165
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السَّادس عَشِر
العرب والعبرانيون
ومن الباحثين من يرى إن "أوفير" هي "عسير"، ورأى آخرون إنها ارض "مدين" وقد رجح أكثرهم كونها على سواحل جزيرة العرب الغربية او الجنوبية، لأن الأماكن هي اقرب إلى الوصف الوارد في التوراة من الأماكن الأخرى.
وقد ذكر الهمداني في "معادن اليمامة" موضعاً سماه "الحفير"، قال:" ومعدن الحفير بناحية عماية ، وهو معدن ذهب غزير". وصلة وجود الذهب فيه بغزارة، تنطبق على هذا الموضع أحسن انطباق، الا إن هذا الموضع بعيد عن البحر، ولكن من يدري? فلعل كتّاب التوراة لم يكونوا يعرفون مكان "أوفير"، وإنما سمعوا بذهبه، الذي يتاجر به العرب الجنوبيون، من الموانئ الساحلية، فأرسل سليمان سفنه إلى مواضع بيعه في سواحل جزيرة العرب لشرائه ومن هنا ظن كتّاب "العهد القديم" إن "أوفير" على ساحل البحر. و "الحفير" كما ترى اسم قريب جداً من "أوفير".
وقد ضرب المثل بكثرة تبر "آوفير"، وبحسن سبائك ذهبها، فورد في سفر "أيوب" على لسان "اليفاز التيماني" مخاطباً "أيوب"، داعياً إياه إلى توجيه وجهه للّه:" فانك إن تبت إلى القدير، يعاد عمرانك وتنقي الإثم عن أخبيك، فتجعل التبر مكان التراب وسبائك أوفر مكان حصى الأودية" وأنشأ سليمان خطاً برياً آخر ينتهي بأرض اشتهرت بالذهب كذلك، سميت في التوراة "ترشيش". وقد استعان سليمان بمدربين وملاحين من "صور"، أمده بهم "حيرام" ملك "صور". وكان الأسطول مختلطاً إسرائيلياً وحيرامياً، يذهب مرة في كل ثلاث سنوات. وأما البضاعة التي يعود بها من "ترشيش" فهي ذهب وفضة وعاج وقردة وطواويس. ولم يتفق العلماء حتى الآن على تعيين موضع "ترشيش"، فرأى بعضهم إنه مكان في إفريقية، ورأى بعض آخر إنه في مكان ما من سواحل آسية الجنوبية، ورأى آخرون إنه في أسبانية. وكانت سفن صور تتاجر مع ترشيش وتربح من هذه التجارة ربحاً فاحشاً، كما جاء ذلك في التوراة.
وعلى أثر وفاة "سليمان" في حوالي سنة "937 ق. م." انشطرت حكومته شطرين: إسرائيل "Israel" و "يهوذا" "Judah". وقد أثر هذا الانقسام على أعمال العبرانيين التجارية الحرية، لذلك لا نسمع لها ذكراً في التوراة إلى أيام "يهوشافاط" "Jehoshaphat" ابن الملك "آسا" "Asa"، الذي حكم فيما بين "876" و "851" ق. م. تقريباً فتحدثنا التوراة إنه اتفق مع "أخزيا".ملك "إسرائيل" على بناء أسطول جديد في "عصيون جابر" ليسير إلى "ترشيش"، غير أن مأربهما لم يتحقق، إذ. تكسرت السفن، ولم تستطع السير إلى "ترشيش". ويظهر إنه أراد إحياء، فكرة "سليمان" القديمة في الاتصال بالبحر الأحمر والمحيط الهندي وبإفريقية وبسواحل جزيرة العرب الجنوبية وبسواحل آسية، إلا إنه لم ينجح. والظاهر أن العبرانيين لم يكونوا قد أتقنوا بناء السفن والسير بها في البحار، فأخفقوا، وأن نجاح "سليمان" في الوصول إلى "أوفير" و "ترشيش." مردّه إلى خبرة ومهارة البحارة الصوريين الفينقيين.
ويظهر من سفر "الملوك الأول" إن "يهوشافاط" قام بنفسه منفرداً ببناء السفن لإرسالها إلى "ترشيش"، غير إنها تكسرت في "عصيون جابر" فعرض "أخزيا بن آخاب" ملك إسرائيل عليه أن يبنيا أسطولاَ مشتركاً، يشترك فيه ملاحون من إسرائيل وملاحون من يهوذا، إلا إنه رفض ذلك. ولم نعد نسمع بمحاولات أخرى للعبرانيين ترمي إلى إعادة فكرة "سليمان" في بناء سفن بحرية للاتجار بها مع البلاد الواقعة على البحر بمسافات بعيدة عن إسرائيل.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق