136
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث عشر
تأريخ الجزيرة القديم
ليس من السهل بقاء العاديات، التي تتألف من موادَّ منزلية وأدوات ضرورية لحياة الإنسان، مدةَ طويلة في أرضين مكشوفة سهلية، وفي مناطق صحراوية لا حماية فيها لتلك الأشياء. وليس من السهل أيضاً احتفاظ مثل هذه التربة بجدث الإنسان وبعظام الحيوان أمداً طويلاً. وهي معرضة لحرارة شديدة قاسية ولرياح عاصفة قاسية. ولهذا لا يطمع الباحثون في الحصول على كنوز غنية من المناطق السهلة المكشوفة التي تغلب عليها الطبيعة الصحراوية والتي تؤلف أكبر قسم من جزيرة العرب.
ومن هنا سيتجه أمل، الباحثين عن الآثار إلى الأودية التي تتوافر فيها الوسائل الكفيلة بنشوء المجتمعات على اختلاف أشكالها، وإلى السهول التي تبعث النهيرات والينابيع والابار الحياة فيها، وإلى الهضاب والجبال حيث توجد المياه وتتساقط الأمطار وتتوافر الكهوف والصخور،وهي من العوامل المساعدة على نشوء الحضارة وحفظ الآثار، للاستفادة منها في الحصول على آثار تحدثنا عن تأريخ جزيرة العرب في آلاف السنين الماضية قبل الميلاد.
وليس في استطاعتنا في الزمن الحاضر التحدث عن جزيرة العرب في العصور الجليدية، لعدم وجود بحوث علمية عن هذه العصور في هذه البلاد. كذلك لا نستطيع أن نتحدث عن بلاد العرب في العهود الحجرية، لعدم وجود موارد كافية تساعدنا في الكشف عنها كشفاً علمياً، نعم، عثر على أدوات حجرية في موضع يقال له "الدوادمي" "Dawadami"، وهو يبعد "375" ميلا عن الخليج، عثر عليها مدونة في الأرض، وكان بينها فاس طولها سبع عقد و نصف عقدة، ولها لون يميل إلى الخضرة، وعثر على أدوات حجرية أخرى في أنحاء من جزيرة العرب، وفي جملتها الأحساء وحضرموت، ولكن ما عثر عليه ما زال قليلا، لا يمكن أن يعطينا رأياً واضحاً علمياً في تلك العهود في هذه البلاد.
وقد تبين من فحص الأدوات الحجرية التي عثر عليها في الأحساء أنها تتكون من أحجار لا توجد في العروض، وبينها أحجار بركانية أو من حجارة "الكوارتز"، و نن أنواع أخرى من الصخور، إذا رأى فاحصوها إنها أدوات استوردت من العربية الغربية. كما تبين من فحص الأدوات الحجرية التي عثر عليها في إليمن وفي حضرموت إنها من النوع المستورد من فلسطين أو من بلاد الشام، لأنها تشبه الأدوات الحجرية التي عثر عليها هناك.
أما الأدوات الحجرية التي عثر عليها في مواضع من حضرموت، فليست محكمةً دقيقة الصنعة، بالقياس إلى ما عثر عليه في فلسطين أو في بلاد الشام أو في إفريقية، وقد عزا بعضهم ذلك إلى طبيعة أحجار هذه المنطقة، وعزاه آخرون إلى تأخر حضارة أهل حضرموت في ذلك العهد بالقياس إلى الحضارات الأخرى. ورأى بعض الباحثين أن أرض، حضرموت كانت في عزلة عن البلاد المتقدمة في الشمال، وأن صلاتها بإفريقية كانت أقوى من صلاتها بشمال جزيرة العرب وبالهلال الخصيب وبحضارة البحر المتوسط، ولذلك صارت الأدوات التي عثر عليها بدائية بعض الشيء بالقياس إلى ما عثر عليه في أعالي جزيرة العرب، حيث كان الاتصال وثيقاً بالحضارات المتقدمة.
ومن الأدلة التي تثبت إن اتصال حضرموت بالسواحل الأفريقية المقابلة كان قوياً ووثيقاً في العصور ال "الباليوليثية"، هو عثور المنقبين على فؤوس يدوية في حضرموت تعد من صميم الصناعات التي ظهرت في تلك الأنحاء من أفريقية. ووجودها في حضرموت وعثور المنقبين على أدوات أخرى في من صناعات إفريقية، دليل على شدة العلاقات ومبلغ توثقها بين أفريقية والسواحل العربية الجنوبية.
ويظن إن الزجاج البركاني، المتكون من فعل البراكين "Obsidian" المتخذ أشكالاً هندسية، مثلثاً أو هلالاً أو مربعاً، الذي يعود إلى الدور المعروف عند علماء الآثار بسور صناعات النصل "Blade Industries"، والذي عثر على نماذج منه في حضرموت، هو من المستوردات التي يرجع أصلها إلى سواحل أفريقية الشرقية. وقد كانت هذه الصناعة مزدهرة في حوض البحر المتوسط وفي أوروبة قبل الألف الثالثة قبل الميلاد. أما في العربية الجنوبية، فيعود عهدها إلى الألف قبل الميلاد.
واكتشفت أدوات من العصور الحجرية في "الحملة" ورأس "عوينات علي" "عوينت علي" وجنوب "دخان" من "قطر"، منها فؤوس ومقاشر ونبال وكميات من حجر الصوان. وهذه الصخور هي من العصور "الباليوليثية" و "النيوليثية".
وعثر في مواضع متفرقة أخرى من جزيرة العرب على أدوات من عهود مختلفة قبل التاريخ، عثر على أكثرها في مواضع شتى تقع عند الأودية والطرق والمواضع التي تتوافر فيها وسائل الحياة. وسيكون لبحث من يأتي بعدي فيقوم بوضع خارطة أو مخطط للمواضع التي عثر فيها على آلات وأدوات مما قبل التاريخ شأن كبير. ولا شك في الكشف عن مواضع السكنى والحضارة في بلاد العرب قبل التأريخ، وفي الكشف عن نظرية تغير الجو في جزيرة العرب ونظرية الهجرات وارتحال السكان من مكان إلى مكان.
وعثر على آثار متنوعة من العصور ال "الباليوليثية" "Palaolithikum" "Palaeolithic" وال "النيوليثية" "Neolithikum" "Neolithic" في الكويت والبحرين وحضرموت ومواضع أخرى من العربية الجنوبية واليمن. وقد ذهب "فيلد" "H. Field" إلى أن اليمن وعدن كانتا مأهولتين بالسكان في العصور "النيوليثية"، ثم هاجر قسم من الناس إلى عمان والخليج، وهاجر قسم آخر بطريق باب المندب إلى الصومال و "كينيا" "Kenya" و "وتنجانيقا"، و هاجر فريق آخر بطريق مأرب ونجران إلى شبه جزيرة سيناء و فلسطين و الأردن.
وعثر على آثار من العصور المذكورة في مواضع من المملكة العربية السعودية تتمد من الأحساء "الهفوف" إلى الحجاز، ومن مدائن صالح إلى نجران. وقد عثر على أدوات حجرية في "تل الهبر". وقد كان الصيادون في عصور ما قبل التأريخ يتنقلون باتجاه الأودية من مكان إلى مكان حيث كان الأحوال فيها خير مما عليه الآن. وقصد ترك هؤلاء الصيادون ثم الرعاة بعض الآثار في الأمكنة التي حلّوا بها ما برح السياح وخبراء شركة "أرمكو" وغيرهم يعثرون على قسم منها بين الحين والحين.
ووجدت في "كلوة" "Kelwa" التي تقع على سفح "جبل الطبيق" آثار من العهود "الباليوثيكية" القديمة: "Chelleen" وال "Acheuleen" والي "Levalloisien". وقد قدر بعض الباحثين تأريخ السكنى في هذا الموضع إلى الألف الثامنة قيل الميلاد. وقد اكتشف هذا الموضع "هورسفيلد" "G.. Horsfieled" و "كلويك" "N. Glueck"، فوجد آثاراً وصوراً على الصخور، قدّر إنها ترجع إلى آلاف من السنين قبل الميلاد من مختلف العصور.
وعثر على كهوف وقد صورت على جدرانها صور حيوانات وصور الشمس، و الهلال و ذلك على طريق التجارة القديمة في العربية الجنوبية، بين وادي يبعث و وادي عرمة. و هي تشبه في أهميتها من دراسة الناحية الاثرية، الصور المتقدمة التي عثر عليها في "كلوة" في الأردن.
%533 و قد ذهب بعض الباحثين إلى إن جزيرة البحري ن كانت مأهولة بالناس أيام العصور الجليدية المتأخرة في اوربة، أي قبل خمسين ألف سنة، و أن ساحل الخليج، و لا سيما المنطقة الواقعة بين "الدوامي" و شمال القطيف، كان مزدحماً بالسكان في المحصي ر البرنزية، أي حوالي "3000-2500 ق. م"، كما عثر على أدوات من العصور "الباليوثيكية" في موضع "رأس عوينت علي" "عوينات علي" في شبه جزيرة "قطر".
وقد ذهبوا أيضاً إلى أن جو" البحرين آنذاك - أي أيام العصور الجليدية - كان يشبه جوّ بلاد اليونان في الوقت الحاضر. وأن أرضي البحرين كانت مخصبة خضراء، مغطاة بكساء من الغايات. ولعلها كانت متصلة إذ ذاك بالأرض الأم - أرض جزيرة العرب - أما سكانها فقوم من الصيادين. عاشوا على ما يقتنصونه من حيوانات، وفي مقدمتها الأسماك. وقد عثر على أدوات من حجر الصوان، استخدمها أولئك الصيادون في صيدهم وفي تقطيع لحوم الفرائس التي يوقعها سوء حظها في أيديهم. عثر عليها في مواضع متعددة من البحرين، وبعدد كبير أحياناً، مما يدل على أن تلك الأماكن كانت مستوطنة آهلة بالناس.
وليس في هذه الأدوات الصوانية ما يشير إلى أصل أصحابها، أو إلى أسمائهم وأسماء المواضع التي كانوا فيها. وكل ما يستفاد منها إنها من أواسط العصور "الباليوثيكية" "Paleothitic"، وذلك بدليل مشابهتها لأدوات من الصوان ترجع إلى هذا العهد عثر عليها في شمال للعراق وفي فلسطين في شمال غربي الهند.
وقد عثر في البحرين أيضاً على عدد من رؤوس حراب وسكاكين صنعت من الصخور الصوانية. قدّر بعض الباحثين عمرها يتراوح بين عشرة آلاف واثني عشر ألف سنة. وهي ترجع إلى أواخر أيام الرعي وابتداء عهد الاستيطان والاستقرار والاشتغال بالزراعة. وبين ما عثر كل عليه من هذه الأدوات، أحجار سنّت وشذبت لكي تكون بمثابة آلات لحصد المزروعات ولقطع الحشائش واجتثاثها من الأرض.
وفي العربية الغربية والعربية الجنوبية جبال ترصعها كهوف، اتخذها الإنسان مساكن له، فأقام فيها قبل الميلاد بأمد طويل، لا نستطيع تقدير زمانه، واتخذ بعضها معابد ومواضع مقسهة، وأماكن للخلوة والتأمل الروحي والعبادة،و بعضها مقابر يودع فيها أجداث آبائه وأجداده وأهله، ولكن أكثر هذه الكهوف قد عبث بها الزمن، وعبثت بها أيدي الإنسان، أكثر من عبث الطبيعة بها، فانتزعت منها ما نبحث الآن عنه من بقايا عظام وتركات سكنى، وآثار فن، فحرمنا بذلك الوقوف على حياة الإنسان في جزيرة العرب في تلك الأيام.
وقد أشار الكتبة "الكلاسيكيون" إلى سكان الكهوف في بلاد العرب. وعثر السياح على بقايا تلك الكهوف التي كانت منازل ومساكن آهلة بالناس. ولا يزال الناس يسكنون الكهوف في حضرموت وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب. وقد يكون من بينها كهوفاً كانت منازل الأجداد النازلين بها اليوم منذ آلاف من السنين.
ولما كانت زيارات السياح هذه الكهوف زيارات سريعة خاطفة، لم يتعمق السائحون فيها في داخل الكهف، ولم تتناول ما على جدر الكهوف من رسوم أو زخارف،وقد يأتي يوم يعثر فيه الباحثون على كنوز من فن سكان الكهوف، ومن مخلفات لهم وعظام تكدست تحت أطباق الثرى، نستخرج منها وصفاً لحياة الإنسان في تلك المناطق من جزيرة العرب، وقد تفيدنا في دراسة الصلات والعلاقات التي كانت بين أهل الجزيرة وبين بقية أنحاء العالم في تلك العهود السحيقة.
فيتبين من هذه الآثار القليلة إن بلاد العرب كانت مأهولة بالناس منذ العصور "الباليوثية" "Palaeolithic"، أي العهود الحجرية المتقدمة، وان من أقدم الآثار التي عثر عليها آثاراً من أيام العصور المعروفة ب "Chellian" بين علماء الآثار، أي الأدوار الأولى من أدوار حضارة العصر الحجري، وانه قد عثر على أدوات من الصوان في الربع الخالي وفي حضرموت من عهد ال "Neolithic" والعصور "البرنزية". وعثر على أدوات من الصوان من عصور ال "Chalcolithic" هي من النوع الذي عثر عليه في جنوب فلسطين.
ولم يوفق الباحثون للعثور على هياكل كاملة لإنسان ما قبل التأريخ، لا في جزيرة العرب ولا في "سيناء". وللعثور عليها أهمية كبيرة بالنسبة إلى البحث في تأريخ ظهور الإنسان وتطوره، للوقوف على الزمن الذي عاش فيه في بلاد العرب.
والجماجم والعظام مادة مفيدة جداً في دراسة التأريخ، ولكن الباحثين لمّا يتمكنوا من الحصول على مقدار كاف منها يكوّن عندهم فكرة علمية عن العصور التي ترجع إليها وعن أشكال أصحابها. وقد عثر رجال شركة "أرمكو" للبحث عن البترول في العربية السعودية على بقايا عظام وأسنان لبعض الحيوانات "الحلمية" "Mastodon" وعلى قسم من جمجمة حيوان قديم في موضع يبعد تسعين ميلاً إلى الغرب من "الدمام" ووجد مثل هذه البقايا الحيوانية في أنحاء أخرى من جزيرة العرب، ولكن ما عثر عليه لا يزال قليلاً، لا يكفي لإعطاء آراء علمية عن الحياة في جزيرة العرب في التأريخ القديم.
وقد تعرضت تلك المقابر لعبث الطبيعة ولعبث الطامعين بما فيها من أشياء ثمينة، لذلك أصاب أجسام الموتى التلف، ولم يبق منها غير بقايا من جسيم، إلا ما كان من مقابر البحرين، فقد أعطت الباحثين هيكلن كاملين لم يصبهما أي سوء أو تلف. فقد تبين من فحصهما إن أهل الميت وضعوا جسمي الميتين على الجانب الأيمن ووجهوا الوجهين نحو المشرق، وأمدوا رجلي الميتين. ويبعث وضع الميتين على هذه الصورة الاحتمال بأن أهل البحرين كانوا يتبعون هذه العادة في دفن موتاهم، وهي عادة كانت عند آهل العراق أيضاً، في الألف الثالثة قبل الميلاد.
وقد عثر في مواضع من جزيرة العرب على مقابر تبين إنها من نوع المقابر التي يقال لها "تمولي" "Tumuli"، التي عثر عليها في البحرين في نهاية القرن التاسع عشر. أما مقابر البحرين، فهي تلال تكونت من قطع من الصخور، وضع بعضها فوق بعض، لتكون غرفة أو غرفتين، تكون احداهما فوق الأخرى في الغالب، تتخذ قبراً يوضع فيه الموتى، وتكون سقوف الغرف من ألواح الصخور. وبعد إغلاق باب القبر يهال التراب على الصخور، حتى تتخذ شكل تلال. وقد عثر على بقايا خشب فيها، مما يدل على استعمال الخشب في بناء.هذه القبور التي يصل قاعدة بعضها إلى حوالي خمسين ياردة في العرض وحوالي ثمانين قدماً في الارتفاع. ويقدر الباحثون الذين بحثوا عن هذه المقابر عادها بزهاء خمسين ألف تل، وبزهاء "100" ألف تل في تقدير بعض آخر، أي خمسين ألف قبر أو "100" ألف قبر. قبر فيها الإنسان والحيوان جنبا إلى جنب، كما يتبين ذلن من بقايا العظام التي عثر عليها فيها. والغالب أنهم دفنوا الحيوان مع الإنسان، ليستفيد منه الميت في العالم الثاني في عقيدة أهلها يومئذ، وكما نجد ذلك في اعتقاد المصريين واعتقاد غيرهم من الشعوب، ولهذا دفنوا مع الموتى أواني وأدوات بيتية وحلياً وجواهر وفخاراً وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان.
وقد عثر في هذه المقابر على عدد من الجرار، تشبه الجرار المستعملة في الوقت الحاضر، مما يدل على أن الناس في الوقت الحاضر لا يزالون يسيرون على سيرة أجدادهم الذين عاشوا قيل الميلاد في عمل الجرار وسائر الخزف. وقد صنعت تلك الجرار من الطين، وضعه الخزاف على قرص دولاب يديره برجليه. واستعمل يديه في اكتساب الطين شكل الجرة التي يريدها. ويميل لون هذه الجرار إلى الحمرة. كما عثر على قشور بيض النعام، وقد قطعت بصورة تجعلها كأساً يشرب بها. وعثر على أدوات أخرى، وكل ما عثر عليه غير. مكتوب ولا مؤرخ، لذلك لا نعرف من أمره اليوم ولا من أمر أصحابه شيئاً.
وعثر رجال شركة "أرمكو" على عدد كبير من هذه المقابر على حافات جبل "المذرى" الشمالي، قدرها "كورنول" بالألوف، وعثروا كذلك على عدد آخر من هذه المقابر في جبل "المذرى" الجنوبي. وقد حافظت بعض هذه القبور على أشكالها محافظة جيدة، %538 ويشبه بعضها القبور التي عثر عليها "فلبي" في الأقسام الجنوبية الغربية من جزيرة العرب. وولمجد "كورنول" مقابر أخرى في موضع "الرديف" الواقع على بعد "110" أميال من شمال غربي "الدمام"، وفي موضع يقع شمال "عين السبح"، بمسافة أربعة أميال، حيث بلغ قطر أحد تلك المقابر "33" ياردة وارتفاعه "13" قدماً. وقد يمكن من الحصول على هيكل عظمي وعلى فخار وقطع من العاج وقشور بيض للنعام وأسلحة مصنوعة من البرنز.
وعثر على مقابر في موضع "المويه" الواقع على "143" ميلاً من شمال شرقي مكة. وقد وصف "فلبي" المقابر التي عثر عليها في "الرويق" وفي مرتفعات "العلم الأبيض" و " العلم الأسود"، فقال: إن أكثرها قد عبث به العابثون، فاًخذوا ما كان داخل الغرف التي كان يوضع فيها الموتى من ذخائر ومواد، وهي مختلفة الأحجام والارتفاع. ويظهر من وجود هذه المقابر في محال صحراوية بعيدة عن مواضع العمران وفي أماكن لا يقيم فيها الناس، أن هذه المناطق كانت مأهولة قبل الإسلام، وأنها كانت ذات تأريخ قديم جداً، ربما يرجع في رأي "فلبي" إلى أيام قدماء "الفينيقيين" وربما كان "الفينيقيون" في رأي "فلبي" أيضاً من الأفلاج والخرج، حيث هاجروا بعدئذ إلى البحرين.
وقد سمع "فلبي" بوجود مقابر أخرى من هذا النوع، تعرف بين الناس باسم "الخشبة". وسمع "Thesiger" بمقابر أخرى في موضع "رهلة جهمين". و عثرت شركة "أرمكو" على مقابر عادية كثيرة العدد في "وادي الفاو" و "القرية"، لم تحدد هوية أصحابها حتى الآن. وقد زارها "فلبي" ووصفها، وتبين له أن الموضع وهو "القرية"، كان محاطاً بسور، وجد في داخله آثار بيوت ومقابر، وبين أنقاض المقابر أحجار مكتوبة تدل على إنها كانت شواهد قبور. وعلى مسافة من "القرية" كتابات وصور حيوانات مثل النعامة والأيل، وصور أناس نقشت على الصخر.
ويظهر من وصف "جيرالد دي كوري" "Gerald de Gaury" "وفلبي" لمقابر الخرج إنها كثيرة العدد، وأنها في مواضع متعددة من هذه الإيالة عند، "فرزان" و "السلمية" و "السلم"، وهي متفاوتة الأحجام والارتفاع. ولم يتمكن "دي كوري" من تعيين تاًريخها، ولا يمكن التثبت من ذلك بالطبع إِلا بعد القيام بحفريات دقيقة وفحوص للعظام ولمحتويات القبور لمعرفة مكانها في التأريخ.
وقد وجد أن أبواب مقابر البحرين قد وضعت في الجهة الغربية، مما يبعث على الظن على أن لهذا الوضع صلة بدين القوم الذين تعود إليهم تلك المقابر.
وقد وجد أن المواد والأدوات التي عثر عليها في هذه المقابر تشبه المواد والأدوات التي عثر عليها في المقابر الأخرى التي عثر عليها في المواضع المذكورة من جزيرة العرب. ويظن بعض الباحثين أن أصحاب هذه المقابر كانوا يقيمون في الجهة المقابلة لجزيرة البحرين من الجزيرة، أي على ساحل الخليج، وكانوا قد اتخذوا الجزية مقبرة لهم، فينقلون إليها موتاهم لدفنهم هناك. ومنهم من يرى أن تلك المقابر هي مقابر رؤساء الفينيقيين وأشرافهم الذين كانوا يقطنون البحرين، وأن عهد تلك المقابر يرجع إلى ما بين 3000-1500 سنة قبل الميلاد.
وقد عثرت البعثة الدانماركية في سنة "1959 م" في البحرين جنوب طريق "البديع" على أربع مقابر تبين من فحصها إنها ترجع إلى العصور الحجرية. وعثر السياح على تلال في مواضع متعددة من عمان وقطر، تبين إنها مقابر لعهود سبقت الميلاد.
وليست لدينا الآن دراسة علمية شاملة عن هذه المقابر: مقابر البحرين، ومقابر المواضع المذكورة من جزيرة العرب، إلا أن آراء من زاروها ورأوها، تكاد تتفق في القول بوجود ترابط في الزمن فيما بينها، ويرجعون أيامها إلى عصر ال "Chalcolithic" أو إلى العصر البرنزي. ومنهم من يرى إنها من العصر البرنزي المتأخر، ويرى أن المقابر المقامة على المرتفعات هي مقابر جماعة من الصيادين أو الرعاة. أما المقابر المقامة على السهول المنبسطة فيرون لنها مقابر قوم مزارعين مستقرين.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق