إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

33 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي


33

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الثاني

الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي

ويظهر من إشارات "الهمداني" اليه، انه قصد بهذا السجل "السجل القديم"، و أما السجلات الأخرى، فقد كانت من وضع علماء آخرين من علماء النسب كانوا بمدينة صعدة، وقد جمعوا أنساب خولان وحمير وقبائل أخرى، و أضافوها على شكل مشجرات نسب إلى ذلك الديوان فصار مجموعة سجلات. واهذا كان ينبّه "الهمداني" إلى الموارد يستقي منها من غير ذلك السجل، كالذي ذكره من "انساب بني الهميسع بن حمير"، إذ قال: "إلا ما أخذته عن رجال حمير وكهلان من سجل خولان القدم بصعدة وعن علماء صنعاء وصعدة وتجران والجوف وخيوان وما أخرني به الآباء والأسلاف".

وأما ما يذكره "الهمداني" من أن أصل السجل القديم وأساسه جاهلي، فأمر لا أريد أن أبتّ فيه الآن. لا أريد أن أنفيه، ولا أريد أن أثبته أيضا. بل أقف منه موقف المحايد الحذر، لأني لا أجد في المنقول منه في كتاب "الإكليل" ما يشير إلى جاهلية وأصل جاهلي، فالمشجرات المذكورة هي من هذا النوع المألوف الذي نراه في كتب الأنساب المؤلفة في الإسلام، وبعضه متأثر بروايات التوراة، ولهذا فأنا لا أستطيع أن أرجع إلى ما قبل الإسلام، ولا أستطيع أن أتبحر فيه وفي أصله ما دمت لا أملك "السجل" نفسه، لا القديم منه ولا الجديد، أو نصوصاً طويلة أْخذت منه، حتى يسهل عليّ الحكم من قراءتي لما ورد ومن دراسته على أصل ذلك الكتاب وصحة نسبته إلى الجاهلية.

وأما "الخنفري"، صاحب السجل، فهو: "محمد بن أبان بن ميمون ابن حريز الخنفري". ولد في ولاية معاوية بن أبي سفبان في سنة خمسين، وتوفي في سنة خمس وتسعين ومائة، ودفن في رأس "حدبة صعدة". هذا ما رواه "الهمداني" عنه. وذكر "الهمداني" انه عاش "125" سنة، ولو أخذنا بهذا الرقم الذي ذكره "الهمداني"، فيجب أن تكون سنة وفاته "175"، لا "195" للهجرة. ولذلك، فيجب أن يكون في تأريخ المولد أو الوفاة وربما في مدة عمر "الخنفري" خطأ. واني أشلك في طول ما ذكره عن عمره.

وكان لغير أهل صعدة كتب في الأنساب أيضاً، دوّنوا فيها أنسابهم، كما كان هنالك نسابون حفظوا أنساب قبائلهم أشار "الهمداني" إليهم في مواضع من كتابه. وهم من غير أصحاب السحل. وكان بعض منهم قد قابل بين ما دوّنه عن القبائل وبن ما دوّن في السجل عنها، كما كان أهل السجل يعرضون ما دوّنوه عن القبائل على نسّابيها لبيان رأيهم فيها. قال الهمداني "بطون الصدف، عن الصعدين من أصحاب السجل،مقروء على بعض نسابة الصدف".

وتجد في الجزء الثامن من الإكليل مواضع ذكر فيها الهمداني "أبا نصر" أيضاً. وقد راجعتها وراجعت الأماكن التي أشير فيها إليه في الجزء الأول، فتبين لي أن علم "أبي نصر" بتأريخ اليمن القديم هو على هذا الوجه: إحاطة بأنساب القبائل اليمانية على النحو الني كان شائعاً ومتعارفاً في أيامه ومسجلاَ في سجلات الأنساب في تلك الأيام، ورواية للأساطير التي راجت عن التبايعة، وأخذ من موارد توراتية ظهرت في اليمن من وجود اليهود فيها قبل الإسلام. أما علمه بالمساند ومدى وقوفه عليها، فأنا أعتقد أن علمه بها لا يختلف عن علم غيره من أهل اليمن: وقوف على الحروف، وتمكن من قراءة اتكلمات، واحاطة عامة بالمسند. أما فهم النصوص واستنباط معانيها بوجه صحيح دقيق، فأرى أنه لم يكن ذا قدرة في ذلك، وهو عندي في هذا الباب مثل غيره من قراء الخط الحم!ري. ودليلي على ذلك أن القراءات المنسوبة إليهم هي قراءات لا يمكن أن تكون قراءات لنصوص جاهلية، وإن تضمنت بعض أسماء يمانية قديمة، لسبب بسيط،هو أن أساليبها ومعانيها ونسقها لا تتفق أبداً مع الأساليب والمعاني المألوفة في الكتابات الجاهلية،فقراءات أبي نصر وأمثاله قراءات بعيدة جداً عن النصوص المعهودة، هي قراءات إسلامية فيها زهد وتصوف وتوحيد وحضٌّ على الابتعاد عن الدنيا. أما نصوص المسند التي عثر عليها حتى الآن، فإنها نصوص وثنية لا تعرف هذه المعاني، وأسلوبها في الكتابة لا يتفق مع ذلك الأسلوب. وهي في أمور أخرى شخصية أو حكومية لا جميلة لها يمثل هذه الآراء والمعتقدات.

وقد أورد "الهمداني" نصاً قال إن قراءة من قراءة "أبي نصر" فيه نسب "عابر". هذا نصه: "قال أبو نصر: الناس يغلطون في عابر، وهو هود بن أيمن بن حلجم يب بضم بن عوضين بن شدّاد بن عاد بن عوص بن إرم بن عوص بن عابر بن شالخ. وذكر أنه وجد هذا النسب في بعض مساند حمير في صفاح الحجارة". وقارئ هذا النص الذي هو مزيج من رواية توراتية ومن إضافة غربية، يخرج من قراءته، برأي واحد هو أن "أبا خصر"، كان لا يتوقف عن نسبة أمور من عنده إلى المساند، فيحملها ما لا يعقل إن تحمله أبدا. فلو كان النص حميرياً صحيحاَ مأخوذاً من التوراة، لكان النسب على نحو ما ورد في التوراة، ولو كان صاحبه وثنياً لا يدين بدين سماوي، فإنه لا يعقل أن يخلط فيه هذا الخلط.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق