118
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل العاشر
أثر التوراة
الإسماعيليون
و "إسماعيل هو الجد الأكبر للعرب المستعربة، أي العرب العدنانين. وهو "يشمئيل" "Ishmael" في التوراة ومعنى الاسم "إلهي يسمع" "، أو "يسمع إلهي". وهو ابن "إبراهيم من زوجه "هاجر". وتقول التوراة إنه "ختن" وهو في الثالثة عشرة من عمره، ورحل إلى بَرِّية "فاران" فتزوج فيها من امرأة مصرية، وعاش فيها رامياً بالسهام حيث اشتهر بالرماية. ولم تذكر التوراة بعد ذلك سيئاً عنه، إلا ما ورد من إنه حضر دفن أبيه "إبراهيم"، وأنه عاش "137" سنة.
هذا مجمل ما ورد في التوراة عنه. أما ما أورده أهل الأخبار عنه، فإنه يستند إلى هذا الوارد في التوراة عنه، إلا ما ذكروه عن امرأته، فقد جعلوها امرأة من "جرهم"، وما أوردوه عنه من إنه هاجر إلى مكة، وأنه عاش، هناك، وتعلم العربية فيها، وقبر في "الحجر" عند قبر أمه "هاجر"، وأمور أخرى صغيرة تختلف باختلاف الروايات.
وقد جعلت التوراة ل "إسماعيل ولداً، عدتهم اثنا عشر ولداً، هم: نبايوت بكر إسماعيل، و قيدار، و أدبئيل، ومبسام، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدار، وتيما، ويطور، ونافيش، وقدمة. ذكرتهم على حسب مواليدهم، كما نص على ذلك فيها. وهو عدد يظهر إنه من وضع كتاب الأسفار و ترتيبهم. أمهم امرأة مصرية، وهي كناية عن اتصال الإسماعيليين بالمصريين، وقد أخذ أهل الأخبار هذه الأسماء، وغيّروا في نطقها بعض التغيير، فصيرّوها: نابت و قبذر، واذبل، و مبشا، و مسمعا، ودما، و دما، وأذر، و طيما، ويطور، ونبش، وقيذما، وما شاكل ذلك. وقد نص الطبري على اختلاف أهل الأخبار في ضبط هذه الأسماء. ويعود هذا الاختلاف على ما يظهر إلى اختلاف المورد الذي أخذ منه أهل الأخبار.
وقد زعم أهل الأخبار أن إسماعيل تزوج من جرهم، وأن اسم زوجه "رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي"، أو ما شاكل ذلك من أسماء، وأنها ولدت له اثني عشر رجلاً، هم: نابت وكان أكبرهم، وقيذر، و أذبل، و مبشا، و مسمعا، و ماشي، و دما، و إذر، و طيما، و يطور، ونبش، وقيذما. وأكثر هذه الأسماء وروداً وتكراراً في الكتب العربية، نابت وقيذر.
ونرى من عدد هؤلاء الأولاد ومن أسمائهم، أن رواتها أخذوا أولئك الأولاد من التوراة. أخذوا العدد وأخذوا الأسماء، ولكنهم حرفوا وصحفوا فيها،ولا ندري أكان هذا التحريف قد وقع من الأخباريين أنفسهم، أجروه تعمداً ليسهل النطق بها في العربي ة، أم وقع من الرواة الإسرائيليين أو النصارى الذين رجَعَ أهل الأخبار إليهم، فأخذوا منهم تلك الأسماء، أو إنه مجرد تحريف وتصحيف، وقع من الجانبين، فظهر على هذا الشكل.
أما امرأة "إسماعيل ام أولاده، فإنها ليست جرهمية عربية في التوراة، و إنما هي امرأة مصرية كما ذكرت. لم تذكر التوراة اسمها. ويذكر أهل الأخبار إن اسماعيل كان قد تزوج بامرأة أخرى من جرهم قبل "رعلة بن مضاض ابن عمرو الجرهمي"، أو "السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي"، كما تعرف في روايات أخرى، إلا إنه طلقها بأمر أبيه، لما جاء إلى مكة زائراً، فلما جاء للمرة الثانية ورأى زوجته الثانية رضي عنها، وأمر ابنه إسماعيل بإبقائها، فبقيت، ومنها كان نسله المذكورين.
وقد نص "الطبري" على أن العرب هم من نابت وقيدر، ولم يذكر شيئاً عن بقية الأولاد. والظاهر إن إهمالهم هذا الإهمال يعود إلى عدم وقوف الموارد التي أمدّت الأخباريين على شيء عنها، وعدم تمكنهم من تعيينها وتثبيت مواضعها، فإن ذلك يحتاج إلى علم وإلى وقوف على ما جاء في كتب التفاسير والشروح والموارد اليهودية الأخرى عن هذه القبائل. والموارد المذكورة نفسها لا تعرف عن تلك القبائل وعن تلك البلاد شيئاً كثيراً يزيد على ما جاء في التوراة.
فإن كتبة الأسفار لم يهتموا إلا بما يتعلق بإسرائيل،0 أما ما وراء إسرائيل من شعوب وأرضين،ولا سيما الشعوب التي لا تخام الأرضين التي وجد فيها العبرانيون، فإنها لم تكن تعُنى بها إلا بمقدار ما لها من صلة بإسرائيل.
وقد حددت التوراة المنازل التي أقام بها "الإسماعيليون"، فجعلتها من "حويلة" إلى "شور". فكل ما وقع بين المكانين، هو في أرض القبائل الإسماعيلية. وقد ذكرتُ قبل قليل أن آراء العلماء مختلفة في تعيين موقع أرض "حويلة"، وعندي إن هذا الموضع يجب ألا يكون بعيدا عن فلسطين، لأن "شاؤول" ضرب العماليق من "حويلة" إلى شور. ولا يعقل أن تكون هذه الأرضون بعيدة عن فلسطين، لأن "شاؤول" لم يكن قوياً ذا جيوش جرارة حتى تضرب العماليق في منطقة نائية، بعيدة عن فلسطين.
وأما "شور"، فموضع يقع على الحدود الشمالية الشرقية لأرض مصر، في البرية المسماة. "برية تيه بني إسرائيل، وب "برية ايتام". ويرى بعض علماء التوراة إن "الطور" الحالية هي أرض "شور".
ويلاحظ إن الأرض التي زعم إن "شاؤول" قد ضرب بها العماليق، "وضرب شاؤول عماليق من حويلة حتى مجيئك إلى شور التي مقابل مصر"، هي الأرض ذاتها التي جعلتها التوراة أرضاً لذرية "يشمعئيل" "إسماعيل". فيظهر من ذلك إن العماليق كانوا قد سكنوها أيضاً. ولما كان العمالقة قد سكنوا ارضاً، تقع بين كنعان ومصر في برية سيناء وتيه بني إسرائيل، وجب أن تكون تلك الأرض هي موطن الإسماعيليين.
ويعترف العبرانيون بوجود صلات قربى لهم بالإسماعيليين. ويظهر أن الإسماعيلية عاشت زمناً طويلاً في "طور سيناء". وفي جنوب فلسطين. عاشت عيشة أعرابية. ولهذا كان الإسماعيليون أهل وبر بالقياس إلى اليقطانيين المستقرين. وقد نظر العبرانيون نظرة عداء إلى الإسماعيليين، لأنهم كانوا يتحرشون بهم ويغيرون عليهم ويتعرضون بتجاراتهم. وقد ذكروا في أيام "داوود". وقد ورد في التوراة أن الله أوحى إلى "هاجر" يبشرها بأن نسل ابنها سيكثر وينمو حتى يكون أمة عظيمة، وهو كناية عن كثرة عدد أولئك الأعراب في أيام عن لهجاتهم. ويرى بعض العلماء أن لهجاتهم يجب أن تكون من اللهجات العربية الشمالية المتأثرة بلغة بني إرم. ولعدم وصول نصّ مدوّن بلهجة من لهجات هذه القبائل، لا نستطيع أن نبدي في الزمان الحاضر رأياً علمياً في شكل هذه ا اللهجات.
و "نبايوت" هو بكر إسماعيل وأهم القبائل الإسماعيلية في التوراة، وقد أعطاه هذه المنزلة أهل الأخبار أيضاً لأخذهم منها. ونحن لا نعرف الأسباب التي جعلت التوراة تعدّه أحسن أولاد "إسماعيل" أراعت في ذلك بعد القبيلة، أم راعت قربها من العبرانيين، أم ضخامتها وكثرة عددها بالقياس إلى القبائل الإسماعيلية الأخرى، أم أمورا أخرى جعلت العبرانيين ينظرون إليهم على أنهم أقدم تلك القبائل ? فليس في التوراة قواعد ثابتة تمشى عليها كتبة العهد القديم في تدوين الأنساب.
ويعرف "نبايوت" ب "نابت" و "نبت" عند الأخباريين. ومنه ومن قيدر، نشر الله العرب، على رأي أهل الأخبار. وقد جعل بعض الأخباربين نابتاً والداً لأ "يشجب"، مع أن "يشجب" هو ابن "يعرب" عند الأكثرين.
وقد ورد اسم "نبايوت" مع اسم "قيدار" في النصوص الآشورية: ويظهر أنهم كانوا أقوياء كثيري العدد. ويدل ورود اسمهم مع "قيدار" في التوراة في النصوص الآشورية على أنهم كانوا متجاورين. ولم تعين التوراة مواضع سكناهم، ولكن ورود اسمهم في رأس قائمة الإسماعيليين واقترانه بالأدوميين عن طريق المصاهرة ووقوف العبرانيين على أخبارهم، يدل كله على أنهم كانوا يقيمون في المناطق الواقعة في جنوب شرقي فلسطين وفي الأقسام الجنوبية الشرقية من بادية الشام.
وقد ذهب "كلاسر" إلى أن "نبايوت" "مشيخة" أو مملكة حكمت في "القصيم"، و قد كانت معاصرة لمملكة "عريبي"، وكانت لا تزال مستقلة في أيام الفرس.
وقد ظن بعض العلماء انهم "النبط"، ذهبوا إلى ذلك من تشابه "نبايوت" "Nabaiot" و "نبط" "Nabat"، غير إن هذا رأي يعارضه كثير من علماء التوراة.
وقد كان بين الأوس قوم يقال لهم "النبيت"، افتخر بهم الشاعر "قيس ابن الخطيم" من شعراء الجاهلية، وقد قتل قبل الهجرة، ومدحهم، ووصفهم بالشدة والبأس، كما كان في "إياد" قوم يقال لهم "النبيت".
وكان نبيت الأوس يتألفون من "ظفر" رهط الشاعر قيس بن الخطيم، ومن عبد الأشهل، وحارثة. وقد وقعت بينها حروب ومعارك، فانضمت حارثة إلى الخزرج، وتحالفت معها، ودخلت فيها. وأما ظفر وبنو عبد الأشهل، فقد اضطروا أخيراً إلى ترك ديارهم إلى مكة للتحالف معهم، أو مع اليمن، أو الغساسنة أو. المناذرة، لمساعدتهم على الخزرج، ولاسترداد ملكهم. والظاهر انهم كانوا قديماً من القبائل القوية، وكانت في الحرار الشرقية، ثم أفل نجمها، ا وتشتت شملها بسبب الحروب التي وقعت بن بطونها. ولعلها من القبائل التي كانت تقيم في الشمال، في العربية الحجرية أو العربية الصحراوية، ثم اضطرت إلى الهجرة إلى الجنوب والاستيطان في مناطق الحرار. والظاهر إنها كانت على اتصال باليهود، وقد تحالف معها يهود خيبر.
وقد ورد اميم "قيسار" في النصوص الأشورية، ورد على هذه الصورة: "قِدرو" "Kidru" و "قَدرو" "Kadru"، كما ورد في المؤلفات "الكلاسيكية"، فقال لهم "بلينيوس" "قدراي" "Pliny" "Cedrei"، وذكر انهم قبيلة عربية تقيم على مقربة من النبط. وقد حاربهم "آشور بنبال"، وكان ملك "قيدار" في ذلك العهد، ملك عرف باسم "أو أيطع" "U Aite'" ابن "خزاعيل" "Hazael"، وقد ذكرهم "آشور بنبال" مع "عريبي" "أريبي"، كما ذكرهم "حزقيال" مع العرب "العرب وكل رؤساء قيدار"، مما يدل على إن مواطن "قيدار" كانت تجاور العرب، ويراد بالعرب هنا، الأعراب. وهو ما يتفق مع ما جاء في نص "آشور بنبال" كل الاتفاق. وذكروا بعد "نبايوت" في التوراة، مما يدل على انهم كانوا يقطنون في جوارهم، كما ذكروا مع "ممالك حاصور" التي ضربها "نبوخذ نصر" "بختنصر". وقد نكل "بختنصر" بالقيداريين كذلك، وخرب بلادهم وأخذ غنائم كثيرة منهم، واستولى على ما وقع في أيدي جيشه من أموللهم وخيامهم وغنمهم وجمالهم وقد ورد وصف ذلك في سفر "أرمياء".
ويظهر من التوراة أن القيداريين كانوا أعراباً يعيشون في الخيام، عيشة أهل البداوة، وقد وصفت خيامهم بأنها خيام سود "أنا سوداء وجميلة يا بنات اورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان". والخيام السود هي بيوت أهل الوبر. وكانوا يعتنون بتربية المواشي، وقد اشتهروا بأن فيهم رعاة يملكون ماشية كثيرة. إلا أن منهم من كان متحضراً سكن القرى والمدن. ونجد "أشعياء" يتنبأ بإفناء "مجد قيدار. وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار". مما يدل على إن القيداريين كانوا قوة وعدداً ضخماً، فيهم جماعة مهرت برمي السهام. ويتبين من "المزامير" انهم غزاة، وحياتهم حياة غزو، لا يعرفون السلام ولا الاستقرار، وقد ذكروا مع العرب في جملة من تاجر مع العبرانيين. تاجروا معهم "بالخرفان والكباش والأعتدة". وكانوا مثل قبائل العرب الأخرى على احتكاك بالعبرانيين، يتاجرون معهم تارة، ويخاصمونهم تارة أخرى، ويظهر انهم كانوا على عداء شديد معهم، وخصومة منتهرة في أيام "أشعياء" و "أرمياء"، كما يتبن ذلك من الهجوم الضيف الموجه إليهم في سفريهما ومن فرح العبرانيين من النكبات التي حلت بهم، ولا سيما انتقام "بختنصر" منهم. ويظهر إنه غزاهم، لأنهم كانوا يتحرشون بالبابليين في أثناء مرورهم بالبادية إلى فلسطين، مما حمل "بختنصر" على الانتقام منهم ومن قبائل أخرى كانت ضاربة في البادية وفي الطرق المؤدية إلى بلاد الشام.
وقد ذكر أهل الأخبار اسم رجل دعوه "قدار بن سالف"، زعموا إنه كان يدعى "احيمر ثمود"، وأنه هو الذي عقر الناقة، ناقة النبي صالح، وذكروا أن "قيدار بن إسماعيل هو أبو العرب، وزعم بعضهم إنه كان نبياً، وزعم إن له قبراً ومشهداً يزار قريباً السلطانية بالعجم، وأتي من ولده "حمل بن قيذار"، وله ابن - يقال له "سواري". وقد ذكر أهل الأخبار أن "كعب الأحبار"، قال: "قال الله لرومية: إني أقم بعزتي لأهبن سبيك لبني قاذر،أي بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، يريد العرب" و إذا صح أن هذا الكلام هو من كلام "كعب" حقاً، فإنه يدل على تحريض "كعب" للمسلمين على اكتساح إمبراطورية الروم، وقد كان اليهود يكرهون الروم، لما أوقعوه بهم من ظلم، وأنه كان يعبر عن الحالة التي كانت بين الروم والعرب في ذلك الزمان فِي. وليس الكلام المذكور، كلام الله في التوراة و إنما هو كلام "كعب". ولكعب أمور عديدة من هذا القببل، إذ يضع كلاماً يزعم إنه من كلام الله المذكور في الكتب المنزلة.
وأما "أدبئيل" "Adbeel"، فكناية عن قبيلة عربية أخرى من القبائل الإسماعيلية، يرى بعض علماء التوراة إنها عاشت في جنوب غربي البحر الميت. ويظن إنها قبيلة "ادب ايله" "Idiba'ila" "Didi'ila" "ادبئيله" "ادبعيله" "دبئيله" "وبعيلة" الذكورة في كتابة من كتابات الملك "تغلا تبلسر الثالث". وقد ذكر هذا الملك إنه عين نائعباً عنه، أو "منسوباً سامياً" "قيبو" "Kepu" على خمسة عشر موضعاً، وكان اسم هذا المندوب "ادب ال" "أدب أبل" "أًدبئيل" "Idibi'il"، وهو سيد قبيلة عرفت بهذا الاسم. والظاهر إنه فوّض إليه أمر حماية الحدود والمحافظة عليها من الغزو. وتقع أرض هذه القبيلة على مقربة من الحدود المصرية وفي الجنوب من غزة. و كأنما هذه القبيلة لا تزال موجودة في أيام المؤرخ اليهودي "يوسف فلافيوس".
ويلي "أدبئيل" "أدب ال" "ادب ايل" في تسلسل أولاد إسماعيل، مبسام "Mibsam"، و قد سمي في بعض الكتب العربية "ميشا"، ولا نعرف من أمر هذه القبيلة شيئا.
وأما "مشماع"، وقد سمي "منمى" و "منسى" و "مسمع" و "مشماعة" في بعض الكتب العربية، فلا نعرف من أمره شيئاً. ويتصور بعض العلماء أن لهذا الاسم علاقة بقبيلة "بني مسماع" أو "جبل مسماع" "جبل مسمع" قرب تيماء.
ورأى "فورستر" أن "مشماع" هي قبيلة "Masmaos" التي ذكرها "يوسفوس"، على إنها من القبائل العربية التي كانت تعيش في أيامه. و يرى "فورسر" أيضاً أن قبيلة "Masaemanes" التي ذكرها "بطلميوس" هي هذه القبيلة كذلك. وهذا الاسم قريب من اسم "ماء السماء".
و "دومة" هو "دوما" في بعض الكتب العربية، وهو كناية عن موضع "دومة الجندل"، وقد عرف ب "دومانا" "Domatha" عند "بلينيوس" و ب "Doumaetha" "Dumaetha" عند "بطلميوس"، و ب "Adumu" "ادومو" في الكتابات الآشورية، وهو كناية عن موضع وعن اسم قبيلة عربية. فقد ورد أن شعباً اسمه "Dumathii" كان يقدم قرباناً، "ولداً" في كل سنة إلى آلهته، ويسنن ذلك القربان في معبد الإله. ويراد به شعب "دومة الجندل".
وقد ورد اسم "مسا" "Massa" في النصوص الآشورية مقروناً ب "تيما" "تيماء".ويرى بعض العلماء إنه كناية عن قبيلة كانت منازلها في المشرق والجنوب الشرقي من "موآب". ويرى بعض آخر أن مواطنها في الأرضين الجنوبية من وادي السرحان، وفي غرب منازل "عريبي" "اريبي".
وجاء في رسالة أرسلها أحد "المقيمين" الآشوريين إلى ملك آشوري لم يرد أسمه في الكتابة أن "ملك قمرو" "مالك قمرو" اين "عميطع" سيد قبيلة "مسئا" "Mas'a" غزا قبيلة "Naba'ti"، وقتل عدداً من أتباعها. الظاهر أن هذه القبيلة، هي القبيلة المذكورة في التوراة.
وأما "حدد" أو "حدار"، كما دُوّن في سفر التكوين، فإنه "أدد" عند بعض أهل الأخبار. وقد تكون لاسمه علاقة باسم الإلهَ "حدد" أو "أدد" المعبود الشهير الذي تعبد له الآراميون وقبائل عربية كثيرة، وكذلك الاشوريون و البابليون. ولا نعرف من أمر قبيلة "حدد" هذه شيئاً يذكر في الزمن الحاضر.
وأما "تيما"، فإنه "طما" في الكتب العربية، وهو كناية عن "تيماء"، وسوف أتحدث عنها. وأما "يطور"، وهو "وطور" وما أشبه ذلك في الكتب العربية، فقبيلة عرفت ب "Ituraea" في المؤلفات اليونانية واللاتينية. وقد حاربت العبرانيين، وكانت تقيم شرقي نهر الأردن في أيام الملك "شاؤول". ويظهر إنها هاجرت نحو الشمال، فسكنت في الأقسام الجنوبية من لبنان وفي الحافات الشرقية من جبال لبنان. وقد أجبر الملك اليهودي "ارسطوبولس الأول" "Aristobulus I" "107 قبل الميلاد" قسماً من اليطوريين على التهود. وكان قد استولى على أرضهم. وكان لهم ملوك. وفي أيام ملكهم "سوهومس" "سوحومس" "سوخومس" "Sohumus" أدخلت أرضهم في مقاطعة "سورية" وذلك في سنة "50" ب. م، وقد كابدت دمشق مصائب شديدة من غزوات اليطوريين.
وكانت مواطن اليطوريين في ما بين "اللجاة" "Trachonitis" و"الجليل"، وعرفت ب "جدورا"، وب "ايطورية". وقد عرفوا بمهارتهم في الرماية. وقد ذكرهم "سترابو". والظاهر أن مواطنهم الأصلية كانت في البادية،ومنها جاؤوا إلى "ايطورية" ثم ذهبوا إلى الأقسام الجنوبية من لبنان وإلى سهل البقاع. وقد ضيق عليهم الرومان في حوالي الميلاد وأجروا بعضهم على الرجوع إلى البادية ويظهر أن سبب ذلك هو عدم خضوعهم للسلطات وغاراتهم على الحضر. وقد قتل "مارقوس أنطونيوس" "Marcus Antonius"، ملك اليطوريين لمن في سنة "34" ق. م، وكان يدعى "ليسانياس" "Lysannias"، وتوفى "زنودوروس" "Zenodorus" الذي خلفه في سنة "20" ق. م، واستولى "هيرود الكبير" "Herodes the Great" على قسم من أرض اليطوريين. ولما قسمت مملكة "هيرود"، صارت هذه الأرضون من نصيب "فيليب".
.وفي أيام "لوقا"، كانت "Ituraea" منطقة، تقع على ما يظهر في شمال شرقي "بحر الجليل". ويخترق الطريق الروماني الذي عمله الرومان من "دمشق" إلى "طبرية" "طبريا" هذه المنطقة.
وقد كوّن اليطوريون لهم إِمارة أو مملكة في "البقاع"، كان حكامها رجال دين أي كهّاناً وملوكاً في آن واحد. وقد عرفنا منهم رجلاً اسمه "Mennaios" وهو اسم قريب من الأسماء العربية، فلعله "معن" 0 أما ابنه فقد سمى نفسه باسم يوناني، هو "بطلميوس" "Ptolemaios". وكان هذا الملك، أي "بطلميوس"، ولدان، هما: "Lysanias"، وقد تولى الملك من بعد والده و "فيليب" " "Philippion". وأما "زينودور" "Zenodor"، فقد خلف "Lysanias" وأما "Sohaimos" "Sohumus"، فإنه اسم قريب من "سحيم" ومن "سهيم" و "سخيم" و "سهم"، وأمثال ذلك، وهي أسماء عربية معروفة.
ويظهر أن ارتحال "اليطوريين" من الأقسام الشرقية من الأردن نحو الشمال، نحو دمشق، ثم سهل البقاع حتى ساحل البحر الأبيض، كان قبل القرن الثاني قبل الميلاد. ولعلهم هم العرب الذين ذكر أن الاسكندر الكبير كان قد حاربهم بعد حصاره لمدينة "صور" "Tyros".
وقد كوّن الرومان فرقاً محاربة من "اليطوريين"،اشتركت معهم في الحروب. وقد امتازت بعض هذه الفرق في حذقها بالرمي. وكوّن "مارك أنتوني" "Marcus Antonius" حرساً خاصاً منهم، أشير إليهم في الموارد اليونانية و اللاتينية.
و "نافش" "Naphish"، هو "نفيس" عند الأخباربين. ويرى بعض علماء التوراة احتمال كون "بنو نفسيم" "Naphisim" المذكورين في سفر "عزرا" هم "نافش" هؤلاء.
وأما "قدمة"، فهو "قيدمان" و "قيذما" وما شاكل ذلك في المؤلفات العربي ة، ولا نعرف من أمرهم شيئاً يذكر في الزمان الحاضر، ولعلهم "القدموينين" الذين أدخلت أرضهم في جملة "الأرض الموعودة" المذكورة في التوراة. وكانت مواطنهم عند "البحر الميت". ومن العلماء من يظن أن لهم صلة ب "بني قديم" "Bene Kedem"، أي "أبناء الشرق". وذهب "فورستر"، إلى احتمال كون "قدمة" موضع "رأس كاظمة" على الخليج. ولما كانت "قدمة" من القبائل الإسماعيلية، وقد ذكرت مع القبائل الإسماعيلية في التوراة، ومواطنها كلها لا تبعد كثيراً عن فلسطين، فإني أرى أن مواطن هذه القبيلة يجب أن تكون أيضاً في هذه المواضع،أي في مكان لا يبعد كثيراً عن فلسطين.
والغالب على أبناء إسماعيل البداوة، أي حياة التنقل والغزو والرماية، لذلك كانت ملاحظة التوراة عن إسماعيل من إنه سينشأ رامياً، ملاحظة حسنة، تدل على تبصر بأمور "الإشماعيليين" الذين كانوا يقومون بالغزو ويرمون بالسهام.
أما المجموعة الثالثة من مجموعات أنساب العرب المذكورة في التوراة، فإنها مجموعة قبائل نسبت إلى "قطورة" زوج "إبراهيم. وقد ذكرت التوراة إنها ولدت له "زمران، ويقشان، ومدان، ومديان، ويشباق، وشوحاً". وولد يقشان: في، وددان. وكان بنو ددان: أشوريم، ولطوشيم، ولأميم. وبنو مديان: عيقة، وعفر، وحنوك، وأبيداع، والدعة، و يبلغ عدد القبائل المنحدرة من " قطورة" ست عشرة قبيلة.
ف "قطورة" إذن هي مجموعة قبائل مثل الإسماعيليين واليقطانيين، وهي تتفق مع القبائل الإسماعيلية في أفها تنحدر من صلب إبراهيم، وهي من هذه الناحية أقدم عهداً مهن القبائل الإسماعيلية، لأن والد هذه القبائل هو إبراهيم. أما والد القبائل الإسماعيلية، فهو إسماعيل، وهو ابن إبراهيم.
والأسماء المذكورة كناية عن قبائل عربية، ألّفت مجموعة خاصة، كان حلفاً ، على ما يظهر تألف من قبائل رجعت نسبها إلى أمل واحد، هو "قطورة". انتشرت قبائله في الأرضين الواقعة بين القبائل العربية الإشماعيلية وبين القبائل اليقطانية. وتشير قصة زواج "إبراهيم بقطورة إلى صلة القطوريين بالإشماعيليين، والإشماعيليون من صلب إسماعيل بن إبراهيم، ويؤخذ على إنه كناية عن اختلاط قبائل المجموعتين، أي الحلفين بتعبير أصح. ووجود أسماء بعض قبائل يقطانية وبعض قبائل كوشية في قائمة أسماء أبناء قطورة، هو أيضاً دليل على وجود صلات بين هذه الاحلاف الثلاثة وعلى تداخل القبائل واختلاطها بعضها ببعض.
أما أولاد "قطورا" عند أهل الأخبار، فهم: يقسان، وزمران، ومديان، ويسبق، وسوح، وبسر على رواية، ومدن ومدين ويقسان وزمران ويسبق وسوح على رواية أخرى. ومدن ومدين ويقشان، وزمران، وأشبق، وشوخ. وقد أخذت هذه الأسماء كما نرى من التوراة، إلا إن من أخذها حرّف فيها بعض التحريف، وخالف الترتيب الموجود للأسماء في التوراة فقدّم وأخر، وأضاف أسماء جديداً هو "بسر" على الرواية الأولى، وضعه فى مكان "مدان"، إلا أن الطابع التوراتي ظل بارزاً واضحاً عليها. فلا حاجة بنا إلى إرجاع كل اسم منها إلى الاسم المقابل له في التوراة.
وزوج أهل الأخبار "يقشان" "يقسان"، من امرأة سموها "رعوة بنت زمر بن يقطن بن لوذان بن جرهم بن يقطن بن عابر"، و أولدوا لها ولداً. دعوه "البربر"، قالوا عنه إنه جدّ البربر. وهو زواج لا تعرف عنه التوراة شيئاً، وأما الزوج "رعوة بنت زمر بن يقطن"، فليس لها ذكر فيها أيضاً، وأما نسبها، فهو نسب اخترعه من اخترعها، وليس له لذلك ذكر في التوراة. وأما "بربر" ابن "رعوة" فهو من صنع صانع أخبار أمه. وليس له ذكرٌ ما في التوراة.
ولفظة "بربر" في الكتاب المقدس لفظة تعني "الغريب"، وهي من أصل يوناني، وقد أطلقها اليونان على الغرباء الناطقين بلغة أخرى غير اللغة اليونانية. ولم تستعمل علماً على جنس معين له جد وآب ونسل. ولذلك، فإن ربط نسب "البربر"، وهم سكان المناطق المعروفة من شمال إفريقية به "رعوة" و بقحطان، هو من صنع "أهل الأخبار"، وقد وقع في الإسلام بالطبع، وبعد الفتح الإسلامي لتلك المناطق، لغايات سياسية، على نحو ما حدث من ربط نسب الفرس واليونان والأكراد بالعرب.
ولم يشر الأخباريون وأهل الأنساب إلى "القطوريين" كطبقة خاصة من العرب. وقد أشار بعضهم إلى قبيلة عربية عرفت ب "قطورة"، ذكروا إنها عاشت مع "جرهم" بمكة. ولعل لتشتت شمل القبائل القطورية ودخولها في القبائل الأخرى: قحطانية وعدنانية، وفي جهل أهل الكتاب في ذلك العهد، أي أيام لجوء أهل الأخبار اليهم يسألونهم عن الأنساب، دخلا في هذا الإهمال.
ويلاحظ أن بين أسماء قبائل "قطورة" أسماء وردت في جدول أنساب قبائل "يقطان"، وفي جدول أسماء أبناء "كوش". ويفسر بعض العلماء ذلك باتصال القبائل القطورية بالقبائل اليقطانية وبالقبائل الكوشية وباختلاطها بها وتلاحمها معها، ونزولها بينها، فعد كتبة "أسفار التكوين" ذلك نسباً، فأدخلوا القسم الذي دخل في اليقطانيين من اليقطانيين، والقسم الذي نزل بين الكوشيين من الكوشيين، ومن ثم صار ذلك نسباً ورابطة دم.
وزوج إبراهيم "قطورة"،معروفة ضد أهل الأخبار. وقد دعوها ب "قطوراء" وب "قطورا" وب "قنطوراء". ومعنى اللفظة في اللغة العبرانية "البخور". وقد تزوجها إبراهيم بعد وفاة "سارة". ولكنهم كعادتهم في معظم الأخبار التي أخذوها من أهل الكتاب، خلطوا في أخبارها وحرّفوا فيها، فجعلوا لها نسباً، ولم يرد له ذكر في اتوراة، اختلفوا فيه أيضاً، فصار "يقطن" والد "قطورة" في خبر، وصار "يكفور" أو "مفطور" هو والدها في خبر آخر، وصار "افراهم بن أرغو بن فالغ" هو والدها في خبر آخر أيضاً. وجعلت عربية من العرب: تتكلم بهذا اللسان العربي المعروف. وقيل إن اسمها "انموتا" أو "انمتلى"، وصيرت "قطورا بنت يقطن"، ولكنهم أخرجوها أحياناً من العرب، وأضافوها إلى الكنعانيين، كما جعلوها "قطورا بنت مقطور" من العرب العاربة.
ولم يفطن أهل الأحبار إلى خلطهم في هذا النسب وإلى سكوت التوراة عن نسبها، ولا أدري من أين جاؤوا ب "يكفور"، أو "مفطور"، وكيف يجوز أن تكون "فطوراء" من نسل "افراهم بن أرغو بن فالخ". ف "افراهم"، هو "إبراهيم"، وهو زوج "قطورة" لا والدها أو جدّها أو جدّ جدّها أو ما شاكل ذلك. ثم إن نسب "إبراهيم" على هذه الصورة هو نسب مغلوط، يدل على جهل، فإنه "إبراهيم" وهو "ابرام" في التوراة، هو ابن "تارح" و "تارح" هو ابن "ناحور" و "ناحور" ابن "سروج" وهذا هو ابن "رعو" الذي صار "ارغو" عند الإسلاميين. و "رعو" هو ابن "فالج" الذي صير "فالغ" عند أهل الأخبار. فترى من ذلك كيف خلط أهل الأخبار، وكيف كان علمهم بالقصص المأخوذ من التوراة. وكل هذا الجهل ناشئ من اعتمادهم على الأخذ شفاهاً من أهل الكتاب، ومن عدم رجوعهم إلى نص التوراة.
ويلاحظ إن أكثر الذين قالوا في "قطورة" "قطوراء" و "قطورا"، ذكروا أولادها على نحو ما ورد في التوراة. أما الذين قالوا "قنطوراء"، فقد نسب أكثرهم إليها الترك والصين، وأضاف بعضهم إليها السودان في بعض الأحيان. وهو نسب تكرم به عليها أهل الأنساب والأخبار، فليس في التوراة ذكر لهؤلاء الأولاد النجباء. ولعل إلحاق هؤلاء ب "قنطوراء" إنما كان لغرض سياسي، هو إدماج نسب الترك والصين بالعرب، ترضية لهم، كما فعلوا بالنسبة إلى شعوب أعجمية أخرى. ويرد اسم "بنو قنطوراء" في الملاحم والتنبؤات، فرووا أحاديث تدل على شعور الخلافة الإسلامية بالخطر القادم من الترك والصين، وبأن النسب لم ينفع شيئاً معهم، إذ ورد: "يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوكم من أرض البصرة"، وورد: "إذا كان آخر الزمان جاء بنو قنطوراء".
وزعم أهل الأخبار إن إبراهيم تزوج من زوج أخرى، كانت من العرب أيضاً، أسموها "حجور بنت أرهير"، ولدت له خمسة بنين: "كيسان، وشورخ، وأميم، ولوطان، ونافس". وليس في التوراة ذكر هذه الزوج العربية، فليس لها نسل فيها بالطبع. فالأولاد هم من نسل مخيلة أصحاب الأخبار، جمعوها من أسماء توراتية مرت وتمر علينا في مواضع من هذا الكتاب، وضبطوها بعدد، لتظهر بمظهر خبر صحيح مضبوط.
ومن الأخباريين من أحجم عن تعيين هوية زوج إبراهيم، فلم يذكروا شيئاً عن عروبتها أو عن أبيها وجدّها، بل اكتفوا بذكر اسمها وحده، فدعوه "حجوني"، وقالوا: إنها ولدت له سبعة نفر، هم: نافس، ومدين، وكيشان، وشروخ، وأميم، و لوط، ويقشان.
ومعارفنا بالقبائل القطورية لا تختلف عن معارفنا بالقبائل الإسماعيلية واليقطانية من حيث الضآلة والضحالة. فهي قد لا تزيد في بعض الأحيان على الاسم، ذلك لأن التوراة لم تذكر شيئاً عنها، ولأن المفسرين والأحبار الذين شرحوا التوراة، لم يذكروا شيئاً عن تلك القبائل، إما جهلاً بها، وإما لعدم وجود ميل بين العبرانيين إلى الوقوف على أحوال تلك القبائل التى ذكرت في التوراة لمناسبة من المناسبات. ولهذا ضحل علمنا بها أيضاً. وليس أمامنا غير انتظار الحظ، فقد يكتشف العلماء موارد جديدة قد تساعدنا في الوقوف على أولئك ا لأقوام.
فزمران مثلاً، لا نعرف من أمره شيئاً يذكر. وقد ورد لدى "بلينيوس" اسم قبيلة عربية دعاها "Zamarni" وهذا الاسم قريب من "زمران"، لهذا رأى بعض العلماء احتمال وجود صلة باسم هذه القبيلة القطورية، كما ورد اسم موضع يقال له "زبرم" "Zabram" يقع غرب مكة، يرى بعض الباحثين احتال وجود صلة له بتلك القبيلة. غير أن من الصعب الحكم أن أحد هذين الموضعين هو "زمران".
وأولد أهل الأخبار ل "زمران" ولداً سموه: "المزامير"، وهو في نظرهم جدّ "المزامير الذين لا يعلمون". وليس في التوراة ولد ل "زمران" اسمه "المزامير" صفتهم أنهم لا يعمون. وليس للفظة أية صلة ب "المزامير" التي هي أغان أو موشحات ترتل على صوت المزمار لتمجيد الله. وتقسيم إلى خمسة كتب، يختم كل منها بتسبيحة، وتكرر لفظة "آمين" مرتين، أضافها جامعو المزامير لا مؤلفوها. وهي من لفظة "مزمور" "Mizmor" في العبرانية "Mazmor" في السريانية و "Mazmur" في الاثيوبية، وتقابل "الزبور" و "الزبر" في القرآن الكريم.
وقد ذكر "ابن النديم" على لسان "أحمد بن عبد الله بن سلام" من مترجمي التوراة والإنجيل، أن المزامير هي "الزبور"، وهي خمسون ومئة مزمور. وهو عدد صحيح مضبوط، يدل على علمه بعدد المزامير، لأن ما ذكره هو، عددها الصحيح . والعلماء مختلفون فيما بينهم في المعنى "الاثنولوجي" لكلمة "زمران". ويرى بعضهم أنها من "زمر" ومعناها "تيس جبلي"، ويقولون إن بني "زمران" اتخذوا ذلك الحيوان "طوطماً" لهم، ولذلك عرفوا به.
أما "يقشان"، فرى "كلاسر" إنه موضع "وقشة"، وهو مكان من السراة في عسير. ورأى "أوسيندر" إنه "يقش" في اليمن. وذكر "الهمداني" اسم قبيلة سماها "بني وقشة" من قبائل "الجنب". وذهب فريق من العلماء إلى أن اللفظة هي تحريف للفظة "يقطان".
ُقد ذكر أهل الأخبار أن "بني يقسان"، أي "بني يقشان" لحقوا بمكة فسكنوا بها. ولكنهم لم يشيروا إلى بنية على نحو ما جاء في التوراة.
وأما "مديان" "مدان" "Midian "، فإنه "مدين" في الموارد العربية.
وقد ورد ذكر "مدين" و "أصحاب مدين" في مواضع من القرآن. ورد على سببل العظة والتذكير بمصير يشبه مصير "مدين"، وأشار إلى نبيهم "شعيب": "وإلى مدين أخاهم شعيباً". وورد اسمهم في سورة "التوبة" مع قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم، وورد مثل ذلك في سورة "الحج". ومما جاء في القرآن على لسان شعيب، قوله يخاطب أهل مدين: "يا قوم، اعبدوا الله ما لكم من إلهَ غيره، قد جاءتكم بيّنة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين". وورد في سورة هود ما يشير أيضا إلى أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان، فاستحقوا العقاب والعذاب، وذلك لترهيب أهل مكة، وكانوا تجّاراً، من نقص المكيال والميزان، لئلا يصيبهم ما أصاب قوم شعيب حيث أصابهم الهلاك.
ويظهر من ذكر "الرجفة" أن حدثاً أرضياً، هزة أو هياج حرَّة، أصابهم، فأثرّ فيهم. وهذا ممكن جداً، لأن أرض مدين من مناطق الزلازل و ا لحِرار.
ولورود اسم "مدين" وقصة "شعيب" في القرآن الكريم، عني المفسرون وأصحاب قصص الأنبياء بجمع ما ورد عن أهل مدين وأخيهم شعيب من أخبار، غير انهم لم يجدوا في ذاكرة من تقدمهم شيئاً، فاستعانوا بما ورد عند يهود. وقد أضاف الأخباريون إلى ذلك شيئاً من القصص الشعبي، وشيئاً ابتكروه، فأصبح "شعيب" "شعيب بن نويت بن رعويل بن مر بن عنقاء بن مدين ابن إبراهيم". وقد ذكر الطبري وغيره من المفسرين والمؤرخين إن اسم "شعيب" "يثرون" "يثرون" "يثرو"، وقد أخذوا ذلك من أهل الكتاب ولا شك، ففي التوراة إن "موسى" نزل على أهل "مدين"، بعد هربه من "فرعون"، وتزوج ابنة كاهن "مدين" "مديان" "يثرون"، واسمها "صفورة"، فولدت له ولداً دعاه "جرشوم" "كرشوم". فرأى المفسرون والأخباريون إن شعيباً المذكور في القرآن الكريم هو "يثرون" التوراة. ويرى "بول" "Buhl" إن ذلك لم يكن معروفاً في صدر الإسلام و إنما حدث هذا بعد هذا العهد.
وقد وضع بعض أهل الأخبار نسباً عجيباً مضحكاً ل "شعيب"، فجعلوه "يثرون بن ضيعون بن عنقا بن نابت بن إبراهيم. وتعقّل آخرون فقالوا: إنه "شعيب بن ميكيل" من ولد مدين. وقيل غير ذلك. كل هذا من وضع أهل الأخبار، وأهل الكتاب الذين أمدَّوهم يمثل هذه الأنساب والقصص، ولم يتورعوا من ادّعاء انهم وجدوا ذلك في كتب الله.
وقد عرف "يثرو" "Jethro"Jether"" ب "رعوئيل" "Reuel" أيضاً في التوراة. كما عرف ب "حوباب بن رعوئيل" في موضع أخر. ويظهر إن خطاً قد وقع في كتابة الاسم الثاني أو الأول، ولهذا صار "رعوئيل" في سفر الخروج و "حوباب بن رعوئيل" في سفر العدد. ونرى إن الاسم الذي ذكره "المسعودي" وغيره من أهل الأخبار ل "شعيب" الذي هو "يثرو" يختلف مع اسمه المذكور في التوراة. ويرى بعض الباحثين إن كلمة "يثرو" ليست اسم علم له، و إنما هي كناية عن وظيفته، وهي الكهانة، فقد كان كاهناً في قومه،والكاهن هو "يثرو" في بعض اللغات العربية الجنوبية، وأما اسمه، فهو "رعوئيل" أو "حوباب بن رعوئيل".
وقد جعل الناس لشعيب قبراً زعموا إنه على مقربة من "حطين" في موضع سماه "ياقوت" "خيارة". وقال له "بول Buhl " "خربة مدين.
وقد ورد خبر "مدين" في غزوة "زيد بن حارثة" لجذام في "حسمى". ويظهر من بعض الموارد الإسلامية أن "مدين" كانت في صدر الإسلام من أرض "جذام"، وأنها كانت إذ ذاك أكبر من "تبوك". وبها بئر زعم إنها البئر التي استقى منها موسى.
ويظهر من شعر "كُثيَر عزَّة" إنه كان في أيامه بمدين جماعة من الرهبان، يتعبدون، ويبكون من حذر العقاب. وورد اسم بطن يقال له "بنو المدّان"، كما ورد ذكر "مدان" في غزوة "زيد بن حارثة" بني جذام، ويقال له "فيفاء مدان". "والمدان" اسم صنم أيضاً، وبه عرف "بنو عبد المدّان".
وفي التوراة إن "المديانيين" كانوا برفقة "الاشماعيليين" لما بيع "يوسف". وأن موسى نزل عندهم وتزوج فيهم: أخذ ابنة "يثرون" كاهن "مديان" "مدين". وفي موضع آخر أن "يثرون" من "بني القيني" "Kenite" ويظن أن "بني القيني" هم فرع من فروع "مديان".
وقد اتحد "المديانيون" مع "مؤاب" ضد إسرائيل. وفي أيام "جدعون""Gideon" كان المديانيون قد ضايقوا العبرانيين مضايقة شديدة، وكانوا قد اتفقوا مع العمالقة و "بني المشرق"، فتمكن "جدعون" من اخراجهم. وقد ورد في سفر "القضاة" اسم أميرين من أمراء المديانيين، هما "غراب" "Oreb"، و "ذئب" "Zeeb" وورد في الإصحاح الثامن من القضاة اسم ملكين أو "شيخين" من "مديان" "مدين" هما: "زبح" "Zebah" و "صلمناع " "Zalmuna". والظاهر إنه لم يعد للمديانيين شأن منذ هذا العهد، فلم يرد عنهم شيء يذكر، ولعلهم ذابوا في القبائل العربية الأخرى. ويفهم مما جاء في "القضاة" أنهم كانوا فرعاً من "الإشماعيليين". والذي يفهم من مواضع متعددة من أسفار التوراة أن مواطن "المديانيين" كانت تقع شرق العبرانيين. والظاهر أنهم توغلوا في المناطق الجنوبية لفلسطين، واتخذوا لهم هناك مواطن جديدة، عاشوا فيها أمداً طويلاً بعد هذا التأريخ حيث يرد ذكرهم في الأخبار المتأخرة. وقد ذكر "بطلميوس" موضعاً يقال له "مودينا" "Modiana" على ساحل البحر الأحمر، يرى العلماء إنه موضع "مدين"، وهو ينطبق على موضع أرض مدين المعروفة في الكتب العربية.
وذكر "يوسفوس فلافيوس" المؤرخ اليهودي المعروف مدينة سماها "Madiana" وقال إن موسى زارها. وذكر "بطلميوس" مدينة أخرى سماها "Madiama" ، وقد أشار المؤرخ "أويسبيوس" "Eusebius" إلى مدينة دعاها "مديم" "Madiam"، قال إنها سميت بهذا الاسمِ نسبة إلى ولد من أولاد "قطورة" زوج إبراهيم، وهي تقع في بادية ال "سرسين" "Saracens" إلى شرق البحر الأحمر. ويرى "موسل" أن "Madiama" أو"Madiam" هي "مدين".
ويظهر من التوراة أن "المدينيين " قد غيّروا مواضعهم مراراً، بدليل مايرد فيها من اختلاطهم ب "بني قديم" والعمالقة والكوشيين و الإسماعيليين. ويظهر أنهم استقروا بعد ضعفهم في المنطقة التي ذكر "يوسفوس" وجود مدينة"Madiana" فيها، أي في القرون الأخيرة قبل الميلاد. ويرى "موسل" إنها تقع في جنوب "وادي العربة" وإلى جنوب وجنوب شرقي العقبة.
ومن الصعب تعيين "بشاق". فقد رأى بعضهم إنه موضع "يسبق" وهو مكان في شمال سورية، ذكر في كتابات "شلمنصر" الثاني. وقد ورد في خبر فتوحات "تغلا تبليزر" الأول اسم مكان يقال له "سوخ" "Sukh" أو "شوح" أو "شوخ" "Schukh"، ويقع شرق "حلب"، وهو لا يبعد كثيراً عن أرض "يسبق" "Jasbuk". واسم "سوخ" قريب جداً من "شوح" الذي يلي اسم "يشباق" في التوراة، لذا رأى بعض العلماء إنه هو الموضع المقصود، وأن "يشباق" كناية عن هذا المكان، عن موضع "يسبق" الذي لا يبعد كثبيراً عن "شوح". ورأى بعض الباحثين إنه "الشبلك"، وهو موضع يقع على طريق "السكة الرومانية" الموصلة إلى العقبة.
وأما "شوحا"، فذهب بعض الباحثين إلى إنه موضع "سوخ" "سوخو" "Sukh" ""Suchu، المذكور في نص "أشور بنبال" "865" ق. م. ويقع على الجانب الأيمن من نهر الفرات. وقد ذكرت أن نفراً من الباحثين رأوا + إنه مكان "سوخ" المذكور في نص "تغلا تبليزر" الأول. وقد نسب أحد أصحاب "أيوب" الثلاثة، وهو "بلدد" إلى "شوح" فعرف ب "الشوحي".
ويظن كثير من العلماء إنه من قبيلة أو من أرض عرفت بي "شوح"، وأن هذه القبيلة أو الأرض هي "شوحا".
وقد نسبت التوراة ولدين إلى يقشان هما: "شبا"، و "ددان". ويحب أن تكون أرض "شبا" هنا في جوار ارض "ددان"، وذلك لورود "ددان" مباشرةّ بعد "شبا"، أي على مقربة من موضع "ديدان" الذي هو "العلا"في الحجاز. وأهل "شبا" المذكورون هنا، هم جالية سبئية من جاليات سبئيةعديدة انتشرت بين اليمن وفلسطين، وفي السواحل الإفريقية المقابلة لليمن،كما سأتحدث عن ذلك.
ولم تهب التوراة لشبا أولاداً، بل تركته عقيماً. إنما وهبت شقيقه ددان عدداً من الأولاد ونسلاً، هم "أشوريم" و "لطوشيم" و "لأميم" 0 أما"أشوريم "Ashurim" "Asshurim"، فإنهم قبيلة عربية من قبائل "قطورة" بإجماع علماء التوراة، ولا صلة لهم ب "آشور"، أي الآشوريين. وقد ورد في "التركوم" "Targum" أن "آشوريم" بمعنى سكان مستوطنةّ أو معسكر.
مما يدل على إن هؤلاء العرب كانوا مستقرين مقيمين في مستوطنات، ولم يكونوا أعراباً.
وقد ورد اسم "آشور" في نصوص معينة مقروناً باسم موضع "عبر نهران"،وتقع هذه المنطقة من "طور سيناء" إلى "بئر السبع" "Beersheba"و "حبرون" و تحاذي "مصرى" في جزيرة العرب على رأي "ونكلر".
ولا نعرف شيئاً عن "لطوشيم" و "لاميم"، ويظن "كلاسر" أنهم من سكان "طور سيناء".
وأما "مديان" "مدين"، فكان له من الأولاد: عيفة، وحفر، وحنوك، وابيداع، والدعة. فهم اذن قبائل من صلب "مديان" أي مدين.
أما "عيفة"، فقد ورد ذكره في التوراة على إنه اسم قبيلة كانت تحمل الذهب واللبان على الجمال من "شبا" وتبيع تجارتها في فلسطين.
ذكرت مع "مدين". ويظهر إن "بني عيفة" وأهل مدين، كانوا وسطاء أو تجاراً يذهبون إلى "شبا"، فيحملون الذهب واللبان، لبيع هذه السلع الغالية النفيسة في فلسطين. ولا نعرف من أمر هذه القبيلة في الزمن الحاضر شيئاً يذكر.
وأما "عفر"، فاميم قبيلة يظن بعض العلماء إنها "بنو غفار"من "كنانة"، أو موضع "يعفر" على مقربة من "الحكية" بين تهامة وأبان. ورأى "كلاسر" إنه موضع "Apparu" الذي ورد في كتابة تعود إلى "آشور بنبال".
وهناك مواضع أخرى اسمها قريب من اسم "عفر"، فعلى مقربة من "مكة" موضع يعرف ب "عفر" وب "عفار"، وفي نواحي "العقيق" مكان يسمى "عفاريات". وذكر "الهمداني" "عفار" و "الخنقة"، واسماهما قريبان من "عفر" و "حنوك". غير إن في أعالي الحجاز في منطقة "مدين" وفي الأردن مواضع تسمى بأسماء قريبة من "عفر".
وأما "حنوك"، فلا نعرف من أمره شيئاً يذكر. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إنه "الحنكية"، وهو موضع في شمال المدينة.
وأما "ابيداع" "Abida'"، فيرى "كلاسر" إنه موضع من هذه المواضع في الحجاز. وقد ورد في النصوص السبئية اسم قريب من هذا الاسم. ولا نعرف من أمر "الدعة" شيئاً حتى الآن.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق