مدينة Charax على ملتقى نهر "كارون" بدجلة، وأسكنها أتباعه وجنوده ومواطني المدينة الملكية، كما بنى مدناً أخرى، وقد كان من المحبين المولعين ببناء المدن، وبنى خلفاؤه مدناً جديدة في الشرق، وكذلك من أخذ تراثهم من اليونان والرومان. وحمل الفرس عدداً من أسرى الروم، وأسكنوهم في ساحل الخليج وفي مواضع أخرى. وطبيعي إن ترك سكنى هؤلاء في الشرق أثراً ثقافياً في الأماكن التي أقاموا فيها وفي نفوس من جاورهم أدرك قيمته المؤرخون المعاصرون.

والمؤرخ "بلينيوس"، هو أول من أشار إلى مدينة Charax هذه المدينة التي أنشأها الإسكندر، في جملة المدن التي أنشأها في الشرق، ويظن إنها "المحمَّرة". بنيت هذه المدينة - كما يقول "بلينيوس" - في النهاية القصوى من الخليج العربي أي الخليج الذي يسمى اليوم باسم "خليج البصرة" أو "خليج فارس" كما يسميه "الكلاسيكيون" Sinus Persicus ، عند خط ابتداء العربية السعيدة Arabea Eudaemon أي جزيرة العرب، ويقع نهر دجلة على يمينها. وقد دعيت "الإسكندرية" نسبة إلى الإسكندر. وقد خربت هذه المدينة مراراً من فيضان الأنهر وإِغراقها لها، ثم بناها "انطيوخس الرابع" Antiochus Epiphanes IV "175 - 163 ق. م." ودعيت باسمه، ثم تحربت أيضاً، فرممها و أعاد بناءها الملك "سباسبنس" HyspaosinesSpasines ملك العرب المجاوربن، وأنشأ لها سداً لحمايتها، وسماها باسمه. وقصدها التجار اليونان والعرب.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق