إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 5 نوفمبر 2015

45 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه


 45

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الثالث

إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه

بل ما لمنا وللجاهلية، ولنراجع تأريخ الإسلام نفسه، خذ تاريخ آباء الرسول وطفولة الرسول إلى يوم مبعثه، بل هي بعد مبعثه، ثم خذ سير الصحابة وما وقع في صدر الإسلام من أحداث، ترَ إن ما ورد من سيرة آباء الرسول وسيرة الرسول إلى الهجرة، مقتضبا بعض الاقتضاب، وأن ما ذكر هو من الأمور التي نحفظها الذاكرة عادة، وما فيما عدا ذلك مما وقع للرسول، فغير موجود، وترى اقتضاباً مخلاً في سيرة الصحابة،واضطراباً في تواريخ الحوادث، واختلافا بين الصحابة في ذلك. أما سبب ذلك فهو عدم تعود الناس إذ ذاك تسجيل أخبار الحوادث وما يقع لهم، وعدم وجود مسجلين مع السرايا والغزوات والفتوح يكون واجبهم تسجيل أخبارها وتدوين وقائعها، حتى ما سجل من أمر ديوان الجند والأنساب وأمثال ذلك، لم يكن في نسخ عديدة، فضاع أكثره، ولم يصل إلى الأخبارين لذلك يوم شرعوا في التدوين. وإذا كان هذا حال أخبار الإسلام، وهي أمور على جانب خطير من الأهمية بالقياس إلى المسلمين، فهل يعقل بقاء أخبار الجاهلية كاملة إلى زمن شروع الناس في التدوين في الإسلام، وقد ضاعت قبل الإسلام بزمان ? لقد قلت فيما سلف إن الهمداني وغيره ممن عنوا بأخبار اليمن، لم يعرفوا من تاريخ اليمن القديم إلا القليل، ولم يعرفوا من أخبار دول اليمن القديمة شيئاً، ولم يحفظوا من أسماء ملوكها إلا بعض الأسماء، وقد حرف حتى هذا البعض، أما معارفهم من معبودات أهل اليمن القديمة، فصفر، فلسنا نجد في كتبهم إشارة ما إلى عبادة "عشتر" ولا إلى عبادة "أنبى" و "ذات صنّم" و "نكرح" و "سين" و "حوكم" "حكم" و "هوبس" ولا إلى بقبة المعبودات. نعم، أشار "الهمداني" إلى اسم إله من آلهة "همدان" هو "تالب"، وكانت محبته في "ريم" "ريام"، يقصدها الناس في ذلك الزمن للزيارة والتبرك، ولكنه لم يعرف أنه كان إلهاً، بل ظن أنه ملك من ملوك همدان، فدعاه باسم "تالب"، وزعم أنه ابن "شهران". وجعل "المقه"، وهو إلَه سبأ العظيم، المقدم عندهم على جميع الأصنام، اسم بناء من أبنية جن سليمان. وقد بُني على ما زعمه بأمر سليمان. وتحدث عن "رئام" فقال: "أما رئام، فإنه بيت كان متنسك، تنسك عنده ويحج إليه. وهو في راس جبل أقوى من بلد همدان"، ونسبه إلى "رئام بن نهفان بن تبع بن زيد بن عمرو بن همدان". وقد ذكره "ابن اسحاق" و "ابن الكلبي" و "السهيلي" و "ياقوت الحموي" وغيرهم أيضاً وفي كل الذي ذكروه دلالة على إن ما رووه لم يكن عن مصدر مدوّن، وإنما هو رويّ عن أفواه الرجال. وأن تلك الأفواه قد نسيت كثيراً من الأصل، فحاولت سد الثُغر بالقصص المذكور.

بل خذ ما ذكره رجال هم أقسم من "ابن الكلي" ومن "الهمدانِي" في الزمان، وألصق منهما عهداً بالجاهلية مثل "ابن عباس" و "عُبّيدْ بن شَرْيةَ" وغيرهما، ترََ إن ما ذكراه عنها لا يدل على أنهما أخذا أخبارهما من مورد مكتوب ومن كتب كانت موجودة، ولا أعتقد إن "معاوية بن أبي سفيان"، وهو نفسه، من أدرك الجاهلية، كانت به حاجة إلى "عبيد" وأمثال "عبيد" من قوّال الأساطير، وإلى الاستماع إلى أخبارهم، لو كان عنده شخص مدوّن عن أمر الجاهلية، ثم إنه لو كانت عند "ابن عباس" و "عبيد" وطلاب الشعر الجاهلي والأخبار مدوّنات، لما لجأوا إلى الذاكرة والى الرواة والأعراب يلتمسون منهم الأخبار والأشعار وأمور القبائل!  

إن جهل أهل الأخبار بأصنام أهل اليمن القديمة التي ترد أسماؤها في كتابات المسند، وذكرهم أسماء أصنام جديدة زعموا أنها كانت معبودة، عند أهل اليمن لم يرد لها ذكر في كتابات المسند، أشار "ابن الكلبي" وغيره إلى بعضها، و إشاراتهم إلى دخول اليهودية والنصرانية إلى اليمن، والى تهود "تبعّ" وهو في "يثرب" في طريقه إلى اليمن، وأخذه حبرين من أحبار يهود معه، وأمره بتهدم معبد "رئام"، بناء على إشارة الحبرين، ثم ظهور جمل و ألفاظ في كتابات المسند تدل على التوحيد وعلى وقوع تغير وتطور في ديانات أهل اليمن، مثل عبادة "الرحمن" وعبادة "ذو سموي"، أي "ذو السماء" أو "صاحب السماء": إن كل هذه الأمور وأمثالها، هي دلائل على حدوث تغير وتطور في عقليات أهل اليمن، أثرت في معتقداتهم فجعلتهم ينسون آلهتهم القديمة،بل يتنكرون لها، ويبتعدون بذلك عن ثقافتهم الوثنية القديمة، ومثل هذا التطور والتغير لا بد إن يؤدي طبعاً إلى نسيان الماضي والى الالتهاء عنه بالتطور الجديد. وقد وقع هذا قبل الإسلام بزمان.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق