إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 15 نوفمبر 2015

176 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع عشر العرب و اليونان


176

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل السابع عشر

العرب و اليونان

ولما أراد الإسكندر احتلال "غزة" في طريقه إلى مصر، قاومت المدينة، ودافع عنها رجل سماه "أريان" "باتس" Betis=Baetis=Batis، مستعيناً بجيوش عربية قاومت مقاومة شديدة اضطرت الإسكندر إلى نصب آلات القتال. إلا إن العرب هاجموها لإحراقها، كما هاجموا المقدونيين الذين كانوا متحصنين في مراكز القيادة وراء تلك العُدَدْ. وقد اضطر المقدوينون إلى مغادرة مواضعهم هذه إلى أماكن جديدة، وكادوا ينهزمون هزيمة منكرة لو لم يأتهم الإسكندر بمساعدات قوية في الوقت المناسب. وقد أصيب بجراح. وظلت تقاومه مدة خمسة شهور "332 ق. م.". ويذكر "هيرودوتس" إن المنطقة الواقعة من "غزة" إلى موضع Jenysus، كانت مأهولة بالقبائل العربية المتصلة بطور سيناء منذ القديم. وقد حكمها ملك عربي لم يذكر اسمه.

ويرى بعض الباحثين إن "باتيس" Batis هذا الذي وقف بوجه جيوش الإسكندر وقاومها هذه المقاومة العنيفة، في حوالي سنة "332 ق. م." كان رجلاً عربياً اسمه "باطش" أي الفاتك. ويستدلون على ذلك بورود اسم رجل في الكتابات النبطية، هو "بطشو"، أي "باطش". وقد حرّف ذلك الاسم فصار Batis. وهم يرون إن غالبية سكان "غزة" كانت من العرب منذ زمن طويل قبل الميلاد. وإنها كانت نهاية طرق القوافل البرية التجارية التي كان يسلكها التجار العرب القادمون من اليمن والحجاز ومن مواضع أخرى ولا يعقل لذلك إن يكون حاكمها ايرانياً، كما ذهب إلى ذلك بعض المؤرخين. فرجعوا لذلك رأي من يقول إن "الباطش" Batis ، كان من العرب.

لقد كانت "غزة" المركز الرئيسي للتجار العرب على البحر المتوسط، فاليه تنتهي التجارة العربية، ومنه يتسوق التجار العرب البضائع التي ترد إليه من موانئ هذا البحر. ولما فتحت المدينة أبوابها لجيش الإسكندر بعد ذلك الحصار الشاق، وجد اليونان فيها مقادير كبيرة من المر واللبان وحاصلات العربية الجنوبية، فاستولوا عليها. فخسر التحار العرب بذلك خسارة فادحة.

ونجد في كتاب "تأريخ الإسكندر" ل "كوينتس كورتيوس" Quintus Curtius ، خبراً يفيد إن "الإسكندر" أخذ من أرض العرب المنتجة للبخور كمية من البخور لإحراقها للآلهة تقرباً إليها. غير إننا لا نستطيع تصديق هذه الرواية، لأن جيوش الإسكندر لم تتمكن من دخول جزيرة العرب، ولم تصل إلى أرض البخور. إلا إن يكون حكامها قد أرسلوا البخور المذكور هدية إليه، أو ضريبة من التجار العرب في مقابل السماح لهم ببيعه في الأسواق التي استولى عليها اليونان.

وقد توسع مؤلف الكتاب المذكور في إطلاق لفظة العرب Arabum والعربية أي أرض العرب Arabia في أثناء حديثه عن العرب وعن أرضهم فأدخل في العرب جماعة ليسوا منهم مثل "بني إرم". ولما تحدث عن فتح الإسكندر للبنان، ذكر إنه ذهب بعد ذلك إلى العربية، أي أرض العرب وعنى بها البادية الواسعة التي تفصل بلاد الشام عن "ما بين النهرين"، وكل الأرضين على ضفة الفرات الغربية.

هذا ولا أظن إن إنساناً يقول إن "الإسكندر" المذكور كان قد حصل على علمه بثراء العرب و بنفاسة ما يبيعونه في أسواق البحر المتوسط من تجارات عن طريق الوحي والإلهام، وبنباهة فكره، إن علماً من هذا النوع لا يمكن إن يحصل عليه إنسان إلا من علم الماضين ومن علم السياح والتجار بصورة عامه في لأنهم كانوا ولا زالوا منذ خلق الإنسان يفتشون عن الأسواق وعن المنتجات ويتعارفون فيما بين هم على اختلاف ألوانهم وأديانهم للحصول على معارف تجارية تخولهم الحصول على ما يبتغون بأرخص الأسعار.

من هذه الموارد ولا شك حصل "الإسكندر" على علمه بأحوال الهند وبأحوال جزيرة العرب وبالأسواق التي كانوا يرتادونها. وعلمه هذا هو الذي حمله على إن يوجه حملته على بلاد العرب - على ما أرى - من البحر لا من البر، لأنه أدرك إن حملة بحرية تمكنه من السيطرة على مفاتيح الجزيرة وعلى النقط الحساسة فيها بسهولة ويسر وبدون تكاليف باهظة، وبذلك يقبض على خناقها ويقطع عنها إن تيسر له النجاح اتصالها بأسواق إفريقية والهند وما وراء الهند، وهي الأسواق الرئيسية التي موّنت العرب بالثراء وبذلك يقطع عنهم موارد الثراء.

أما من البرّ فقد كان على علم أكيد من خلال تجارب الماضين ومن علمه وعلم قواد جيشه بصعوبة الاستيلاء عليها من البرّ ومن الاحتفاظ بها أمداً طويلا، والمحافظة على طرق المواصلات الطويلة وإيصال المؤن إلى قواته، لذلك لم يفكر في الاستيلاء علها من البرّ. ثم إن ثراء سكان الجزيرة المشهور لم يكن من ثراء حاصلاتها وإنتاجها وإنما كان من أسواق إفريقية والهند في الغالب، ولهذا رَجّح خطة السيطرة على موانئ جزيرة العرب بوضع قوات بها على خطة السيطرة على الجزيرة من البر، وأغلب الجزيرة بحار من رمال. وبذلك وضع خطة سار عليها من جاء بعده من الغربيين حتى العصر الحديث باستثناء "أغسطس قيصر" الذي لاقت حملته البرية الفشل والهزيمة لأنها بنيت على جهل فاضح بحال جزيرة العرب، وبحقيقة صعوبة السيطرة عليها من البر.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق