إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

160,838

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

87 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصَلُ السادس صلات الحرب بالساميين العقلية السامية


87

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصَلُ السادس

صلات الحرب بالساميين

العقلية السامية


وتحدث المشتغلون بالتاريخ الثقافي و "علم الأجناس" عن عقلية خاصة بالشعوب السامية، دعوها "العقلية السامية"، كما تحدثوا عن عقلية "آرية" وعن عقليات أخرى، وحاولوا وضع حدود لأوصاف العقلية السامية، ورسم صورة خاصة بها تميزها عن صور العقليات البشرية الأخرى.

وقد شاعت هذه النظرية نظرية خصائص العقلية السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ووجدت لها رواجاً كبيرا، لظهور بعض الآراء والمذاهب التي مجدت العقلية الأوروبة، وسبّحت محمدها، وقالت بتفوق العقل الغربي الخلاق المبدع على العقل الشرقي الساذج البسيط! ورمز العقل الشرقي هو العقل السامي، فهو لذلك عقل ساذج بسيط. ومن أشهر مروّجي هذه النظرية الفيلسوف الفر نسي "رينان" "Ernest Renan" "1823 - 1892 م"، و "كراف كوبينو" "Graf Arthur Gobineau" "1816 - 1882 م"، وهو من القائلين بتمايز العنصريات البشرية وبتفوق بعضها على بعض وبسيادة العقلية الآرية على سائر العقليات، و "هوستن ستيوارت شامبر لن Housten Stewart Chamberlain" "1855-1927 م" صاحب كتاب "أسس القرن التاسع عشر".

ومن هذه الموارد أخذت "النازية" نظريتها في تفوق العرق الآري على سائر أعراق البشر، وتفوق الجنس "الجرماني" خاصة من العرق الآري على سائر الأجناس والأعراق البشرية. ومن هنا وضع "هتلر" "قوانين نورنبرك" لحماية الدم الآري من الاختلاط بالدماء الأخرى، ولصيانته ولبقائه دماً نقماً صافياً. ولترسيخ هذه النظرية في نفوس الناس ولترويجها بين الألمان والأوروبيين، شجع البحث في موضوع "الأجناس البشرية"، وحشد عدداً كبيرا من الأساتذة لإجراء بحوث ودراسات فيه، وأوحى إلى أساتذة التأريخ كتابة التأريخ بطريقة تظهر دائماً أن الحضارة البشرية هي حاصل عمل الشعوب الآرية وحدها، وناتج من نتاجها، بتلك الشعوب بدأت وبها تستمر. وقرر أن ما يقال عن حضارات الشرق الأدنى القديمة هو لغو وهراء، وهذا أوجب كتابة تأريخ هذه الشعوب على نحو جديد، وعلى أساس هذه الفلسفة.

وبحوث مثل هذه تقوم في ظروف كهذه أو في ظروف مشابهة لها، لا يمكن أن تكون إلا دراسات فجة مغرضة، مبعثها عاطفة وقصد مبيت، لذلك لا يمكن الاطمئنان أليها ولا الاعتماد عليها. والبحث في خصائص جنس من الأجناس وفي مميزاته وسماته الطاهرة والباطنة، يضفي تقصي ملامح الجنس في الحاضر والماضي، وذلك بدراسة ملامح الباقين وبفحص أجسامهم وخصائصهم بطرق علمية حديثة، وبدراسة عظام الماضين وما تخلف من أجسامهم في باطن الأرض بالأساليب العلمية الحديثة أيضا، ليكون بحثنا شاملاّ للماضي والحاضر، ومثل هذه البحوث لم تجرِ حتى الآن، لا على العرب، ولا على غير العرب من هذه الشعوب التي نسميها "الشعوب السامية".

ثم إن البحوث العلمية على قلتها وضآلتها تدل على وجود فروق بارزة بين الساميين في الملامح الجسمية، في مثل شكل الجمجمة والأنف. ووجود مثل هذه الفروق، لا يمكن أن يكون علاقة على وجود "جنس" بالمعنى العلمي المفهوم من "الجنس" يضم شمل الساميين. وعلى وجود علاقة خاصة بالساميين ذات حدود ورسوم تختلف عن عقليات الأجناس البشرية الأخرى.

والصفة العامة التي يراها علماء الساميات في الساميين، أن الساميين يحبون الحركة والتنقل والهجرة من مكان إلى مكان على طريقته الأعراب، وأنهم ميالون إلى الغزو والأخذ بالثأر، وعاطفيون تتحكم العواطف في حياتهم، ويغضبون لتافه الأمور ويرضون بسرعة، يحبون فيسرفون في حبّهم، ويظهرون الوجد فيه، ويبغضون فيبالغون في بغضهم حتى ليصلوا إلى حد القساوة والعنف لأسباب تافهة لا تستوجب كراهية و لا بغضا، فرديون في طباعهم تتغلب علهم الفردية، لذلك تراهم في الأصل قبائل، إذا اتحدت و كوّنت حكومة قوي ة كبيرة، لا تلبث أن تتعرض للانفصال و التفتت، الحياة عندهم على وتيرة واحدة. موسيقاهم و شعورهم العام بما في ذلك الشعر و الغناء و كل سائر التعبير عنه، حزن و نغم معدود مكرر. قضاؤهم قضاء قبلي، يقوم على القصاص بالمثل، و على أساس السن بالسن و العين بالعين و القتل بالقتل، و نظام الحكم عندهم نظام أسسه الفكرة القبلية، و ديانتهم متشابهة، تتجلى عندهم الغريزة الدينية و أتقاد المخيلة و قوة الشعور الفردي و القسوة, و تتغلب عليهم السطحية في التفكير، فلا يميلون إلى التعمق في درس الأشياء للوصول إلى كنهها و جوهرها، كما فعل اليونان.

وليست لهم قابلية في فهم الأمور المعقدة، ولهذا صارت أحكامهم عامة شاملة ساذجة لا تعقيد فيها، لأن تفكيرهم تفكير ساذج غير معقد. وتفكيرهم هذا هو الذي جعلهم يبشرون بالتوحيد على حين كانت الأديان الآرية -على حد قولهم- أدياناً معقدة تعتقد بوجود أكثر من إلَه ! ! ويرى هؤلاء العلماء أن البدوي هو خير ممثل للعقلية السامية، فقد عاش الساميون بدواً أمداً طويلاً، ومرّوا في حياتهم بحياة البداوة ولهذا صارت عقليتهم عقلية بداوة، تجمع بينهم صفات مشتركة نتجت من اشتراكهم في تلك الحياة.

وقد وضع المتعصبون للنظرية العنصرية كتباً في موضوعات متعددة، تعالج الجسم والروح ضد الساميين والآريين، وعنوا عناية خاصة بدراسة الحياة الروحية ومظاهرها عند الجنسين، فبحثوا في الناحية القانونية والتشريعات المختلفة عند الساميين والآريين، وقارنوا بين التشريع عند الجماعتين. كذلك عالجوا مختلف النواحي الأخرى من الحياة، حتى إن بعضهم ألف كتاباً في موضوع حرمة أكل لحم الخنزير عند الساميين. مع انه من اللحوم الشهية عند الآريين، وعدّ ذلك من مميزات الجنس.

وهناك جماعة من العلماء، رَدت على هذه النظرية التي تحدد العقليات، وترسم لها حدوداً وتضع لها معالم، رأت أن ما يذهب إليه أصحابها من وجود عقليات صافية خالصة للأجناس البشرية المذكورة، يستوجب وجود أجناس بشرية صافية خالصة ذات دماء نقية، لم تمتزج بها دماء غريبة، ويقتضي ذلك افتراضنا اعتزال الأجناس بعضها عن بعض عزلة تامة، وهو افتراض محال، لأن البشرية لم تعرف العزلة منذ القدم، ولم تبن حولها أسواراً مرتفعة تحول بينها وبين الاختلاط ببقية الأجناس، والشواهد التاريخية والبحوث العلمية المختبرية تشير إلى العكس، تشير إلى الاختلاط والامتزاج، كما ذكرنا آنفاً، فما يقال عن اختلاف العقليات، هو حديث، أوحته العواطف والنزوات. أما ما نشاهده من اختلاف في أساليب الفكر وفي فهم الأمور،فليس مرجعه ومردّه إلى الدم، بل إلى البيئات الطبيعة والاجتماعية والثقافية، فهي التي أثرّت و كونت هذه الفروق. وعلى الباحث دراسة كل ما يؤثر على الإنسان من محيط ومن مؤثرات طبيعية مثل الضغوط الجوية والحرارة والبرودة والرطوبة، ومن تركيب الأجسام وأشكالها. وألوان الشعر والبشرة والعين وبنية الجسم بصورة عامة، ومن أنواع الأغذية التي يتناولها والمحيطات الثقافية التي يعيش فيها إلى غير ذلك من مؤثرات يدرسها علماء الأجناس اليوم، وذلك لإصدار أحكام معقولة عن أجناس البشر.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق