إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

548 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والثلاثون مملكة تدمر


548

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
        
الفصل الخامس والثلاثون

مملكة تدمر

ولما رأت الزباء إن ما كانت تأمله من مساعدة الفرس والقبائل والأرمن لم يتحقق، وان ما كانت ترجوه من مساعدة الحظ لها بإطالة أمد الدفاع لاكراه عدوها على فك الحصار والرجوع لم يتحقق نحلك، وان وضع القيصر قد تحسن بوصول مدد عظيم إليه من الشام وبوصول مواد غذائية اليه كافية لاطالة مدة الحصار، قررت ترك عاصمتها للاقدار، والتسلل منها ليلاّ للوصول بنفسها إلى الفرس علهم يرسلون لها نجدة تغيّر الموقف وتبدل الحال، ودبرت أمر خطتها بكل تكتم وهربت من مدينتها من غير إن يشعر بخروجها الرومان، وامتطت ناقة اتجهت نحو الفرات، ولعلها كانت تقصد الوصول إلى حصنها " زنوبية" ومنه إلى الفرس. على كل حال، فقد حالفها الحظ في أول الأمر، فأوصلها سالمة إلى شاطئ النهر، عند " الدير" "دير الزور" قريب من "زليبية" Halebiya" ثم خانها خيانة فظيعة. فلما علم "أورليانوس" بنبأ هرب الملكة، أيقن إن أتعابه ستذهب كلها سدى إن لم يتمكن من القبض عليها حية. لهذا أوعز إلى خيرة فرسانه وأسرع رجاله باقتفاء أثر الملكة والقبض عليها مهما كلفهم الأمر. وقال الحظ كلمته. انه سيكون في جانب القوي ما دام الناس في جانبه. نقل فرسان القيصر إلى موضع وجود الملكة على الشاطىء، في اللحظة الدقيقة الفاصلة الحاسمة بين الموت والهلاك والدمار وبين العز والسلطان واسترجاع ما ذهب من ملك. كانت الملكة تهم بوضع نفسها في زورق لينقلها إلى الشاطئ الثاني من نهر الفرات. ولو عبرت لتغير اذن كل شيء. واذا بالفرسان ينقضون عليها ويأخذون "ملكة الشرق" معهم مسرعين الى معيد الشرق للرومان: " Recepto Orientis"، وهو على رأس جنوده يحاصر هذه المدينة العنيدة التي أبت الخضوع لحكمه والتسليم له.

من الباحثين من يرى إن الملكة هربت من نفق سري يصل معبد المدينة بالخارج يمر من تحت السور له باب سري خارج الأسوار أعدّ لمثل هذه المناسبات، أو من أنفاق أخرى، اذ يصعب تصور خروج الملكة ليلا من مدينتها ولو بحفر نفق في السور دون أن يشعر بذلك الرومْان. ويستشهدون على صحة رأيهم هذا بالسراديب والقنوات التي ترى بقاياها تحت أسوار تدمر وقلاعها إلى اليوم. أحضرت الزباّء أمام القيصر، فقال لها: "صرت في قبضتنا يا زينب، ألست أنت التي أدت بك الجسارة إلى أن تستصغري شأن قيصر روماني ". فأجابت: "نعم، إني أقر لك الان بكونك قيصراً، وقد تغلبت علي". وأما غاليانوس وأورليوس وغيرهما، فلست أنظمهم في سلك القياصرة. وإنما بارني فيكتورية في السلطنة والعز، فلولا بعد الأوطان لعرضت عليها أن تشاركني في الملك". فأثرت كلمات الملكة في نفس "اوريليانوس"، فمنحها الأمان. وقد أثر أسرها في نفوس التدمريين المتحصنين في بلدتهم، فرأى قسم منهم الاستمرار في الدفاع وعدم تسليم المدينة مهما كلف الأمر، ورأى قسم آخر فتح الأبواب والتسليم، وصاحوا من أعلى الأسوار في طلب الأمان، وفتحوا له أبواب المدينة في بدء السنة "273" للميلاد. فدخلها دخول الظافرين، فقبض على حاشية الملكة السابقة ومستشاريها ومن كان يحرض على معارضة الرومان، واستصفى أموال الملكة وجميع كنوزها، وأخذ الزباء ومن قبض عليهم معه وتوجه بهم إلى "حمص".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق