إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 15 نوفمبر 2015

156 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس عشر صلة العرب بالكلدانيين و الفرس


156

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخامس عشر

صلة العرب بالكلدانيين و الفرس

ويرى بعض الباحثين الذين درسوا كتابة "حرّان" هذه أن الصلح الذي أشار إليه، الملك يجب أن يكون قد عقد في حوالي سنة "548ق. م." في مدينة "تيماء" عاصمة الملك الجديد، وأن الصلح الذي عقد مع الأعراب قد وقع في "تيماء" أيضاً، وأن الهجمات التي هاجم بها بعض الأعراب البابليين وقعت إبان وجوده في هذه العاصمة وقبل رحيله عنها إلى "بابل"، ولكن من هم العرب الذين عقدوا الصلح مع "نبونيد"? ومن هم العرب الذين هاجموا جيشه والأرضين التي خضعت له? إن النص لم يشر إليهم، ولم يتحدث عنهم، وهم بالطبع قبائل عديدة، قد يكون منها قبائل سالمت البابليين وحالفتهم، ومنها قبائل عارضتهم وكرههّم، ثم إن بين القبائل منافسة وأحقاد وحسد، فإذا حالفت قبائلٌ حكومةً ما، حسدتها القبائل المنافسة، فهاجمتها وهاجمت الحكومة التي عقدت معها الحلف، لإثبات نفسها، ولإظهار وجدودها، ولأخذ الزعامة منها، وهذا داء القبائل منذ كان النظام القبلي.

والذي أراه أن الحجاز لم يكن آنذاك تحت حكومة واحدة يرأسها ملك واحد، وإنما كان على نحو ما كان عليه عند ظهور الإسلام، حكومات قرى ومدن وقبائل. ويؤيد ذلك ما جاء في النص البابلي عن "تيماء" أن "نبونيد"، "فتل بالسلاح ملك تيماء" "ملكو". ومعنى هذا إنها كانت في حكم حاكم يلقب نفسه بألقاب الملوك. ولا أستبعد أن يكون حال "ديدان" و "خير" م و "فدك" و "يديع" و "يثرب" مثل حال هذه المدينة، أي عليها حكام يلقبون أنفسهم بألقاب الملوك. ولا أستبعد أيضاً أن يكون حالها أو حال بعضها على نحو حال هذه المدن يوم ظهور الإسلام أي تحت حكم سادات المدينة والأشراف يشتركون معاً في الحكم ويتشاورون فيما بينهم عندما يحدث حادث ما في مدينتهم أو قريتهم في أمور السلم وفي أمور الحرب.

ووضع سياسي على هذا النحو، لا يمكن أن يقاوم جيشاً لجباً قويا عارماً كجيش بابل المدرّب على القتال، والذي يعيش على الحروب، ولذلك انهار بسرعة وسلم أمره إلى البابليين. ومن هنا نشتم من نص "نبونيد" رائحة الاستخفاف بأسلحة "العرب"، أي الأعراب سكنة هذه المواضع، وبأسلحة تلك المدن التي استسلمت له. وكل ما فعله الأعراب أنهم تراجعوا إلى البوادي، وصاروا يشنّون منها غارات على البابليين ليأخذوا منهم ما يجدونه أمامهم، فإذا تعقبهم البابليون عادوا إلى معاقلهم وحصونهم: الصحراء.

وقد عثر على كتابة ثمودية وردت فيها جملة: "رمح ملك بابل"، وعلى كتابة ثمودية أخرى جاء فيها: "حرب دون" "حرب ديدان". وقد فسر العلماء الجملتين المذكورتين بأنهما إشارة إلى الحرب التي نشبت بين البابليين وأهل ديدان في أيام "نبونيد"، وان أهل تلك المناطق صاروا يؤرخون بها لأهميتها عندهم كحادث تأريخي. فالكتابتان أذن تحددان وقت تلك الحرب، وتعينان مبدأ تقويم يؤرخ بموجبه عند أهل ثمود. غير أننا لم نتمكن من الوقوف على ذلك المبدأ من الكتابتين المذكورتين، لقصرهما ولعدم وجود مفتاح معهما يفتح لنا الباب لنصل منه إلى الموضع الذي حفظ فيه صر ذلك التأريخ.

أما موضع "Da-da-nu"" "دادانو"، فإنه "ديدان"، وهو موضع معروف مشهور، ورد ذكره في "العهد القديم"، وفي عدد من الكتابات وتحدثت عنه في مواضع من هذا الكتاب، فكان إذن في جملة الأرضين التي خضعت لحكم "نبونيد".

وأما "Pa-dak-ku" "بداكو"، فهو موضع "فدك"، ولم يكن مشهوراً في الأخبار القديمة، و إنما اشتهر في أيام الرسول، إلا أن عدم اشتهاره لا يمكن أن يكون دليلا على عدم وجوده في أيام "نبونيد". وربما لا يستبعد أن يعثر في خرائبه على آثار من عهد "نبونيد" وقبل عهده، إذ كان كل معروفاً قبل أيامه، بدليل ذكره في جملة المواضع التي استولى عليها هذا الملك.

وأما "Hi-ib-ra-a" "خي - ا ب - ر ا - ا" "خيبرا"، فهو موضع "خيبر". وهو موضع معروف وقد كان من مواطن يهود في أيام النبي. وهو موضع "خيبر" الذي أرخ بحرب وقعت فيه في حوالي سنة "568م" "بعد مفسد خيبر بعام".

وموضع "Ia-di-hu-u" "Iadihu"، وهو موضع "يديع"، ويقع بين "فدك" و "خيبر"، وقد ذكره "ياقوت الحموي" والهمداني.

وأما "Iatribu" "ايتريبو" ، فهو موضع "يثرب" أي المدينة. وقد ذكر في جغرافيا "بطلميوس"، فيكون نص "حرّان" إذن أقدم نص ذكر اسم هذا المكان.

و "يثرب" إذن آخر موضع استولى عليه البابليون في الحجاز وألحقوه بمملكتهم مملكة بابل. لسكوت النص عن ذكر مواضع أخرى تقع في جنوبها ولو كانوا قد تجاوزوها لذكروا اسم الأماكن التي استولوا عليها من دون شك.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق