99
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن
طبقات العرب
العرب البائدة
ونحن جرياً مع عادة أهل الأخبار في تقسيم العرب إلى الطبقات الثلاث المذكورة، نبدأ بذكر الطبقة الأولى من طبقات العرب، وهي طبقة العرب البائدة.
وقد شك كثير من المستشرقين في حقيقة وجود أكثر الأقوام المؤلفة هذه الطبقة، فعدّها بعضهم من الأقوام الخُرافية التي ابتدعتها مخيلة الرواة، وخاصة حين عجزوا عن العثور على أسماء مشابهة لها أو قريبة منها في اللغات القديمة أو في الكتب الكلاسيكية، وقد اتضح الآن أن في هذه الأحكام شيئاً من التسرع، إذ تمكن العلماء من العثور على أسماء بعض هذه الأقوام، ومن الحصول على بعض المعلومات عنها، ومن حلّ رموز بعض كتاباتهم مثل الكتابات الثمودية. وقد اتضح أن بعض هذه الأقوام أو أكثرها قد عاشوا بعد المسيح ولم يكونوا ممعنين في القدم على نحو ما تصور الرواة. ولعلّ هذا كان السبب في رسوخ أسمائهم في مخيلة الإخباريين.
وأبدأ الآن بالتحدث عن "عاد": عاد: و إذا جارينا الأخباربين، وسرنا على طريقتهم في ترتيب الشعوب العربية، وجب علينا تقديم طسم وعمليق وأميم وأمثالهم على عاد وثمود؛ لأنهم من أبناء "لاوذ بن سام" شقيق "إرم"، وعاد وثمود من حَفدة "إرم بن سام". ولكن الأخباريين يقدمون عاداً على غيرهم، و يبدأون بهم، وهم عندهم أقدم هذه الأقوام، ويضربون بهم المثل في القدم. ومثلهم في ذلك مثل أخباريي العبرانيين الذين عدّوا العمالقة أول الشعوب. ولعل هذه النظرية تكونت عند الجاهليين من قدم عاد، أو من ورود اسم عاد في القرآن الكريم في سورة الفجر ثم مجيء اسم "ثمود" بعد ذلك. ولهذا صاروا إذا ذكروا "عاداً" ذكروا "ثموداً" بعدها في الترتيب. فلورودهما في القرآن الكريم قدما على بقية الأقوام.
وقد أورد "الطبري" ملاحظة مهمة عن قوم "عاد" وعن رأي أهل الكتاب فيهم، إِذْ قال: "فأما أهل التوراة، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية، والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه". ويظهر من ذلك أن المسلمين حينما راجعوا اليهود يسألونهم علمهم عن عاد وأمثالهم، أخروهم بعدم وجود ذكرهم في التوراة. والواقع أن التوراة لا علم لها فيهم. فأحادث عاد وثمود وهود وصالح إنما هي أحاديث عربية، تحدث بها الجاهليون، وليس لها ذكر في كتب يهود، ولكن أهل. الأخبار ربطوا مع ذلك بينها وبين التوراة، وأوجدوا لها صلة ونسباً بأسماء أعيان وردت في التوراة. ولكن عملهم هذا لا يخفى بالطبع على من له وقوف على التوراة.
وأكثر هذه الأقوام أقوام متأخرة عاشت بعد الانتهاء من تدوين التوراة، عاشت بعد الميلاد في الغالب، ولعل منها من عاش إلى عهد غير بعيد عن الإسلام. ثم إن التوراة والكتب اليهودية الأخرى لم تهتم إلا بالشؤون التي لها علاقة بالعبرانيين، وهي ليست كتباً في التواريخ العامة للعالم حتى تكتب عنهم وعن أمثالهم من قبائل. أما بقاء أخبار قوم عاد ومن كان على شاكلتهم من العرب البائدة في ذاكرة أهل الأخبار، فلأنهم عاشوا بعد الميلاد، وفي عهد غير بعيد عن الإسلام، ومع ذلك، فقد أخذت أخبارهم طابع القصص والأساطير.
وقد ذهب بعض أهل الأخبار إلى أن عادا هي "هدورام" في التوراة. ودليلهم على ذلك اقتران عاد بإرم في الكتب العربية، وبعض القراءات التي قرأت "بعاد إرم" في الآية: )ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد" على الإضافة، أو مفتوحتين، أو بسكون الراء على التخفيف، أو بإضافة إرم إلى ذات العماد. وبين "عاد إرم" و "هدورام" تشابه كبير في النطق.
ولكن التوراة تشير إلى أن "هدورام" من نسل "يقطان"، أي قحطان في الكتب العربية، وهذا لا يستقيم مع الروايات. ويرد "جرجي زيدان" على هذا الاعتراض بقوله: "ولعل كاتب سفر الخليقة رأى مقر تلك القبيلة في بلاد اليمن، فقال أنها من نسل قحطان، لأن مقام عاد في الأحقاف بين حضرموت واليمن. كثيراً ما التبس علماء التوراة في هدورام أو هادرام ومقر نسله، ولم يهتدوا إلى شيء عنه، مع انهم اهتدوا إلى أماكن أكثر أبناء قحطان، وكلها بحوار الأحقاف، فعاد هي "هدورام" في التوراة. وإما أن يكون كاتب سفر الخليقة أراد بيان القبائل التي سكنت اليمن، وكلها ينسب إلى قحطان، فرأى عاد إرم في جملتها، فجعله من أولاد قحطان وبعبارة أخرى: من القبائل المتفرعة عن قبيلة قحطان. وإما أن يكون بالحقيقة من نسل قحطان،وهم العرب في نسبته إلى آرام"، ورأى "فورستر" وجود صلة بين "عادة"، وهو اسم زوجة "لامك"، وبن "عاد"، وهي والدة "يابال" الذي كان أباً لسكان الخيام ورعاة المواشي، ونسلها من الأعراب. وقوم عاد من الأعراب كذلك. وذهب أيضاً إلى أن هؤلاء هم Oaditae وهو اسم "قوم ذكرهم "بطليموس"" على انهم كانوا يقيمون في الأرضين الشمالية الغربية من جزيرة العرب، ولعلهم كانوا يقيمون عند موضع "بئر إرم"،وهي من الآبار القديمة في منطقة )حسمى( على مقربة من جبل يعرف بهذا الاسم في ديلر جُذام بين أيلة وتيه بني إسرائيل. ولا يبعد هذا الموضع عن أماكن ثمود الذين ارتبط اسمهم باسم عاد. وقد أيد هذا الرأي )شبرنكر( وجماعة من المستشرقين، وهو أقرب الآراء إلى الصواب.
وذهب الأخباريون إلى وجود طبقتين لقوم عاد هما: عاد الأولى، وعاد الثانية، وكانت عاد الأولى، في زعم أهل الأخبار، من أعظم الأمم بطشاً وقوة، وكانت مؤلفة من عدة بطون تزيد على الألف، منهم: رفد، ورمل، وصد،والعبود. والظاهر أن فكرة وجود طبقتين لعاد قد نشأت عند الأخباربين من الآية: )وأنه أهلك عاداً الأولى، وثمودَ فما أبقى(، فتصوروا وجود عاد ثانية، قالوا أنها ظهرت بعد هلاك عاد الأولى.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "عاداً الأولى"، هو "عاد بن عاديا ابن سام بن نوح"، الذين أهلكهم الله، وأوردوا في ذلك بيت شعر ينسب إلى "زهر"1. وأما عاد الآخرة، فهم "بنو تميم" وينزلون برمال عالج. وذهب الطبري إلى أن عاداً الأولى، هم نسل بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وأن عاداً الآخرة هم رهط قيل بن عتر، ولقيم بن هزّال ابن هزيل بن عُتيَل بن صد بن عاد الأكبر، ومرشد بن سد بن عفير، وعمرو بن لقيم بن هزّال، وعامر بن لقيم، وسرو بن لقيم بن هزّال، وكانوا في أيام "بكر بن معاوية" صاحب "الجرادتين"، وهما قينتان له تغنيان. وقد هلكوا جميعا الا "بني اللوذية"، وهم "بنو لقيم بن هزّال ابن هزيل بن هزيلة ابنة بكر"، وكانوا سكاناً بمكة مع أخوالهم "آل بكر ابن معاوية"، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم فهم عاد الأخيرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد.
وجعل بعض أهل الأخبار عدد قبائل عاد ثلاث عشرة قبيلة، ذكروا منها: "رفد" و "زمل" و "صد" و "العبود".
وجعلها "الهمداني" أحد عشر قبيلة وهي: العبود، والخلود، وهم رهط هود النبي المرسل، وفيهم بنو عاد وشرفهم، وهم بنو خالد. وقيل: بنو مخلد، وبنو معبد، ورفد، وزمر وزمل، وضد وضود، وجاهد، ومناف، وسود، و هوجد.
وقد ذهب العلماء مذاهب في تفسير المراد من "إرم ذات العماد" في الآية: )ألم ترَ كيف فعل ربك بعادِ، إرَمَ ذات العماد( فذهب بعضهم إلى أن "إرم ذات العماد" مدينة في "تيه أبْينَ" بين عدن وحضرموت، وذهب آخرون إلى أنها دمشق أو الإسكندرية. والذي دعاهم إلى هذا الرأي - على ما أرى - هو كثرة وجود المباني ذوات العماد في هاتين المدينتين وما عرف عنهما من القدم، فوجد الأخباريون فيهما وصفاً ينطبق على وصف إرم ذات العماد. وقد خلقت "باب جيرون" من أبواب دمشق قصة "جيرون بن سعد ابن عاد" الذي قالوا فيه إنه كان ملكا من ملوكهم، وإنه الذي اختط مدينة دمشق، وجمع عمد الرخام والمرمر إليها، وسماها "إرم".
وهناك مناسبة أخرى جعلت بعض العلماء يذهبون إلى أن دمشق هي "إرم" أو "إرم ذات العماد"، فقد كانت دمشق - كما هو معروف - من أهم مراكز الإرمين "الآراميين"، وكانت عاصمة من عواصمهم. وهذا السبب أيضاً قال نفر من الباحثين إن "إرم" تعني "أرام"، وأن عاداً من "الآراميين"، وأن "عاد إرم" انما تعني "عاد أرام"، فالتبس الأمر على المؤرخين وظنوا أن ذات العماد صفة، فزعموا أنها مدينة بناها عاده. غير أنه قول لا يؤيده دليل يثبت أن "إرم" في هذا الموضع تعتي "ارام". ومن الجائز أن تكون "إرم ذات العماد" هي التي أوحت إلى النسابين فكرة جعل "عاد" من نسل "عوص بن ارم"، لتشابه اسم "ارام" و "ارم" عند العرب التي هي "آرآم" فأصبحت عاد من الإرميين.
ويرى بعض المستشرقين أن الذي حمل الأخبارين على القول إن "الإسكندرية" هي "ارم ذات العماد"، هو أثر قصص الإسكندر في الأساطير العربية الجنوبية ذلك الأثر الذي نجده في كتب القصاص اليمانيين، في مثل كتاب "التيجان" المنسوب إلى وهب بن منبه، وفي الرواية اليمانية. وقد حاول الإسكندر كما نعرف احتلال اليمن، فغدا "شداد بن عاد" بانياً للإسكندرية، وأصبح "الإسكندر" مكتشفاً لها.
وقد فسر العلماء لفظة "إرمي" الواردة في بيت الحارث بن حلزة البشكري: إرَمي بمثله جالت الجن فآبت لخصمها الأجلاء
بأنها نسبة إلى "إرم عاد" في قدم ملكه، وقيل في حلمه.
ونسب بعض أهل الأخبار ل "عاد" ولداً، دعوه "شداداً" قالوا: إنه كان قوياً جبارا، سمع بوصف الجنة، فأراد بناء مدينة تفوقها حسناً وجمالاً، فأرسل عماله، وهم: "غانم بن علوان"، و "الضحاك بن علوان"، و "الوليد بن الريان"، إلى الآفاق، ليجمعوا له جميع ما في أرضهم من ذهب وفضة ودرّ وياقوت، فابتنى بها مدينته، مدينة "إرم" باليمن، بين حضرموت وصنعاء، ولكنه لم ينعم بها إذ كفر بالله، ولم يصدق بنبوة "هود"، فهلك. وتولى من بعده ابنه "شديد".
وزعم بعض، النسابين أن نسب "شداد" هو على هذه الصورة: "شدّاد ابن عمليق بن عوفي بن عامر بن إرم"، فأبعدوه بذلك عن "عاد". وقيل في نسبه غير ذلك.
ويفهم من القرآن الكريم أن مساكن "عاد" بالأحقاف، )واذكر أخا عاد، إذ أنذر قومه بالأحقاف(. والأحقاف: الرمل بين اليمن وعُمان إلى حضرموت والشجر. وديارهم بالدوّ والدهناء وعالج ويبرين ووبار إلى عمان إلى حضرموت إلى اليمن. وقد اندنع أكثر الأخبارين يلتمسون مواضعهم في الصحارى، لأنها أنسب المواضع التي تلائم مفهوم الأحقاف، فوضعوا من أجل ذلك قصصاً كثيراً في البحث عن مواطن عاد وتبور عاد، ورووا في ذلك كثيراَ من قصص المغامرات التي تشبه قصص مغامرات لصوص البحر.
وفي بعض الأخبار: أن "عاداً" لحقت برالشحر، فسكنت به، وعليه هلكوا بوادٍ يقال له "مغيث". فلحقتهم بعد "مهرة" بالشحر. وقد سبق أن قلت: إن Oaditae الذي ذكرهم "بطلميوس" هم قوم "عاد"، وإنهم كانوا يسكنون في الأرضين الشمالية الغربية من جزيرة العرب في منطقة "حسمى"، أي في أعالي الحجاز، وعلى مقربة من مناطق ثمود. وهو أقرب إلى الصواب، اذ اقترن ذكر عاد في القرآن بذكر )ثمود الذين جابوا الصخر بالواد(. "حسمى" أقرب إلى هذا الوصف من الرمال. ولم يعين القرآن موضع الأحقاف، و إنما عينه المفسرون، ولا يحتم تفسيرهم تخصيص الأحقاف بهذا المكان، حيث جعلوا رمال "وبار" في جملة المناطق التي كانت لعاد.
وقد ذهب "موريتس" إلى ان موضع "Aramaua" الذي ورد عند "بطلميوس"، وهو "إرم"، أو "إرم ذات العماد". ويقال له الآن "رم". وقد أيد "موسل" رأي "موريتس" غير أنه لم يذهب إلى ما ذهب أليه من أنه "إرم". وقد أظهرت الحفريات التي قام بها "المعهد الفرنسي" في القدس، صحة هذا الرأي، إذ ورد في الكتابات "النبطية" التي عثر عليها في خرائب معبد اكتشف في "رم" أن اسم الموضع هو "إرم". فيتضح من ذلك أن هذا الموضع حافظ على اسمه القديم،غير أنه صار يعرف أخراً ب "رم" بدلاً من "إرم".
وفي سنة 1932 قام "هورسفيلد" Horsfield من دائرة الآثار في المملكة الأردنية الهاشمية حفريات في موضع جبل "رم"، ويقع على مسافة "25" ميلا إلى الشرق من العقبة، ويقع المكان الذي بحث فيه عند وادّ، وعلى مقربة منه "عين ماء"، ووجد في جانب الجبل آثاراً جاهلية قديمة. وقد حملت اكتشافاته هذه و اكتشافات "سافينياك" Savignac واكتشافات "كليدن" H.W. Glidden على القول: إن هذا المكان هو موضع "إرم" الوارد ذكره في القرآن، والذي كان قد حل به الخراب قبل الإسلام، فلم يبق منه عند ظهور الإسلام غير عين ماء كان ينزل عليها التجار وأصحاب القوافل الذين يمرون بطريق الشام - مصر - الحجاز.
وذكر "ياقوت الحموي" اسم مكان سماه "جش إرم"،قال عنه: إنه اسم جبل عند "أجأ" أحد جبلَيْ. طيء، أملس الأعلى، سهل ترعاه الإبل، وفي ذروته مساكن لعاد وإرم، فيه صور منحوتة من الصخر. ففرق "ياقوت" هنا بين عاد وإرم، وجعلهما قومين: قوم عاد وقوم إرم، وقد تكون الواو بين الكلمتين زيادة من الناسخ، فيبطل حينئذ الاستدلال على تفريق ياقوت بينهما. وفي الكتب العربية أسماء محلات أخرى قديمة عثر فيها على نقوش وتماثيل، وصفت أنها من مساكن قوم عاد.
وبالإضافة إلى المواضع التي أشير فيها إلى "عاد" في القرآن الكريم، فقد أشر إليهم في الشعر الجاهلي كذلك في شعر طرفة وفي شعر النابغة وفي شعر زهير وفي شعر الهُذَليين، وفي شعر طفيل بن عوف الغنوي، وفي شعر "متمم بن نُوَيْرَة" شقيق "مالك بن نويرة"، وهو من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وأدركوا الإسلام، وفي شعر "أمية بن أبي الصلت"، وهو ممن عاش في أيام الرسول كذلك، وفي شعر غيرهم من الشعراء الجاهلين المخضرمين.
وورد في شعر لزهير بن أبي سُلمى "أحمر عاد"، وضرب المثل بشؤم أحمر عاد، فقيل: أشأم من أحمر عاد. وجعل الشاعر "أبو خداش الهذلي" "كليب وائل" كأحمر عاد في الشؤم، وذلك بسبب الحرب التي هاجت بين بكر وتغلب. وقد نص "ابن قتيبة الدينوري" على أن المراد من "أحمر عاد" "أحمر ثمود" الذي عقر الناقة.
ويدل ورود خبر "عاد" في القرآن الكريم وفي الشعر الجاهلي على أن القصة كانت شائعة بين عرب الجاهلية معروفة عندهم، وأنهم كانوا يتصورون أن قوم "عاد" كانوا من أقدم الأقوام، ولذلك ضُرب بقدمهم المثل حتى إنهم كانوا ينسبون الشيء الذي يريدون أن يبالغوا بقدمه، إلى عاد، فيقولون إنه "عادي". وإذا رأوا أثراً قديماً أو أطلالا قديمة عليها نقوش لا يعرفون صاحبها، قالوا إنها عادية، أي من أيام عاد. وإذا رأوا بناءً قديماً لا يعرفون صاحبه، قالوا إنه بناء عادي. وقد تحدث "المسعودي" عن أشجار عادية، أي قديمة جداً. ولهذا السبب رأى "ولهوزن" أن كلمة "عاد" لم تكن اسم علم في الأصل، بل كان يراد بها القدم، وأن كلمة "عادي" تعنى منذ عهد قديم جداً، وكذلك كلمة "من عاد" أو "من العاد"، أو من "عهد عاد". وان المعنى هو الذي حمل الناس على وضع تلك الأساطير عن أيام "عاد".
وقد جعل بعض الشعراء أيام "عاد" من أوليات الزمان، التي جاءت بعد "نوح" وجعل بعض آخر لفظة "إرمي"؛ بمعنى "عادي"، أي قديم كأنه من عهد إرم وعاد، أو كأنه في الحكم من عاد.
وقد ضرب المثل في القرآن الكريم بقدم "قوم نوح" وقوم "عاد وثمود" حتى إن أخبارهم خفيت عن الناس فلا يعلمها إلاّ الله: )ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله(، وفي ذلك دلالة على أن الناس في أيام الرسول كانوا يرون أن الأقوام المذكورة هي من أقدم الأقوام، ولهذا ذكروا بهم للاتعاظ.
وقد ورد ذكر عاد في الكتاب الذي وجهه "يزيد بن معاوية" إلى أهل المدينة يهددهم فيه بمصير يشبه مصير "عاد وثمود"، حيث ينزل بهم عقاباً شديداً ويصيرهم حديثا للناس، "واترككم أحاديث تنسخ بها أخباركم مع أخبار عاد وثمود". وقال "سبيع" لأهل اليمامة: "يا بني حنيفة بعداً كما بعدت عاد وثمود".
وضرب المثل برجل من "عاد" اسمه "ابن بيض"، زعموا أنه كان من عاد، وكان تاجراً مكثراً عقر ناقة له على ثنية، فسد بها الطريق على السابلة، فضرب به المثل.
وزعم أهل الأخبار أن رجلاً غنياً من بقية "عاد" اسمه "حمار" كان متمسكاً بالتوحيد، فسافر بنوه، فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم، فأشرك بالله وكفر بعد التوحيد، فاًحرق الله أمواله وواديه الذي كان يسكن فيه فلم ينبت بعده شيء. ويزعمون أن "امرأ القيس" الشاعر ذكر ذلك الوادي في شعر له.
ويذكر أهل الأخبار أن المكان الذي كان فيه "حمار" المذكور هو "جوف"، وهو موضع في ديار عاد، وقد نسب اليه، فقبل "جوف حمار"، نسبة إلى "حمار بن مويلع"، فلما أشرك بالله وكفر، أرسل الله ناراً عليه فأحرقته وأحرقت الجوف أيضاً، فصار ملعباً للجن لا يستجرئ أحد أن يمر به، والعرب تضرب به المثل، فتقول: "أخلى من جوف حمار".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق