575
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ السَّابعُ والثلاثون
مملكة الحيرة
وذكر "المسعودي" إن كنية "جذيمة" التي عرف بها هي "أبو مالك"، وروى في ذلك شعراً، زعم ان قائله هو سويد بن كاهل اليشكري: إن أذق حتفي، فقبلي ذاقـه طسم وعاد وجديس ذو السبع
وأبو مالـك الـقَـيْل الـذي قتلته بنت عمرو بالـخـدع
وذكر الأخباريون إن جذيمة غزا طسماً وجديساً،غزاهم في منازلهم من "جوّ" وما حولهم. فأصاب "حسان بن تبع أسعد أبي كرب"، وقد اغار على طسم وجديس باليمامة، فانكفأ جذيمة راجعاٌ بمن معه، وأتت خيول تبع على سرية لجذيمة، فاجتاحتها وبلغ جذيمة خبرهم، فقال في ذلك شعراً دوّن منه الطبري احد عشر بيتاً. وقد أراد ابن "الكلبي" إن يكون حذراً في هذه المرة، أو إن يظهر نفسه في مظهر الحذر الناقد، فقال: "ثلاثة ابيات منها حق، والبقية باطل". وجميل صدور هذا الحذر من الطبري، أو من ابن الكلبي، وقد عوّدانا سرد ابيات من الشعر العربي، نسباها إلى من هو اقدم عهداً من جذيمة ولم يذكرا انه باطل، أو إن فيه حقاً وباطلا.
وفي جملة ما تحدث به الأخباريون عن جذيمة انه تكهن وتنبأ، وانه اتخذ صنمين يقال لهما الضيزنان، وضعهما بالحيرة في مكان معروف، وكان يستسقي بهما ويستنصر بهما. فلم يقنع الأخباريون بالحديث عن ملك جذيمة وحده، فأضافوا اليه التنبؤ والكهانة وعبادة الأصنام.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "جذيمة بن مالك بن فهم" وهو جذيمة الأبرش كان ينزل الأنبار ويأتي الحيرة ثم يرجع. وكان لا ينادم احداً ذهاباً بنفسه، و ينادم الفرقدين. فإذا شرب قدحاً، صب لهذا قدحاً ولهذا قدحاً، وهو أول من عمل المنجنيق، وأول من حذيت له النعال، وأول من رفع له الشمع. بقي على ذلك حتى نادمه مالك وعقيل، إلى غير ذلك من أقوال وروايات عنه. وهي تدل على انه كان قد ترك أثراً في المجتمع في ايامه غير أثر الملك، مما حدا بالقوم أن يضعوا هذه الأقوال فيه.
واشتهر "جذيمة" عند أهل الأخبار بفرس له، ذكر انها كانت من سوابق خيل العرب، اسمها "العصا". وفيها ورد في المثل: "إن العصا من العصية". وقد نجا "قصير بن سعد اللخمي" على فرسه هذه، فأخذ بثأره وقتل "الزباء" على زعم أهل الأخبار.
وهم يروون أن جذيمة كان يغازي إياداً النازلين ب "عين أباغ"، فذكر له اسم غلام من لخم في أخواله من إياد، هو عديّ بن نصر، له جمال وظرف، فغزاهم. فبعثت إياد قوماً سقوا سدنة الصنمين الخمر، وسرقوا الصنمين،فأصبحا في إياد. فبعثت إليه تفاوضه على ارجاع الصنمين إليه على أن يكف عن غزوهم، ولكنه اشترط عليهم اعطاءه عدي بن نصر مع الصنمين، فوافقوا على ذلك. فانصرف عنهم وضم عدياً إليه، وولاه شرابه. ويدعون انه تزوج اخته "رقاش" التي أحبته فيما بعد، في قصه يروونها، ومن هذا الزواج المزعوم كان "عمرو ابن عدي" ابن أخت جذيمة الذي خلف خاله على الملك.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق