133
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني عشر
طبقات القبائل
"الطوطمية" ودور الأمومة عند العرب
وقد لاحظ العلماء المحدثون إن بين أسماء القبائل، أسماء هي أسماء حيوان أو نبات أو جماد أو أجرام فلكية. كما لاحظوا إن بين المصطلحات الواردة في النسب مصطلحات لها علاقة بالجسم وبالدم. و قد وجدوا إن بين هذه التسميات والمصطلحات وبين البحوث التي قاموا بها في موضوع دراسة االمجتمعات البدائية صلة وعلاقة. وان للتسميات المذكورة صلة وثيقة ب "الطوطمية"، كما إن للمصطلحات صلة. بما يسمى ب "دور الأمومة" أو "زواج الأمومة"عند علماء الاجتماع.
والطوطمية نظرية وضعها "ماك لينان" "م كلينان" المتوفى سنة 1881 م، خلاصتها: 1 - إن الطوطمية دور مرّ على القبائل البدائية، وهي لا تزال بين أكثر الشعوب إغراقاً في البدائية والعزلة.
2 - إن قوامها اتخاذ القبيلة حيواناً أو نباتاً، كوكباً أو نجماً أو شيئاً. أخر من الكائنات المحسوسة أباً لها تعتقد إنها متسلسلة منه وتسمى باسمه.
3 - تعقد تلك القبائل إن طوطمها يحيها ويدافع عنها، أو هو على الأقل لا يؤذيها وان كان الأذى طبعه.
4 - لذلك تقدس القبيلة طوطمها وتتقرب إليه وقد تتعبد له.
5 - الزواج ممنوع بين أهل الطوطم الواحد، ويذهبون إلى الزواج من قبائل غريبة عن قبيلة الطوطم المذكور. وهو ما يعبر عنه ب "Exogamy" في اللغة الإنكليزية. إذ يعتقدون إن التزاوج من بين أفراد القبيلة الواحدة ذو ضرر بالغ، ومهلك للقبيلة، لذلك يتزوج رجال القبيلة نساءً من قبيلة أخرى غريبة، لا ترتبط بطوطم هذه القبيلة، والمخالف لهذه القاعدة، أي الذي يتزوج امرأة من قبيلته يعرض نفسه للعقوبات قد تصل إلى الحكم عليه بالموت.
6 - الأبوة غير معروفة عند أهل الطوطم، و مرجع النسب عندهم إلى الأم.
7 - لا عبرة عندهم إلى العائلة، والقرابة هي قرابة الطوطم، فأهل الطوطم الواحد اخوة و أخوات يجمعهم دم واحد.
والطوطمية "Totemism"، لفظة أخذت من كلمة "Ototemom"، وهي من كلمات قبيلة "Ojibwa" من قبائل هنود أمريكا. اشتق منها "لانك" "J. Lang" كلمة "توتم" "Totem"، ومنها أخذ اصطلاح "طوطمية" "توتميسم" "Totemism" الذي يعني اعتقاد جماعة بوجود صلة لهم بحيوان أو حيوانات تكون في نظرها مقدسة، ولذلك لا يجوز صيدها أو ذبحها أو قتلها أو أكلها أو إلحاق أذى بها. وتشمل الطوطمية النباتات كذلك، فلا بجوز لأفراد الجماعة التي تقدسها قطعها أو إلحاق الأذى بها. وقد يتوسع بها فتشمل بعض مظاهر الطبيعة مثل المطر والنجوم والكواكب.
وهم يؤمنون بأن "الطوطم" لا يؤذي أتباعه. فلا يخافون منه، حتى وإن كان من الحيوانات المؤذية، التي تلحق الأذى بالإنسان، كالحية أو العقرب أو الذئب. وهم يعتقدون أيضاً انه يدفع عنهم، وأنه ينذر أتباعه إن أحس بقرب وقوع خطر على أتباعه، وذلك بعلامات و إشارات على نحو ما يقال له الزجر والطيرة والفأل.
وهم يتقرب ون إلى طوطمهم، محاولة منهم في كسب رضاه، فيقلدونه في شكله ومظهره، وقد يلبسوا جلده أو جزءاً من جلده، أو يعلقون جزءاً منه في أعناقهم أو أذرعهم على نحو من التعاويذ. لأنه يحميهم بذلك ويمنع عنهم كل سوء. كما يحتفلون وبالمناسبات مثل مناسبات الولادة أو الزواج أو الوفاة بنقش رمز الطوطم على ظهر المولود، أو دهن الجسم بدهن مقدس من دهان ذلك الطوطم إلى آخر ما هنالك من أعراف وتقاليد.
ويؤلف المعتقدون بالطوطم جماعهّ تشعر بوجود روابط دموية بين أفرادها، أي بوجود صلة رحم بينها. والرابط بينها هو ذلك الطوطم الذي تنتمي الجماعة إليه وتلتف حوله، ليكون حاميها والمدافع عنها في الملمات. ومن أصحاب هذا المذهب من لا يذكر اسم الطوطم، بل يُكنى عنه. ويجوز أن يكون ذلك خوفاً منه، أو احتراماً له. وقد يرسم له شعار تحمله الجماعة وأفرادها. ولها قوانين وآراء في موضوع الزواج الذي تترتب عليه قضية القرابة وصلات الرحم.
و للعلماء نظريات وآراء في الطوطمية. وفي منصبّة على دراسة الناحية الاجتماعية منها، من حيث كون " الطوطمية " نظاما اجتماعياً يقوم على أساس مجتمع صغير مبني على العشيرة أو القبيلة. أما الدراسات الدينية للطوطمية، فهي بعد هذه الدراسة من حيث التوسع والتبسط في الموضوع. وأكثر هذه الدراسات أيضاً عن قبائل هنود أمريكا الشمالية و عن قبائل اوستراليا ثم أفريقية. أما اثر الطوطمية عند الشعوب القديمة مثل اليونان والشعوب السامية فإن بحوث العلماء في المراحل الأولى من البلاد، وهي مستمدة بالطبع من الإشارات الواردة في الكتابات أو المؤلفات أو من دراسات الأسماء.
ومن أشهر أصحاب النطريات في موضوع الطوطمية "تيلر" "Sir E. B. Tylor" و "سير جيمس فريزر" "Sir J. G. Frazer"، و هذا الأخير يرفض نظرية الذاهبين إلى إن الطوطمية في شكلها الأول هي ديانة؛ لأن الطوطم لا يعبد كما يقول على صورة صنم.
ومن أسماء الحيوانات التي تسمت بها البطون والعشائر: كلب، وذئب، ودبّ، وسلحفاة، ونسر، وثعلب، و هرّ، وبطة، وثور، وغير ذلك من أسماء حيوانات تختلف بحسب اختلاف المحيط الذي تكون فيه.عبدة الطواطم. يضاف إلى ذلك أسماء أشجار ونباتات أخرى وطائفة من أسماء الأسماك. وقد ذكر "بيتر جونس Peter Jones" أربعين بطناً من بطون قبيلة ال "Ajibwa" لها أسماء حيوانات.
وقد لاحظ "روبرتسن سمث" "Robertson Smith" إن في أسماء القبائل عند العرب أسماء كثيرة هي أسماء حيوان أو نبات أو جماد. فاتخذ من هذه الأسماء دليلاً على وجود "الطوطمية" عند العرب، و على أثرها في الجاهليين.
فاًسماء مثل: بني كلب، وبني كليب، والنمر، والذئب، والفهد، والضبع والدب، والوبرة، والسيد، والسرحان، و بكر، وبني بدن، وبني أسد، وبني يهثة، وبني ثور، وبني جحش، وبني ضبّة، وبني جعل، وبني جعدة، وبني الأرقم، وبني دُئل، وبني يربوع، و قريش، وعنزة، وبن حنش، وبن غراب، وبني فهد، وبني عقاب، وبرني أوس، وبني حنظلة،، وبني عقرب، و بني غنم، وبني عفرس، وبني كوكب، وبني قنفذ، وبني الثعلب، والسيد، وبي قنفذ، وبني عجل، وبني انعاقه، وبني هوزن، وبني ضب، وبني قراد، وبني جراد، وما شاكل ذلك من أسماء، لا يمكن في نظره إلا أن تكون أثراً من أثار الطوطمية، ودليلاً ثابتاً واضحاً على وجودها عندهم في القديم.
وقد لاقى تطبيق روبرتسن سمث نظربة "الطوطمية" على العرب الجاهليين، ترحيباً عند بعض المستشرقين، كما لاقى معارضة من بعضهم. وقد رد عليه "جرجي زيدان" في كتابه "تاريخ التمدن الإسلامي"، وبيّن أسباب اعتراضه على ذلك التطبيق.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق