146
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع عشر
العرب في الهلال الخصيب
وقد جاء في نص آشوري إن الملك "سنحريب" أرسل حملة إلى الخليج، فانتصرت وحققت رغباته، وقد فرّ ملك " أرض البحر" إلى أرض "عيلام". ويظهر إنه بني أسطولاً قوياً حمل جنوده إلى تلك الأنحاء، فلم يتمكن أهل الخليج من مقاومته و أضطر إلى الخضوع لآشور.
ويظهر إن "سنحريب" كان قد تمكن فعلا من إخضاع الأعراب له، ومن السيطرة عليهم، ويرى بعض الباحثين في نعت "هيرودوتس" له بأنه "ملك العرب والآشوريين" تعبيراً عن إخضاع "سنحريب" الأعراب لحكمه وان كان ذلك قد وقع لأمد محدود، وفي نص دونه "أسرحدون" "680-669 ق. م." عن أعماله وعن أعمال والده إن أباه "سنحاريب"، أخضع "أدومو" "Adumu" "معقل أريبي"، واستولى على أصنامها، وحملها معه إلى عاصمته، وأسر ملكتها "Iskallatu" التي كانت كاهنة للإله "دلبات" "Dibat"، وأسر الأميرة "تبؤة" "Tabua" كذلك. فهو يؤيد بذلك ما ذكره أبوه من انتصاراته على العرب.
ولم يتحدث النص الآشوري عن الجهة التي هاجم منها "سنحاريب" "دومة ا لجندل" أي "Adummatu" "Adumu". و ير ى "موسل" إنه هاجمها من إقليم "بابل"، وبرى أيضاً أن سلطان الملكة "تلخونو" كان يشمل منطقة واسعة نمتد من "أدومو" إلى حدود بابل. وقد كان أعرابها يمتازون ويبتاعون الطحين والملابس والمواد للضرورية الأخرى من بابل، فيسلكون البادية، ومن هذه البادية وصلت إمداد الملكة وقوامها إلى بابل لمساعدتها في مقاومة آشور، فاشتركت مع البابليين في الحرب، على حين هاجم فريق آخر من اتباع الملكة المقاطعات الآشورية في بلاد الشمام. فلما تغلب "سنحاريب" على بابل وانتصر عليها في سنة 689 ق. م، تفرغ لمحاربة الملكة والانتقام منها، فأمر قواته بالضغط على أتباع الملكة، وتعقبهم في البادية لحفظ الحدود. ثم حاصر "أدومو"، حتى تغلب عليها، وانتصر على هذا المعقل الذي التجأ إليه أتباع هذه الملكة وغيرهم للخلاص من الآشوريين.
ويظهر من النصوص الآشورية أن خلافاً وقع بين الملكة "تلخونو" والملك "خزا ايلي"، قد تكون أسبابه الهزيمة التي حاقت بهما ومحاصرة "سنحاريب" لهما في "دومة الجندل". وقد كان "خزا ابلي" على ما يظهر هو الذي تولى قيادة الجيش، وتنظيم خطط الدفاع والهجوم. فسببت الهزائم التي حلت بهما غضب الملكة عليه وعلى سوء قيادته "فغضبت تلخونو على خزا ايلي ملك ارببي". ولعلهما اختلفا أيضاً بسبب محاصرة "دومة الجندل" والدفاع عنها أو عدمه. ومهما يكن من شيء، فقد استسلمت الملكة "تلخونو" للآشوريين، وتغلبت جيوش "سنحاريب" على هذا المعقل، وأخذت الأصنام أسرى إلى "نينوى" كما أخذت الأميرة "تبؤة" "Tabua" أسرة إلى عاصمة آشور، لتربى هناك تربية يرضى عنها الآشوريون، ولتهذب تهذيبا سياسياً خاصاً يؤهلها أن تكون ملكة على "أريبي".
أما "خزا ايلي"، فقد تكن من خرق حصار الآشوريين على "دومة الجندل" ومن الاعتصام مع أتباعه بالبادية، حيث لم يكن في قدرة "سنحاريب" مطاردتهم و إيقاع خسائر بهم، وبقي في هذه البادية طول حياة "سنحاريب". فلا توفي هذا الملك، وانتقل الملك إلى ابنه "أسرحدون"، وزالت أسباب الجفاء، قصد نينوى لمقابلة الملك الجديد، ومعه هدايا كثرة، سر" بها الملك واستقبله بلطف ورعاية، وسلمه الأصنام الأسرة السيئة الحظ التي كان عليها أن تشارك أتباعها الحياة الأرضية المزعجة، وتمكنت كل من "عتر سماين" "عثتر السماء" و "دبلات" و "دايا" "ديه" "Daja" و "نوهيا" "نهيا" "نهى" "Nuhaia" و "ابيريلو" "Ebirillu" و "عثتر قرمية" "عثر قرمي" "Atar Kurumaia"، وهي الآلهة التي كتب عليها أن تسجن، من استنشاق ربح الحرية ثانية، ومن استعادة مقامها بين عبادها، فوضعت في أماكنها، وسر أتباعها ولا شك بهذه العودة.
وفي أثناء وجود تلك الأصنام في الأسر، أصيبت ببعض التلف، فمنَّ "أسرحدون" عليها بالأمر باصلاح ما أصابها و إعادتها إلى ما كانت عليه، ثم تلطف فأمر بإرجاعها إلى "خزا ايلي" "خزائيل"، بعد أن نقشت عليها كتابة تفيد تفوق إله آشور على تلك الأصنام، وبعد أن نقش عليها اسم الملك.
وأراد "أسرحدون" تنصيب "تبؤة" "Tabua"، التي تربت تربية آشورية، ملكة على أشورية"، ليضمن بذلك فرض سلطان آشور على الأعراب.
وهو حلم تحقق، ولكنه لم يدم طويلاً، لأن العداء بين الآشوريين والعرب كان عميقاً، لا يقضي عليه منح تاج، ونصب ملك أو ملكة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق