160
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس عشر
صلة العرب بالكلدانيين و الفرس
ويرى بعض الباحثين احتمال كون الملك التي حكم "غزة" في هذا العهد، ملك من ملوك اللحيانيين.
واهتم "دارا" بأمر التجارة البحرية، فاًمر "Skylax" من اليونانيين بالذهاب إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي لكشف تلك المناطق وتكوين صلات تجارية معها، فوصل هذا المكتشف اليوناني - على رواية هيرودوتس - إلى الهند. وهو بذلك أول يوناني يبلغنا خبره حتى الآن، يدخل البحر الأحمر، ويطوف حول جزيرة العرب للوصول إلى الهند. ويفخر "دارا" في كتابته التي أشار فيها إلى مشروع القناة، بأنه استطاع أن يسير السفن عبرها من مصر إلى أرض فارس. وقد كانت هذه الخطوة من أعظم الخطوات في تأريخ العالم،ولاشك.
وقد أثرت تأثرا خطيراً في التجارة العربية في البحار، إذ فتحت البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي لمنافسين أقوياء، صار بإمكانهم شراء تجارة أفريقية والهند وسواحل جزيرة العرب بأسعار رخيصة، لبيعها في الأماكن التي تريدها والتي كانت تشتريها بأثمان عالية، وبذلك أخذت من التجار العرب جزءاً كيراً من أرباحهم، وألحقت بتجارتهم مع البحر المتوسط ضرراً لا يستهان به.
ولما تحدث "دارا" عن الأرضين التي خضعت لحكمه، أدخل "عرباية" "أرباية" "Arabaya" في جملة تلك البلاد. وقد دعاها ب "ماتو أريبي" "Matu A-ra-bi" في النص البابلي. ولم يقصد "دارا" ب "عرباية" كل البلاد العربية، أي جزيرة العرب وبادية الشام، وإنما أراد بها بادية الشام، كما تحدثت ذلك في شرح المراد من "ماتو أريري" في الكتابات المسمارية. وقد كانت هذه البادية مثل جزيرة العرب موطناً للأعراب منذ وجد العرب.
وقد ذكر "هيرودوتس" إن بلاد العرب كانت تقدم جزية سنوية من الطيب إلى "دارا"، إلا إنه لم يحدد مكان البلاد العربية، ولم يشر إلى العرب الذين دفعوا هذه الجزية. ولما كانت هذه الجزية طيباً، فأنها تحطنا على التفكير في أن الغرب الذين دفعوها كانوا من رجال القوافل المتاجرة التي تأتي، بتجارة العربية الجنوبية ليبيعها في بلاد الشام ومصر، وكان الطيب والبخور من أهم المواد الرائجة في أسواق تلك البلاد. وهذه الجزية لم تكن بالمعنى السياسي المفهوم الذي يدل على خضوع العرب للفرس، وإنما كانت جعالة سنوية تدفع للسلطات الحاكمة على تلك الأسواق مقابل السماح لها يالاتجار، أو إن "هيرودوتس" عنى ببلاد العرب الأرضين التي كان يسكنها العرب ودخلت تحت حكم الفرس، وعنى بالعرب الذين دفعوها بعض القبائل العربية التي كانت تقيم في مصر أو طور سيناء أو بادية الشام.
ويلاحظ إن "هيرودوتس" كان قد ذكر، كما بينت قبل قليل، إن العرب لم يخضعوا للفرس في أيام كورش ولا في أيام فمييز، و إنما كانوا حلفاء للفرس. فيظهر من كلام "هيرودوتس" الأخير إن العرب الذين خضعوا للفرس ولدارا، هم من أعراب بادية الشام، ومن كانت منازلهم وديارهم في فلسطين وفي طور سيناء. ويرى بعض المؤرخين إن "العربية" التي خضعت لحكم "دارا" لم تكن جزيرة العرب، و إنما منطقة الجزيرة الواقعة بين "بابل" وآشور، مثل منطقة "سنجار" "Singara" و "الحضر"، وكان العرب قد توغلوا فيها.
وقد ورد في خبر للمؤرخ "اكسينوفون" "Xenophpn" وفي كتابة ل "كيرش الثاني" "Kyros II" "Kyrush II"، ما يفيد إن العرب كانوا قد خضعوا الأخمينيين. فورد في كتابة "كيرش" مثلاً: "ملوك الأرضين الغربية الذين يقطنون في الخيام"، وذلك في جملة من اعترف بسلطان الملك عليهم. غير إن هذه الإشارات لا تفيد إن العرب كانوا قد خضعوا لهم مدة طويلة، كما إنها لا تدل على خضوع حقيقي لهم، ولا سيما وقد ذكرنا إن "هيرودوتس" قد صرح إن العرب لم يخضعوا لحكم الفرس.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق