إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 8 نوفمبر 2015

126 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي عشر أنساب العرب


126

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل الحادي عشر

أنساب العرب


و قد يكون من الخير الاتيان بأمثلة من أيام الإسلام، تساعدنا في شرح موضوع النسب عند الجاهليين وتفسيره. فإن الزمن وان تغير وتبدل في الإسلام وتباعد عن الجاهلية، إلا أن الأفكار القبلية بقيت هي هي عند تلك القبائل بالنسبة إلى النسب وتكوين الأحلاف. فقبيل ظهور الإسلام كان بين "يثرب" و "مكة" نزاع شديد. ولما هاجر الرسول إلى "يثرب" عرف أتباعه الذين تبعوه بالمهاجرين.

وقد دامت الهجرة إلى عام الفتح: "فتح مكة". وأما أهل المدينة الذين آووا الرسول ونصروه، فقد عرفوا بالأنصار لانتصارهم للرسول ولتقديم مساعداتهم له وللمسلمين. وللقضاء على الخصومة، آخى الرسول بين الأنصار والمهاجرين. غير أن العداء عاد فتجدد بين الأنصار والمهاجرين، بعد وفاة الرسول، ويظهر أثره في شعر حسان بن ثابت والنعمان بن بشير والطّرمّاح بن حكيم، وهم شعراء يثرب وألسنتها، وفي الأشعار الأخرى التي جمعا في دواوين الأنصار.

وقد صيّر النزاع المذكور لفظة "الأنصار" علماً خاصاً على أهل المدينة، حتى كادت تكون نسباً، واصطبغت الدعوة بصبغة يمانية، فنجد في شعر الأنصار فخراً باليمن، واعتزازاً بأصلهم اليماني، ومجاهرة بأنهم يمانيون صرحاء وبأنهم من أقرباء الغساسنة ومن ذوي رحمهم. كما انهم استعملوا لفظة الأنصار مقابل قريش ومعده ومضر ونزار، وأطلقوا على لسانهم حسان بن ثابت شاعر الأنصار، وشاعر اليمن، وشاعر أهل المقرى.

ونبد في أيام معاوية وفي أيام ابنه يزيد قصصا عن هذا النزاع اليثربي المكي، النزاع الذي سمي نزاع الأنصار مع المهاجرين، أو نزاع الأنصار مع قريش، ويلاحظ إن هذا القصص لم يستعمل لفظة "مهاجرين" في مقابل "الأنصار" إلا نادراً، إنما استعمل الألفاظ المذكورة. وقد عرفت وفودهم فيه ب "وفود الأنصار" أو "الأنصار". فصارت تلك اللفظة وكأنها نسبٌ أو علم من أعلام القبائل، حتى تضايق من ذلك رجال قريش. قيل بينما كان "عمرو بن العاص" عند "معاوية" يوماً، إذ دخل عليه حاجبه يقول: "الأنصار بالباب"، فتضايق من ذلك عمرو، وقال: "ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسب? أرددهم إلى نسبهم". فقال له معاوية: إن علينا في ذلك شناعةً. قال: وما في ذلك ? إنما هي كلمة مكان كلمة، ولا مرد لها.

فقال معاوية لحاجبه: أخرج، فنادِ: مَنْ كان بالباب من ولد عمرو بن عامر، فليدخل. فخرج، فنادى بذلك، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار، فقال له: أخرج، فناد: من هنا من الأوس والخزرج، فليدخل. فخرج فنادى ذلك، فوثب النعمانَ بن بشير، فأنشأ يقول: يا سعد، لا تعد الدعاء، فما لنا  نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإلهَ لقـومـنـا  أثقل به نسباً إلى الـكـفـار

إن الذين ثووا ببدر مـنـكـم  يوم القلَيِب همُ وقود الـنـار

وقام مغضباً. فبعث معاوية، فرده، وترضاه وقضى حوائجه وحوائج من كان معه من الأنصار. وكان النعمان بن بشير حامل لواء الأنصار قد غضب في مجلس من مجالسه مع معاوية، ولاحظ معاوية عليه الغضب فضاحكه طويلاً، ثم قال له: " إن قوماً أولهم غسان، و آخرهم الأنصار، لكرام". وكان أهل يثرب يلحقون نسبهم بنسب غسان، ويرجعون نسهم ونسب غسان إلى الأزد. ونسب الأزد إلى اليمن.

لقد كان من المعقول استعمال لفظة "المهاجرين" في مقابل "الأنصار"، إلا أن الجانبين لم يستعملاها إلا قليلاً، و إنما استعملا لفظتي قريش ومعد، كما استعملا "قريشاً" في مقابل "يمن". وقد افتخرت قريش بمعد، وبالنبوة. فأجابهم الأنصار باًن أم الرسول من بني النجار أخوال النبي، وهم من المدينة، وبأنهم كانوا أول من آمن به ونصره، وبأن المتنبيين كانوا من قبائل معد.

ولو كتب لمصطلح "الأنصار" بالبقاء، ولو كان عهد التدوين بعيداً عنه، لصار ولا شك نسباً من الأنساب، ولصارت اللفظة اسم أب لقبيلة، كما صارت الألفاظ المذكورة التي خلدت لأنها الألفاظ الجاهلية، فلما صار التدوين، كان الناس يتداولونها على أنها أنساب وأسماء.

واستعملت لفظة "اليمانية" في مقابل "النزارية"، في العصر الأموي. ويظهر إنها تغلبت على لفظة "الأنصار" وقضت عليها. وهي تعني القبائل التي ترجع أن أنسابها إلى اليمن. أما "النزارية" فقد عنت كل القبائل العدنانية.

وقد كان بين الحزبين نزاع شديد. ولكلً شيعة نسابون ومدافعون ومهاجمون. وقد أثر هذا النزاع تاثيراً خطيراً في وضع الأنساب.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق