إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 15 نوفمبر 2015

157 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس عشر صلة العرب بالكلدانيين و الفرس


157

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخامس عشر

صلة العرب بالكلدانيين و الفرس

وقد استطعنا بفضل هذا النص التأريخي الخطير من العثور على خبر "يثرب" في وثيقة تعود إلى ما قبل الميلاد بكثير، فعلمنا منه إنها كانت مدينة عامرة قديمة، وإنها كانت أقدم بكثير مما تصوره أهل الأخبار عن نشوئها، ثم استطعنا أن نفهم إن العراقيين كانوا قد استولوا على منطقة مهمة من الحجاز في ذلك العهد، وان بعد المسافات بين الحجاز أو العربية الجنوبية لم يحل بين الآشوريين والبابليين من التوغل مسافات شاسعة في جزيرة العرب من طرفيها ومن اجتياز نجد أيضاً، كما رأينا من وصولهم إلى جنوب البحرين على الخليج وإلى سبأ وإلى يثرب في هذا العهد.

وقد تنقل "نبونيد" مدة عشر سنوات في هذه المنطقة التي فتحها من الحجاز، في أرض يبلغ طولها حوالي "255" ميلاَ من "تيماء" إلى "يثرب" وحوالي "100" ميل عرضاً، يراجع أهلها وينزل بين قبائلها، ويختلط بها، ثم يعود إلى عاصمته تيماء، حيث يسير منها أمور الدولة. ويظهر أنه تطبع من خلال أقامته هذه المدة بين العرب ببعض طباعهم، واقتبس بعض.مصطلحاتهم حيث وردت في النص.

ويرى بعض من عالج هذا النص ودرسه أن الملك البابلي نقل معه خلقا من العراق، وأسكنهم في هذه الأماكن الحجازية، في المواضع المذكورة وكان يأتي إليهم من تيماء، ليتفقد أحوالهم، وليرى بنفسه سبل الدفاع عنهم وحمايتهم من غارات الأعداء. ويرون أيضاً أن في جملة ما جاء بهم إلى هذه الأماكن اليهود: يهود من بابل، ويهود من فلسطين، كما رأوا أن اليهود كانوا قد سكنوا هذه المواضع من قبل، وربما كان ذلك منذ جاء اليهود إلى فلسطين، فأقامرا بها إلى أيام النبي.

ويظهر أن الملك "نيونيد" كان قد وضع خطة للهيمنة على الأرضين فكلحاقها نهائياً ببابل، وذلك باسكان أتباعه بها وإجبارهم على الإقامة فيها. وقد نفذ خطته هذه فعلاً، ووزع من كأن قد جاء بهم معه على هذه المواضع بأن انتزع الأملاك من أصحابها العرب وأعطاها للمستوطنين لجدد، وحماهم بجيش وضعه في كل مكان لصدّ غارات الأعراب عليهم. ولتقوية معنوياتهم ولتثبيت قلوبهم في البقاء في هذه الأرضين الجديدة. صار يتفقد شؤونهم بين الحين والحين ويزورهم. ولكن الخطة لم تنجح، لأن الظروف السياسية والعسكرية أكرهته على العودة إلى بابل، فمات مشروعه مع عودته، فلم تلحق تلك الأرضين قي بابل، غير أن أكثر المستوطنين الجدد بقوا في هذا الأماكن، وفي جملتهم اليهود الذين ازداد عددهم بمرور الأيام وكوّنوا مستعمرات يهودية وصلت "يثرب" في الجنوب.

لقد ترك فتح "نبونيد" لهذه الأرضين من الحجاز وبقاء بعض من نقلهم إلى هذه المواضع فيها للاستيطان بها أثراً كبيراً من الناحية الثقافة والاقتصادية والحضارية، وهي نواح لم تدرس حتى الآن، ولم يهتم بها أحد. ولكن وجود ألفاظ عراقية قديمة في لغة أهل "يثرب" والمناطق الأخرى التي تقع إلى الشمال منها، وخاصة في الزراعة، يدل دلالة واضعة على أثر العراق في أهل هذه المواضع، فقد يكون قسم منه من بقايا أثر أولئك العراقيين الذين نقلوا إلى هذه الأماكن، وقد يكون قسم منه من مؤثرات أخرى وقعت قبل هذا الحادث. قد يكون في أيام "بخت نصر" أو قبله، وقد يكون بعضه من مؤثرات حوادث وقعت بعد ذلك.

وفي نسخة "قمران" الحاوية لبعض الإصحاحات من العهد القديم، وقد عثر عليها في نفس الوقت الذي عثر فيه على نص "حرّان" أخبار قد تساعدنا في توضيح أسباب سوق "نبونيد" لليهود وأخذهم معه، وإرسائهم بهذه الأرضين الجديدة من أعالي الحجاز، إرساءً أقرهم فيها وأبقاهم حتى جاء الإسلام فأبعدهم عن الحجاز.

إننا لا نملك نصوصاً بابلية عن مدى بلوغ سلطان البابليين السياسي في جزيرة العرب وعن صلاتهم بالقبائل العربية، لذلك. انحصر علمنا بعلاقة بابل بالعرب في الأمور التي ذكرتها. وقد عثر على نص في مدينة "عانة"، يثبت وجود صلات تجارية بين بابل والبلاد العربية كما يشير إلى أثر بابل في الحياة العربية.

أما علاقات البابليين بأهل الخليج، فلا نعرف من أمرها شيئاً، فلم يرد في النصوص البابلية التي تتحدث عن هذه الحقبة شيء ما عن الفتوحات البابلية في هذه الأرضين. وقد يعثر على شيء من الكتابات في المستقبل، تتحدث عن الصلات التي كانت بين حكومة "بابل" وأهل الخليج في هذا العهد.

وكل ما نعرفه عن علاقة البابليين بالخليج، إن البابليين كانوا قد ضموا جزيرة "دلمون" أي البحرين إلى أملاكهم، وعينوا عليها حاكماً بابلياً، وذلك بعد سنة "600 ق. م." بقليل.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق