100
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن
طبقات العرب
هود
ويرد مع قوم "عاد" ذكر نبي منهم، هو "هود"، وقد نعت في القرآن الكريم ب "أخي عاد": )وإلى عادٍ أخوهم هوداً، قال: يا قوم، اعبدوا الله(. كما نعت القرآن عاداً بقوم هود: )ألا، إن عاداً كفروا ربهم،ألا بُعْداً لعاد قوم هود(. "قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح". وقد نسبه الناسبون إلى "الخلود بن معيد بن عاد"، وإلى "عبد الله بن رباح ابن جاوب بن عاد بن عوص بن إرم"، وإلى "عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم"، ومن أهل الأنساب من زعم انه "عابر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح"، إلى غير ذلك من روايات.
وقد وردت قصته مع قومه ونهيه لهم عن عبادة الأصنام في القرآن الكريم. وقد ضرب المثل بكفر رجل من عاد، اسمه "حمار"، فقيل:"أكفر من حمار"، قالوا: "هو رجل من عاد، مات له أولاد، فكفر كفراً عظيماً، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر، فإن أجابه، وإلا قتله". وذلك على نحو ما ذكرته عنه قبل قليل. وهي قصة واحدة، رويت بطرق متعددة، تختلف في التفاصيل، لكنها متفقة من حيث الفكرة والجوهر، وعليها طابع قصص الوعاظ وأهل الأخبار. وقد ذكر أصحاب الأخبار أن غالبية "عاد" كفرت بنبوة "هود"، ولم تؤمن به، لهذا أصابها العذاب والهلاك. ولم ينج منهم إلا من آمن ب "هود" واتبعه وسار معه حين ترك قومه: قوم عاد.
وقد نبه المستشرقون إلى وجود شبه بين هود و "هود" الواردة في القرآن أيضاً بمعنى "يهود": )وقالوا كونوا هوداً، أو نصارى، تهتدوا(. وأشاروا إلى أن "هوداً" تعني التهود، أي الدخول في اليهودية، كما لاحظوا أن بعض النساّبين قالوا إن هوداً هو "عابر بن شالح بن أرفكشاد" جد اليهود، فذهبوا إلى أن هوداً لم يكن اسم رجل، و إنما هو اسم جماعة من اليهود هاجرت إلى بلاد العرب، وأقامت في الأحقاف، وحاولت تهويد الوثنيين، وعرفوا بيهوذا، ومنها جاءت كلمة "هود"، و أنها استعملت من باب التجوز علماً لشخص.
وزعم الرواة أن هوداً ارتحل هو ومن معه من المؤمنين بعد النكبة التي حلت بقومه الكافرين من أرض عاد إلى الشحر. فلما مات دفن بأرض حضرموت. ويدعي الرواة انه قبر في واد يقال له "وادي برهوت" غير بعيد عن "بئر برهوت" التي تقع في الوادي الرئيسي للسبعة الأودية. وهي من الآبار القديمة التي اشتهرت في الجاهلية بكونها شر بئر في الأرض، ماؤها أسود منتن، تتصاعد من جوفها صيحات مزعجة، وتخرج منها روائح كريهة، ولذلك تصور الناس أنها موضع تتعذب أرواح الكفار فيه.
ويذهب السياح الذين زاروا هذا المكان ودرسوه إلى انه موضع بركان قديم، يظهر أنه انفجر، فاًهلك من كان حوله. ويؤيد هذا الرأي ما ورد في الكتب العربية من أنه كان يسمع لهذا المكان أصوات كالرعد من مسافات، وانه كان يقذف ألواناً من الحمم يسمع لها أزيز راعب. ومن هنا نشأت قصة قبر هود، وعذاب عاد في هذا الموضع، على رأي المستشرق "فون كريمر".
ولا يزال هذا الموضع الذي يقال له "قبر هود"، يزار حتى الآن، يقصده الناس من أماكن بعيدة في اليوم الحادي عشر من شعبان للزيارة، وربما كان من الأماكن التي كان يقدسها الجاهليون.
وفي هذه المناطق آثار مدن بائدة، وقرى جاهلية، وتشاهد كهوف ومغاور على حافتي الوادي، وكتابات وصور منقوشة على الصخور تسل كلها على أنها كانت من المناطق المأهولة، وأنها تركت لسبب آفات وكوارث طبيعية نزلت بهذه الديار.
ورأى نفر من المستشرقين أن هذا المكان الذي فيه قبر "هود" هو الموضع الذي سماه الكتاّب اليونان Styx أو Stygis ، والذي زعم الرومان أن قبيلتين من قبائل جزيرة "اقريطش" "كريت" وهما قبيلة Minos و "رودومانتس" Rhodomantys تركتا موطنهما الأصلي، وارتحلتا إلى هذا المكان الذي ضم مئات من القبائل العربية، فكانتا من أقواها. وقد سكنتا في رأيهم، على مقربة من موضع سماه "بلينيوس" Stygis Aguniae Fossa.
أما الأخباريون الذين زعموا أن "هوداً" اعتزل قومه بعد يأسه من قبول دعوته، وأنه ذهب مع من آمن به إلى مكة، فقد ذهبوا إلى أنه عاش فيها أمداً، ثم مات هناك، فقبره بمكة مع قبور ثمانية وتسعين نبياً من الأنبياء. وذكر جماعة أنه بدمشق في المسجد الأموي. ولعل القصص الوارد عن "دمشق"، وأنها "إرم ذات العماد" هو الذي أوحى. إلى هؤلاء فكرة جعل قبر "هود" بدمشق. ومهما يكن من شيء فإن هناك جماعة من أهل الأخبار قبرت بعض الأنبياء في هذه المدينة، واختارت المسجد الأموي نفسه مقبرة لهم. ولعل ذلك بسبب أن هذا المسجد كان كنيسة معظمة قديمة عند أهل دمشق قبل دخولهم في الإسلام، وكان قد قبر فيها جماعة من قدّيسيهم ورجال دينهم، فلما تحولت الكنيسة إلى جامع تحولت قبور هؤلاء بعواطف الناس القديمة إلى قبور أنبياء. وقد ظهر مثل هذه الروايات التي تمجد الجامع الأموي في الوقت الذي تحصن فيه "ابن الزبير" بمكة، وتحزب أهل الحجاز على الأموبين.
وقد اتخذ القحطانيون هوداً جداً من أجدادهم، وألحقوا نسبهم به، وتفاخروا به. فعلوا ذلك بدافع العصبية والمفاخرة على العدنانيين الذين كانوا يقولون إن فيهم الأنبياء، ولم يكن في قحطان نبي، فأوجد نساّبوهم نسباً يوصلهم إلى الأنبياء، كما أوجدوا لهم نسباً احتكر لهم العروبة، وجعلهم الأصل والعدنانيون من الطارئين عليهم، كما سيأتي الحديث عن ذلك.
وإذا صح أن الشعر المنسوب إلى حسّان بن ثابت الذي افتخر فيه بانتسابه إلى "هود بن عابر"، وبأن قومه وهم من "قحطان" منهم، هو هذا الشاعر حقاً، يكون لدينا أول دليل يثبت أن هذا الانتساب كان معروفاً عند ظهور الإسلام. وأن أهل "يثرب"، وهم من الأوس والخزرج، وهم من قحطان في عرف النسّابين، كانوا قد انتسبوا أليه قبل الإسلام. أخذوا ذلك من اليهود النازلين بينهم، الذين كانوا يحاولون التقرب إلى أهل يثرب، للعيش مهم عيشة طيبة. فأشاعوا بين الناس أن "عايراً"، وهو جد العبرانيين، ووالد ولدين هما "فالغ" و "يقطان" كان جدّهم وجد أهل يثرب، لأن أصلهم من يقطان، وأن علاقتهم لذلك بهم هي علاقة أبناء عمّ بأبناء عم. ولما نزل الوحي بخبر "هود"، وتفاخر المكّيون على أهل يثرب بالإسلام، استعار أهل يثر ب "هوداً"، وصيروه "قحطاناً"، أو ابناً له، وانتسبوا اليه، ليظهروا بذلك انهم كانوا أيضاً من نسل نبي، وان نبوءة قديمة كانت فيهم، وقد كان "حسّان بن ثابت" من المتعصبين للأزد قوم أهل يثرب، والأزد من قحطان بر وكان من المتباهين بيمن و قحطان.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق