537
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والثلاثون
مملكة تدمر
وقد بلغتنا روايات تفيد إن الملكة ادعت انها من مصر، من سلالات الملوك وانها من صلب الملكة الشهيرة "قلبطرة" "كليوبطرة" Celopatra"" "، وانها كانت نفسها تتكلم المصرية بطلاقة، وانها ألفت كتاباً كتبته بخط يدها اختصرت فيه ما قرأته من تواريخ الأمم الشرقية ولا سيما تأريخ مصر، وانها استقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها، مثل الفيلسوف الشهير " كاسيوس ديونيسيوس لونجينوس" Cassius Longinus" "" 0 2 2 - 273 م" بعد الميلاد. وكان فيلسوفاً على مذهب الأفلاطونية الحديثة ومن أصدقاء الفيلسوف " فرفوريس" Phorphyrios" "، استقدمته الملكة إلى عاصمتها واستضافته عندها وجعلته مستشاراً لها، فأخلص لها في مشورته،فكان ذلك سبباَ في قتله. فقتله القيصر " أوريليانوس" Aurelianus" "، لاتهامه انه كان يحرض الملكة على الرومان.
ومثل الكاتب المؤرخ " كليكراتس الصوري"، و "لوبوكوس" البيروتي اللغوي الفيلسوف، و "بوسانياس" الدمشقي المؤرخ، "ونيوكوماخس" "Nicomachus " من زمرة الكتّاب المؤرخين، المتضلعين بالإغريقية،ومن الفلاسفة، وقد تولى الكتابة باللغة الإغريقية، وصار من مستشاريها كذلك. ولذلك أمر به القيصر "أورليانوس" فقتل بعد محاكمته بمدينة حمص، في الوقت الذي حوكمت فيه الملكة والفيلسوف "لونجينوس"، الذي قطع رأسه بعد إن مثلّ به. وفي حشد هذا النوع من الرجال دلالة على ميول الملكة الفلسفية الأدبية وثقافتها العالية ولا شك.
وملكة شأنها هذا، لا بد إن تكون حرة الفكر، متساهلة مع اصحاب العقائد والاراء. وهذا ما كان. ففي مدينة "تدمر" الوثنية عاشت جالية كبيرة من اليهود يمتعت بممارسة شعائرها الدينية يكل حرية، ونالت حقوق المواطنة التي كان يتمتع بها التدمريون، جاءت إلى المدينة مهاجرة من فلسطين خاصة،بعد خراب القدس على ايدي القيصر " طيطوس" "تيتوس" "Titus" في سنة "70" بعد الميلادْ. فاشتغلت فيها بالتجارة، فحصلت على ارباح طائلة جداً، وصار لها في المدينة اسم وشأن حتى إن مجلس المدينة والشعب اقام تمثالاً في سنة "569" السلوقية المقابلة لسنة " 257" الميلادية ليهودي يدعى " يوليوس أورليوس شلميط" "Julius Aurelius Schalmath" "قائد القافلة، لأنه ترأس القافلة، وأنفق عليها من ماله.
وقد بالغ المؤرخين في عدد اليهود الذين كانوا في "تدمر" ايام حكم الزباء فزعم انه بلغ نصف عدد سكان المدينة، وهو زعم يحتاج إلى اثبات. وزعم القديس "أثناسيوس" "St.Athanasius" إن ملكة تدمر كانت تدين باليهودية ولكنها مع تهودها لم تهب أبناء دينها الكنائس لتكون لهم مجامع ومحافل. وذهب إلى هذا الرأي المؤرخ "فوتيوس" "Photius"". وذكر "فيلاستريوس" Philastrius"" إن الذي هوّ د الملكة هو "بولس السميساطي" "paulus Samosatius" وهو أسقف كان مقرباً إلى الزباء، وله منزلة عاليه لديها. ونسبت إليه آراء في المسيح وفي بعض الأمور الدينية الأخرى دعت إلى محاكمته في مجمع "انطاكية" الذي انعقد في سنة "264" للميلاد، فوجد المجمع إن تعاليمه تشبه تعاليم "اًرتاماس" "أرتامون" الذي حكم عليه قبلا، فحرموا آراءه كذلك، ثم حكم عليه في "انطاكية" سنة "269" بعزله عن الأسقفية، ولم تتدخل "الزباء" في القّرارات التي اتخذها رجال الكنيسة تجاه بولس، كما انها لم تنفذ قراراتهم بحقه، بل أبقته في مركزه وتركته على ما كان عليه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق