38
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني
الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي
وأفادت "القصيدة الحمرية"، لصاحبها "نشوان بن سعيد الحميري" فائدة لا بأس بها في تدوين تأريخ اليمن. وهذا المؤلف معجم شاه "شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم"، ضمنه ألفاظاً خاصة بعرب الجنوب. ولنطبق ما قلته في الهمداني على نشوان أيضاً. فإذا قرأت كتبه، تشعر أنه لم يكن يفهم النصوص الحميرية ولا غيرها، وإن كان بحسن قراءة المسند. وما ذكره في كتابه "شمس العلوم" - وإنْ دل - على حرص على جمع المعلومات، وعلى تتبع يحمد عليه للبحث عن تأريخ اليمن ولغاتها القديمة - يدلّ على أنه لم يكن يفهم نصوص المسند، وليس له علم بتاًريخها وبتواريخ أصحابها، وأنه لا يمتاز بشيء عن الهمداني أو سائر علماء اليمن الذين كانوا يدعون العلم بأخبار الماضيين، وأكر الذي ذكوه في كتابه على أنه من اللهجات الحميرية والعربية الجنوبية هو من مفردات معجمات اللغة، ومن لهجات العربية الفصحى خلا ذلك الذي كان يستعمله أهل اليمن، وهو قليل إذا قيس إلى سواه، وقد فسر معانيه على نحو ما كان يقصده الناس في أيامه. ومع هذا، فهذا النوع من الكلمات هو الذي نطمع فيه، لأنه من بقايا اللهجات البائدة، ويفيدنا فائدة عظيمة في فهم معاني النصوص وفي قراءتها وشرحها وتفسرها، ولعله لم يكثر منا، لأنها كانت من كلام العوام فأشفق على نفسه من البحث في لغة العوام.
ولم يزد "نشوان" في شروحه لأسماء الأعيان والأجذام والقبائل والعمائر والأمكنة على ما أورده الهمداني أو سائر. علماء التاًريخ وأهل الأنساب، فعدّ أسماء القبائل مثل همدان، أسماء أشخاص لهم انساب واولاد وأقرباء، واخطأ في الأغلاط نفسها التي وقع فيها الهمداني "فذكر جملاً مسجوعة على إنها من وصايا التبابعة، وعبارات متكلفة على انها قراءات لنصوص حميرية مكتوبة بالمسند.
ومحمد بن نشوان بن سعيد الحميري نفسه هو ممن اعتمد على علم الهمداني، كما نص على ذلك في فاتحة الجزء الأول من الإكليل. فهذا الجزء الذي طبع حديثاً هو برواية محمد بن نشوان، رواه لمن سأله أن يوضح شيئاً من أنساب حمير وأخبارها وما حفظ من سيرها وآثارها، فما كان منه إلا أن أخذ الإكليل فكتب له، لم يغير فيه سوى ما قاله: "غير أني اختصرت شيئاً ذكره في النسب، ليس هو من جملته بمحتسب. بل هو مما ذكره من الاختلاف في التأريخ و نحوه، من غير أن أنسب الكدر إلى صفوه". وفي مقدمته لهذا الجزء ثناءٌ عاطرٌ على الهمداني، وتقدير كبير لعمه في أخبار اليمن.
هذا هو كل ما أريد أن أقوله هنا عن مصادر التاريخ الجاهلي، وهو قليل من كثير، ولكن التوسع في هذا الموضوع يخرجنا حتماً عن حدود بحثنا المرسوم، ويخرجنا إلى التحدث في شيء آخر لا علاقة له بالجاهلية، و إنما يعود إلى البحث في التأريخ، وفي نقده ودروبه عند المؤرخين. على أني أراني قد توسعت مع ذلك في هذا الباب، وذلك للحاجة التي رأيتها في ضرورة توضيح بعض الأمور الخاصة بتلك الموارد
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق