إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

76 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع جزيرة العرب نجد


 76

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الرابع

جزيرة العرب

نجد

نجد في الكتب العربية "اسم للأرض العريقة التي اعلاها تهامة و اليمن، ة أسفلها العراق و الشام". وحدها ذات عرق من ناحية الحجاز، و ما ارتفع عن بطن الرمة، فهو نجد إلى أطراف العراق و بادية السماوة. و ليست لنجد في هذه الكتب حدود واضحة دقيقة، وهي بصورة عامة الهضبة التي تكون قلب الجزيرة، وقد قيل لها في الإنكليزية: "The Heart of Arabia". و تتخلل الهضبة أودية و تلال ترتفع عن سطح هذه الهضبة بضع مئات من الأقدام، و تتألف حجارتها في الغالب من صخور كلسية ومن صخور رملية غرانيتية في بعض المواضع. و أعلى أراضيها هي أرضو نجد الغربية المحاذية للحجاز، ثم تأخذ في الانحدار كلما اتجهت نحو الشرق حتى تتصل بالعروض.

و تتألف نجد من الوجهة الطبيعية من مناطق ثلاث: 1 - منطقة وادي الرمة، و تتألف أرضوها من طبقات طباشيرية في الشمال وحجارة رملية في الجنوب، وتغطي وجه الأرض في بعض أقسامها طبقات مختلفة السمك من الرمال، وتتخللها أرضون خصبة تتوافر فيها المياه على أعماق مختلفة، ولكنها ليست بعيدة في الجملة عن سطح الأرض، وتتسرب إليها المياه من المرتفعات التي تشرف عليها وخاصة من جبل شمر، ومن الحرار الغربية التي تجود على الوادي بالمياه. ويختلف عرض وادي الرمة، فيبلغ زهاء ميلين في بعض المحلات، وقد يضيق فيبلغ عرضه زهاء "500" ياردة، وتصل مياه السيول إلى ارتفاع تسع أقدام في بعض الأوقات.

2 - المنطقة الوسطى،وهي هضبة تتألف من تربة طباشرية، متموجة، تتخللها أودية تتجه من الشمال إلى الجنوب. وبها "جبل طويق"، والأرض عنده مؤلفة من حجارة كلسية،وحجارة رملية، ويرتفع زهاء "650" قدم عن مستوى الهضبة. وتتفرع من جبل طويق عدة أودية تسيل فيها المياه في مواسم الأمطار، فتصل إلى الربع الخالي فتغور في رماله. ويمكن إصلاح قسم كبير من هذه المنطقة، ولا سيما الأقسام الواقعة عند حافات وادي حنيفة.

3 - المنطقة الجنوبية، وتتكون من المنحدرات الممتدة بالتسريح من جبل طويق ومرتفعات المنطقة الوسطى إلى الصحارى في اتجاه الجنوب. وفيها مناطق معشبة ذات عيون وآبار، مثل "الحريق" و "الخرج". ويرى الخبراء إن مصدر مياه هذه المنطقة من جبل طويق ومن وادي حنيفة. ومن مناطقها المشهورة "الأفلاج." و "السليل" و "الدواسر"،وفي جنوب هذه المنطقة تقل المياه، وتظهر الرمال حيث تتصل عندئذ بالأحقاف.

ويقسم علماء العرب نجداً إلى قسمين: نجد العالية، ونجد السافلة. أما العالية فما ولي الحجاز وتهامة. و أما السافلة، فما ولي العراق. وكانت نجد حتى القرن السادس للميلاد ذات أشجار وغابات، ولا سيما في "الشربة" جنوب "وادي الرمة" و في "وجر ة".

وفي جزيرة العرب وبادية الشام أرضون يمكن إن تكون مورداً عظيماً للماشية بل وللحبوب أيضاً، لو مسها وابل وهطلت عليها أمطار، وتوفرت فيها مياه، فإن أرضها الكلسية تساعد كثيراً على تربية الماشية بجميع أنواعها. كما تساعد على الاستيطان فيها، ولهذا يتول بعضها إلى جنان تخلط الألباب وتسحر النفوس عند هبوط الأمطار عليها، فتجلب إليها الإنسان يسوق معه إبله لتشبع منها. ولكن هذه الجنان لا تعمر، ويا للاسف، طويلاء، فيضطر أصحاب الإبل إلى الذهاب إلى أرضين أخرى، والى التنقل من مكان إلى مكان، فصارت حياته حياة تنقل وهي حياة الأعراب.

أما وقد انتهيت من الحديث إجمالاً عن صفة جزيرة العرب وعن حدودها ورسومها العامة، فلا بد لي من الإشارة إلى جزيرة "سقطرى" "سوقطره" من الجزر التي تقابل الساحل العربي الجنوبي، وهي جزيرة كانت تعادل وزنها ذهباً يوم كَان البخور والصبر يعادلان بالذهب. أما اليوم فما زال سكانها يجمعون الصبر والبخور والندّ، ولكنهم لا يجدون لحاصلهم السوق القديمة لزوال دولة المعابد والملوك الآلهة، وحلول عهد الذرة والبترول. وسكانها منذ القدم، خليط من عرب وإفريقيين وهنود ويونان. يتكلمون بلغة خاصة هي من بقايا اختلاط اللغات في هذه الجزيرة، فيها اللهجات العربية الجنوبية القديمة والمصرية والأفريقية. وهم يعيشون في كهوف ومغاور في الغالب ينالون رزقهم من الطبيعة بغير جهد. وترى في الجزيرة آثار الماضي وقد اختلط بعضه ببعض. لتداخل الحكم في هذه الجزيرة الثمينة التي هي اليوم في قبضة الإنكليز.

والآن وقد وقفت على صفة جزيرة العرب، وعرفت على سبيل الإجمال معالم وجهها، وكيف تغلبت الصحراوية، وظهر الجفاف عليها، فإن في وسعك إن تكوّن رأياً في سبب قلة نفوس جزيرة العرب في الماضي وفي الحاضر، وفي سبب عدم نشوء مجتمعات حضرية وحكومات مركزية كبيرة فيها، وفي سبب تفشي البداوة وغلبة الطبيعة الأعرابية على أهلها وبروز الروح الفردية عند اهلها، وتقاتل القبائل بعضها مع بعض. ونفرة أهلها من الزراعة والحرف واعتدادهم إياها من حرف الوضعاء والرقيق. إن بيئة تحكمت فيها الطبيعة على هذا النحو، لا يمكن إن يشاكل سكانها سكان المناطق الباردة ذات الأمطار الغزيرة والخضرة الطبيعية الدائمة،أو سكان الأرضين التي حباها الله الخصب والأنهار والماء الغزير. من هنا اختلفت حياة العرب عن حياة غيرهم من الشعوب.

وللسبب المتقدم،أي سبب تحكم الطبيعة في مصير الإنسان، انحصرت الحضارة في جزيرة العرب في الأماكن الممطورة والأماكن التي، خرجت فيها المياه الجوفية عيونا وينابيع، أو قاربت المياه فيها سطح الأرض، فأمكن حفر الآبار فيها. في هذه المواضع نبعث الحضارة وأظهر العربي فيها انه مثل عيره من البشر قارد على الإبداع حين تتهيأ له الأحوال المواتية، وتساعد الطبيعة، ومن هذه الأماكن نستقي علمنا في العادة عن الجاهليين.

وعلى الرغم من سعة مساحة الجزيرة العرب واتساعها، فإنها لن تتسع لعدد كبير من السكان لان معظم أرضها صحراوية، لا تجد الناس اليها ولا تساعد على ازدياد عدد سكانها فيها ازديادا كبيرا، غير إن ذلك لا يعني إنها لا يمكن إن تتسع لعدد اكبر من سكانها الحاليين، وان طاقاتها لا يمكنها إن تتحمل هذا العدد أو ضعفه، بل الواقع هو إن في استطاعة الجزيرة تحمل أضعفاف أضعاف هذا العدد، لو تهيأت لها حكومات حديثة رشيدة، تأخذ بأساليب العلم الحديث في استنباط مواردها الطبيعية لمصلحة أهلها وفي تحسين الصحة العامة وإيجاد موارد رزق للناس وضمان الأمن والسلامة لهم، واسكان الأعراب ، وعمل ما شاكل ذلك من امور. فان سكان الجزيرة سيزدادون حتماً، ويبلون أضعاف أضعاف ما هم علية اليوم.

ونجد بين سكان جزيرة العرب في الوقت الحاضر اختلافا في الملامح الجسمية. فأهل اعلي نجد هم اقرب في الملامح إلى قبائل الأردن وعرب بادية الشام. وأهل الحجاز والسواحل، يختلفون بصورة عامة عن أهل البواطن، أي باطن الجزيرة، في الملامح بسبب اختلاط أهل السواحل بسكان السواحل المقابلة لهم، وامتزاج دمائهم. وقد أجرى بعض الباحثين المحدثين فحوصا علمية على السكان في مواضع متعددة من الجزيرة العرب لمعرفة الملامح البارزة عليهم والأصول التي يرجعون إليها، فوجدوا إن هناك امتزاجا واضحا بين السكان يظهر بصورة خاصة في السواحل، وهو امتزاج يرجع بعضة إلى ما قبل الإسلام ويرجع بضع اخر إلى الزمن الحاضر.

ولم يكن لسان عرب الجاهلية لساناً واحداً، ولكن كان كما سنرى ألسنةً ولهجات. وقد استطعنا بفضل الكتابات الجاهلية إن نوقف على بعضها. أما في للزمن الحاضر، فإن لغة القرآن الكريم هي اللغة المتحكمة الموحدة للألسنة، وهي لغة العلم والأدب والحكومات، غير إن بعض القبائل لا تزال تحتفظ بلهجاتها القديمة، وكذلك بعض أهل القرى والأرياف البعيدة عن الحضارة، فإنها تتكلم بلهجات وألسنة متفرعة من اللهجات العربية الجاهلية، كما الحال في مواضع من اليمن وفي العربية الجنوبية. ونجد في العربية الجنوبي ة قبائل تتكلم لهجات غريبة عن عربيتنا مثل اللغة المهرية واللغة الشحرية، واللهجات المسماة بألسنة "أهل الهدرة". وهي لهجات لها صلة باللغات العربية الجنوبية الجاهلية وباللغات الأفريقية.



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق