إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

75 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع جزيرة العرب اليمامة


 75

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الرابع

جزيرة العرب

اليمامة


و أما اليمامة، فكانت تعرف ب "جو" أيضاً، وقد عدّها "ياقوت الحموي" من نجد، وقاعدتها "حجر". وكانت عامرة ذات قرى ومدن عند ظهور الإسلام، منها "منفوحة"، وبها قبر كان ينسب إلى الشاعر "الأعشى". و "سدوس" من المدن القديمة، وبها الآن آثار كثيرة، وقد عثر فيها على تمثال يبلغ قطره ثلاث أقدام، وارتفاعه 22 قدماً. و "القرية"، وعلى مقربة منها بئر، قال الهمداني -وهو يتحدث عنها-: "فإن تيامنت شربت ماءً عادياً، يسمى قرية، إلى جنبه آبار عادية وكنيسة منحوتة في الصخر، ثم ترد ثجر". والظاهر إن هذا الموضع كان من المواضع الكبيرة المعروفة. وذكر ياقوت وغيره إن اليمامة "كانت تسمى جوا والقرية". ولا يعقل تسمية اليمامة بالقرية لو لم يكن هذا الموضع شهرة.

وقد نشر "فلبي" وبعض رجال شركة النفط العربية السعودية صوراً فوتوغرافية لكتابات ونقوش عثروا عليها في موضع يقال له "قرية الفأو" على الطريق الموصلة إلى نجران ويقع على مسافة سبعين كيلومتراً من جنوب ملتقى وادي الدواسر بجبل الطويق، وعلى مسافة "120" كيلومتراً من شرقي "نجران"، وعلى ثلاثين ميلاً من جنوب غربي "السليل" في وادي الدواسر.

كما وجدوا آثار أبنية ضخمة، يظهر أنها بقايا قصور كبيرة، ووجدوا كهفاً منحوتاً في الصخر مزداناً بالكتابات والتصاوير واسعاً.، يقول له الناس هناك "سردباً" أو "سرداباً". وعند هذا الموضع عين ماء وآبار قديمة، وقد كتب اسم الصنم "ود" بحروف بارزة. وتدل كل الدلائل على إن الموضع الذي تتغلب عليه الطبيعة الصحراوية في الزمن الحاضر، كان مدينة ذات شأن.

وقد أشار الألوسي في كتابه "تاريخ نجد" إلى سدوس وآثارها فقال: "وفي قربها أبنية قديمة يظن أنها من آثار حمير وأبنية التبابعة. "نقل لي بعض الأصحاب الثقات من أهل نجد: إن من جملة هذه الأبنية شاخصاً كالمنارة، وعليها كتابات كثيرة منحوتة في الحجر ومنقوشة في جدرانها. فلما رأى أهل قرية سدوس اختلاف بعض السياحيين من الإفرنج إليها، هدموها ملاحظة التدخل معهم". وفي هذا الوصف دلالة على إن الخرائب التي ذكرها "ياقوت الحموي" بقيت، وأن المنبر الذي أشار إليه، قد يكون هذا الشاخص الذي شبه بالمنارة والذي أزيل على نحو ما ذكره الألوسي.

والكتابات التي عثر عليها في "قرية الفأو" ذات أهمية كبيرة، لأنها أول كتابة باللهجات العربية الجنوبية عثر عليها في هذه المواضع، وتعود إلى ما قبل الميلاد. وعثر فيها على مقابر، وعلى أدوات وقطع فخارية ظهر من فحصها أنها تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد. ويرى من فحص هذه الآثار أنها تعود إلى السبئيين . والظاهر إن هذا الموضع هو بقايا مدينة قديمة كانت تتحكم في الطريق التجارية التي تخترقها القوافل إلى تقصد الخليج الفارسي والعراق من اليمن عن طريق نجران. وفي هذه المنطقة بصورة عامة بقايا مدن تخربت قبل الإسلام. ورأى "برترام توماس" "Bertram" إن آبار "العويفرة" القريبة من القرية هي موضع "أوفير" "Ophir" الوارد ذكره في التوراة والذي اشتهر بالذهب، والطواويس، وان الاسم العربي القديم هو "عفر" "Ofar"، وقد تحرف بالنقل إلى العبرانية واليونانية، فصار "Ophir". وهذا الموضع قريب من مناجم الذهب. وبالجملة إن هذه الأرضين ويبرين ووبار وغيرها، هي من المناطق التي تستحق الالتفات إليها وتجريد البعثات العليمية للتنقيب فيها ودراسة أحوالها والتطورات التي طرأت عليها.

ويظهر إن هنالك جملة عوامل أثرت في اليمامة وفي أواسط جزيرة العرب، فحولت أراضيها إلى مناطق صحراوية، على حين أننا نجد في الكتب أنها كانت غزيرة المياه، ذات عيون وآبار ومزارع ومراع.

ومن أودية اليمامة "العرض" "العارض" الذي يخترق اليمامة من أعلاها إلى أسفلها. ولما كان من الأودية الخصبة، كثرت فيها القرى والزروع. وهو واد طويل، لعله من بقايا مجرى ماء قديم، و "الفقي"، في طرف عارض اليمامة، تحيط به قرى عامرة،تسمى "الوشم". و "وادي حنيفة" و "عرض شمام". وفي اليمامة مرتفعات مثل "جبل شهوان"، تخرج منه العيون ومياه، و "عارض اليمامة"، ويبلغ طوله مسيرة أيام، وتكون عند سفوحه الآبار.

و تعد "الافلاج" من المناطق التي تكثر فيها المياه، و تصب فيها أودية العارض، و فيها السيوح الجارية و الجداول التي تمدها العيون. و قد ذكر "الهمداني" من سيوحة "الرقادى" و "الأطلس" و "نهر محلّم". قال: و يقال انه في أرض العرب بمنزل ة نهر بلخ في أرض العجم. وطبيعي إن يكثر فيها وجود الخرائب العادية التي إلى ما قبل الإسلام. وقد وصف الهمداني بعض التحصينات القوية، فقال عنها أنها من عاديات طسم و جديس، مثل "حصن مرغم و "القصر العادي" بالأثل. و يرجع "فلبي" الخراب الذي حل باليمامة إلى العوامل الطبيعية، و منها فيضان وادي حنيفة.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق