155
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس عشر
صلة العرب بالكلدانيين و الفرس
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "تمياء" التي استقر بها "نبونيد" هي تيماء أخرى تقع في العروض على ساحل الخليج، وحجتهم في ذلك أن المسافة بين تيماء الحجاز وبابل، كبيرة واسعة، تجعل من الصعب تصور إقامة "نبونيد" في هذا المكان. أما العروض فإنه على اتصال ببابل، ولا يفصل بينهما حاجز أو فاصل أو عائق، ولهذا ذهبوا إلى احتمال وقوع "تيماء" في العروض، كما ذهب بعض آخر إلى احتمال كون "تمياء" "تيمان" الذكورة في التوراة. وهي أرض "أبناء الشرق"، وملتقى طرق القوافل القادمة من بلاد الشام ومصر والعراق والجنوب. غير أن الباحثين في هذا اليوم متأكدون من أن "تيماء" "نبونيد" هي "تيماء" الحجاز، في المملكة العربية السعودية.
فقد عثر في "حرّان" على كتابة مهمة جداً في بحثنا هذا، دوّنها الملك "نبونيد"،عثر عليها في سنة "1956 م"،وكانت مدفونة في خرائب جامع حرّان الكبير، وترجما إلى الإنكليزية، وإذا بها تتحدث عن تأريخ أعمال ذلك الملك، ومما جاء فيها: إنه لما ترك "بابل" وجاء إلى "تياء"، أخضع أهلها، ثم ذهب إلى "ددانو" "ديدان" و "بداكو" و "خبرا" و "ايدنخو" حتى بلغ "اتريبو". ثم تحدث بعد ذلك عن عقده صلحاً مع "مصر" و "ميديا" "ما - دا - ا - ا" "مادا ا" "Ma-da-a-a "Mdees" ومع "العرب "مات ا -را -بي - او" "Mat Ara-di-u". وقد ختم العمود الذي جاء فيه هذا الخبر بأسطر تشمت جمل منها ؛ يفهم من مآلها أن العرب المذكورين أرسلوا إليه رسلاً، عرضوا عليه عقد صلح معه، واستسلامهم له، فوافق على ذلك، بعد إن كبدهم جيشه خسائر فادحة، وأسر منهم، ونهب. ولم تذكر تلك الأسطر المواضع التي حارب فيها جيش "نيونيد" أولئك الأعراب. وقد يفهم من هذه السطور الأخيرة أيضاً إن بعض هؤلاء العرب هاجموا البابليين، ونهبوا المناطق الخاضعة لهم بالرغم من عقدهم الصلح كل معه، وموافقتهم على إن يسالموه، وهذا ما دعاه على إرسال حملات تأديبية عليهم، أنزلت بهم خسائر فادحة.
ولم يكن نص "نبونيد" معروفاً بين العلماء يوم اختلفوا في تعيين موضع "تيماء" 0 أما اليوم وقد نشر النص وترجم ترجمة دقيقة صحيحة، وعرفنا منه "فدك" و "خيبر" و "يثرب"، وهي مواضع معروفة مشهورة حتى اليوم وتذكر مع "خيبر"، فقد أجمع العلماء على أن "تيماء" "نبونيد" هي "تيماء" الحجاز من درن أي شك، وان موضع إقامة. ملك بابل وقصره كان في هذا المكان من الحجاز.
ولما كان استيلاء "نبونيد" على "تيماء" في حدود سنة "551 - 552ق. م." وجب أن يكون زحفه على الأماكن المذكورة بعد ذلك، والظاهر إن الذي حمله على التوغل في الجنوب، رغبته في السيطرة على اخطر طريق برية لتجارة، تربط بلاد الشام بالعربية الجنوبية، وهي طريق قديمة مسلوكة، تسلكها القوافل التجارية المحملة بأنفس التجارات المطلوبة في ذلك العهد، ثم السيطرة على البحر الأحمر، وذلك بالاستيلاء على الحجاز وعسير واليمن وربما على العربية الجنوبية كلها. ولو تم له ذلك، لكان ملكه قد بلغ المحيط الهندي . ومن يدري? فلعل اختياره "تيماء" مقراً له، وتجوله في الأرضين الواقعة بينها وبين "يثرب" كان لهذا السبب، أي لتنفذ تلك الفكرة الخطرية، فكرة السيطرة على جزيرة العرب وبلوغ المياه الدافئة للوصول إلى إفريقية والهند والعربية الجنوبية! إلا أن فكرته هذه لم تتحقق كما يتبين من النص، فكان أقصى إليه "يثرب"، ثم توقف عند ذلك.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق