119
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل العاشر
أثر التوراة
أبناء كوش
ونجد في التوراة إن أبناء "كوش" "سبا، وحويلة، وسبتة، ورعمة، وسبتكا"، وان "شبا و ددان" هما ابنا "رعمة". و "كوش" هو ابن "حام"، والمراد بأبناء "كوش" الحبش وسكان "نوبيا" وهم سود. أما الأسماء المذكورة، فهي أسماء قبائل وأرضين عربية معروفة، لذلك حار علماء التوراة في تفسير الأسباب التي حملت كتبة التوراة على جعل تلك الأسماء أسماء أولاد لكوش. فرأى بعضهم إنها كناية عن قبائل عربية هاجرت من جزيرة العرب إلى السواحل الأفريقية المقابلة واستقرت في أفريقية منذ أزمنة قديمة وكوّنت لها مستوطنات وربما حكومات شاك، واندمج شعبها في أرض أفريقية، فعُدّت من شعوبها، فلما دوّن أهل الأنساب العبرانيون أنساب البشر في أيامهم عدّوها من شعوب أفريقية بحسب إقامتها، وأدخلوها في أبناء "كوش"، أي في أبناء تلك المنطقة التي أقاموا فيها. وذهب بعض آخر إلى أن "الكوشيين" المذكورين لم يكونوا من افريقبة، بل من جزيرة العرب، ورأوا وجود "كوش" اخرى في جزيرة العرب أصحابها هم القبائل العربية المذكورة. واستدلوا على ذلك يما جاء في "أخبار الأيام الثاني": "وأهاج الرب على يهورام روح الفلسطينيين والعرب الذين بجانب "الكوشيين"". حيث يفهم من هذه الآية إن العرب المذكورين الذين عادوا "يهورام" كانوا يجاورون "الكوشيين"، ويقتفي ذلك على زعمهم وجود "كوش" أخرى، هي "كوش عربية"، واياها قصد "سفر التكوين" في هذا المكان.
أما "سبأ"، وقد ذكر الاسم بالسين في هذا الموضع من التوراة، فإنه اسم شهير معروف، هو شعب سبأ. وتصور التوراة وجود "سبأ" في "كوش"، يشير إلى انتشار السبئيين في أفريقية، ووقوف العبرانيين ذلك، وعندي إن ذكر السبئيين مرة ب "شبا" أي بالشين المعجمة، ومرة بالسين المهملة، إنما وقع من كتبة الأسفار، كتبوه بالشين على وفق النطق العبراني، وكتبوه بالسين على نحو ما ينطق به في العربية، فظهر الاسم وكأنه اسم شعبين متباينين، ولا سيما في الموضع المذكور، حيث ظهر اسم "سبا" بالسين، ابن من أبناء "كوش"، بينما ا ظهر بالشين أي "شبا" ابن من أبناء رعمة وشقيق ل "ددان" على سين ورد بالشين أيضاً في أولاد يقطان. والظاهر إن المورد الذي استقى منه كتبة الأسفار هذه الأسماء سمّوها بالشين من إخوانهم العبرانيين الذين كانوا على اتصال بالسبئيين، وذلك على وفق نطقهم، وقد كان هولاء السبئيين من سكان اليمن وأعالي الحجاز، فأطلقها عليهم بحسب نطق العبرانيين بها، وسمع عن السبئيين لآخرين وهم من دعاهم ب "الكوشين" من العرب، و فرق بين الأنساب على طريقة العبرانيين من نسبة الأقوام إلى المواضع التي تقيم من ينسبونهم بها.
وأما "حويلة"، فقد تحدثت عنها في كلامي على أبناء "يقطان".
وأمما "سبتة" "Sabta"،فقد رأى بعض العلماء إنها قبيلة من قبائل جزيرة العرب، يجب أن تكون مواطنها بين "سبأ" و "رعمة"، ورأى آخرون إنها على ساحل الخليج، على حين رأى آخرون إنها "Sabota" أي "شبوة" عاصمة حضرموت ورأى "كلاسر" إنها في اليمامة.
وأما "رعمة" "Raamah"، فإنه والد "شبا" و "ددان" "ديدان"، ولكونه أحد أبناء "كوش" وجب البحث عن أرضه في أفريقية، إلا أن العلماء لا يتفقون على ذلك، بل يذهب أكثرهم إلى إن "رعمة" كناية عن أرض هي في مكان ما من جزيرة العرب، في غرب الخليج العربي حيث موضع"Regama" الذي ذكره "بطلميوس"، أو في أرض "Rammanitae" الذي ذكره "سترابو"، أو موضع "ركمت" "ركمات" "رجمت" "رجمات" المذكور في كتابات المسند. ويخيل إليّ إنه كناية عن حلف ضمّ جماعة من السبئيين الشماليين والديدانيين ورعمة، في تلك الأيام، ولذلك صُيّر والداً في وددان، ثم انفصمت عراه، فذكرت "رعمة" مع "شبا" تتاجر مع "صور" "Tyr" وذلك في سفر حزقيال، أو إنه اسم أرض في شمال غربي العربية الغربية يجاور مواضع السبئيين الشماليين والديدانيين. أو في موضع ما من سواحل الخليج.
وأما "سبتكا"، فلا نعرف من أمرها شيئاً يذكر. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنها تحريف لفظة "سبته". ويرى "كلاسر" أنها في الأقسام الشرقية من جزيرة العرب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق