إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 8 نوفمبر 2015

134 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني عشر طبقات القبائل دور الأمومة


134

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
  
الفصل الثاني عشر

طبقات القبائل

دور الأمومة

واتخذ "روبرتسن سمث" من تسمي بعض القبائل بأسماء مؤنثة مثل: "مدركة" "وطابخة" و "خندف" و "ظاعنة" و "قيلة" و "جديلة" و "مُرّة" و "عطيّة"، وأمثالها، دليلاً على وجود ما يسمى ب "دور الأمومة" عند العرب. وهو دور لم يكن للنساء فيه أزواج معيّنون، لأن الزواج لم يكن فيه بالمعنى المفهوم من الزوجية عندنا، بل كان الرجل بجتمع بالمرأة ثم يتركها ليجتمع بامرأة أخرى، و هكذا تكون المرأة قد اتصلت بجملة رجال، كما يكون الرجل قد اتصل بجملة نساء. و إذ كانت المرأة لم تكن تعرف زوجها الذي نَجَلَ مولودها، ولا يعرف المولود والده نُسب، إلى أمه و عرف بها. وبهذا التفسير، فسمر "روبرتسن سمث" ومن ذهب مذهبه من علماء علم الاجتماع، وجود الأسماء المؤنثة عند العرب وعند العبرانيين وعند بقية الساميين.

واتخذ "روبرتسن سمث" من وجود بعض الكلمات في تسلسل أنساب القبائل مثل: البطن و الفخذ والصلب والظهر والدم و "رحم"، دليلاً آخر على وجود "دور الأمومة" عند العرب، لأن هذه الألفاظ صلة بالجسم، ولهذا كان إطلاقها عند قدماء العرب - على حد قوله - علاقة بجسم الأم. ولا سيما أنهم استعملوا لفظة "الحي" كذلك. ولهذه الفظة علاقة بالحياة وبالدم. و إطلاق الألفاظ في نظره ورأيه على معان اجتماعية، دليل على الصلة التي كانت للام في المجتمع لذلك العهد.

وقد بحث "روبرتسن سمث" بحثاً مفصلاً في الحي، إذ هو في نظره وحدة سياسية واجتماعية قائمة بذاتها. ويطلق على "الحي" لفظة "قوم" و"أهل". وينظر أبناء الحي الواحد بعضهم إلى بعض نظرة قرابة كأنهم من نسل واحد يربط بينهم دم واحد. وقد استدل "روبرتسن سمث" من معنى "الحي" على وجود معنى الحياة في الكلمة في الأصل، كما هو الحال في اللغات السامية، ورأى لذلك إنها يمثل رابطة قرابة وصلة دم عند سائر العرب السامية. ويكون أعضاء الحي الأحرار "صرحاء"، وفي العبرانية "أزراح" 0 أما الذي ينتمون إليه بالولاء، فهم "الموالي" يستجيرون به أو بالقبائل أو الأفراد، فييلقون حماية من يستجيرون بهم، ويكون "الجار" في رعاية مجيره.

و "البطن" في نظر "روبرتسن سمث" هو أقدم أوضاع المجتمع السامي القديم، ويقوم على أساس الاعتقاد بوجود القرابة والروابط الدموية. ويرى أن مفهومه عند قدماء الساميين كان يختلف اختلافاً بّيناً عنه عند العرب المتأخرين، أو عند العبرانيين" أو غيرهم. وقد فهم من اللفظة معنى المجموع الأكبر عند العرب، أي معنى "شعب" أو "جذم" أو قبلية، ورأى إن هذا المعنى هو المعنى القديم للكلمة عند العرب. أما المعاني التي تذكرها علماء اللغة والأدب والأخبار،فهي في نظره معان متأخرة وضعت في الجاهلية القريبة من الإسلام، ومن جملة هذه المعاني اختصاصها بالأماكن التي تقيم فيها القبيلة أو العشرة، وتتألف من جملة عدد من الدور.

وقد استدل "روبرتسن سمث" من لفظ ة "البطن" و "الفخذ" وأمثالهما على مرور العرب في دور الأمومة، وعلى أن القبائل كانت قد أخذت أنسابها القديمة وأسمائها من الأمومة ومن "الطومية". ورأى أن كلمة "البطن" في الأصل كانت تعني معنى آخر غير الذي يذهب إليه علماء الأنساب، ودليله على ذلك استعمال "رحم".

ول "روبررتسن سمث" بجوث في طرق الزواج عند قدماء العرب، سأتحدث عنها في موضوع الزواج والطلاق عند الجاهليين في القسم الخاص بالحياة الاجتماعية عند العرب و بالتشريع.

وقد أشار "نولدكه" Noeldeke إلى أهمية تأنيث أسماء القبائل، فاتخذ القاثلون بنظرية "الأمومة" من هذه الأسماء دليلاً على أهمية هذا العهد في التأريخ الجاهلي القديم.

وقد وافق "ويلكن" "G.A. Wilken" على بعضأراء "روبرتسن سمث"، و خالفه في بعض الآراء.

ومن واضعي نظرية الأمومة العالم الألماني السويسري "باخ أوفن" "Johann Jakob Bachofen" "1815- 1887م"، و هو من علماء القانون ومن مؤسسي "علم القانون المقارن"، وكان معروفاً بأبحاثه عن الأشياء الخفية التي تؤثر في حياة الإنسان. وقد ذهب إلى أن تأريخ العالم صراع بين الروح والمادة، بين الذكر والأنثى، وأن الحياة الأرضية مزيج من هذين الكفاحين. وقد لفت نظره إلى الزواج باعتبار إنه ناحية من النواحي القانونية، وتعرض لمباحث الزواج عند الإنسان القديم، و لفوضوية الزواج، حيث كان الرجل يتناول المرأة بغير عقد، كما تفعل الحيوانات، ولاشتراك عدد من الرجال في امرأة واحدة، "Hetarische Gynaikokratie"، فلا يعرف فيه النسل من أي أب هو، و إذا بقي في رعاية أمه، فنسب إليها: وهو زواج مرَّ على جميع الشعوب. كما بحث عن الأديان البدائية وعلاقتها بأمثال هذا الزواج.

ويحب أن نضيف إلى تلك الفوضوية فوضوية أخرى، هي فوضوية الغزو وتقاتل الإنسان مع الإنسان و إباحة المدن والقرى للجيوش الغازية المنتصرة، يعيثون فيها وفي أهلها فساداً، يؤدي إلى انتهاك الحرمات واستباحة الأعراض وتوالد أطفال ليس في مقدور أمهاتهم معرفة آبائهم، فلا يبقى لهم من مجال إلا الانتساب إلى الأمهات.

ودور الأمومة عند أصحاب هذه النظرية، هو أقدم أنواع الزواج. و أما "الأبوة" أي دور الزواج الذي عرف النسل فيه آباءهم فهو عندهم أحدث عهداً من الأمومة، وقد زعموا أن هذين الدورين مرّ ا على البشرية جمعاء، وفيهم العرب. وفي دور الأمومة تكون القرابة فيه لصلة الرحم، أي إلى الأم، فهو الرباط المقدس المتين الذي يربط بين الأفراد ويجمع شملهم، وهو نسبهم الذي إليه ينتمون. في هذا الدور لا يمكن أن يعرف فيه الانتساب إلى الأب، لسبب عادي هو عدم إمكان معرفة الأب فيه. ولهذا كان نسب النسل في " حتماً للأم. وكان نسب الجماعات فيه أيضاً للأم. ومن هذه الجماعات القبائل. وهم يرون أن تسمي القبائل بأسماء رجال، بأن تجعلهم أجدادا وآباءً، هي تسميات محدثة ظهرت بعد ظهور دور الأموة، و تطور الزواج من زواج الفوضى أو زواج تعدد الرجال إلى زواج حدد فيه على المرأة التزوج برجل واحد ليس غير، يكون فيه بعلها الذي تختص به. ومن هنا اندثرت الأسماء القديمة، أي أسماء الإناث في الغالب، و حلت محلها أسماء الذكور. وسيأتي الكلام على موضوع أشكال الزواج عند العرب في موضعه من هذا الكتاب.

هذا، وقد بحث "جرجي زيدان" في نظرية "الأمومة" عند العرب وردّ عليها بتفصيل.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق