إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

78 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس طبيعة جزيرة العرب وثرواتها وسكانها


78

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الخامس

طبيعة جزيرة العرب وثرواتها وسكانها

وقد عثرت الشركة في أثناء بحثها عن الذهب في "مهد الذهب" على أدوات استعملها الأولون قبل الإسلام في استخراج الذهب واستخلاصه من شوائبه، مثل رحى وأدوات تنظيف وِمدقات ومصابيح، وشاهدت آثار القوم في حفر العروق التي تكوّن الذهب، وأمثال ذلك مما يدل على إن هذا المكان كان منجماً للذهب قبل الإسلام بزمن طويل، ولعله من المناجم التي أرسلت الذهب إلى "سليمان"، فأضيف إلى كنوزه، على نحو ما هو مذكور في التوراة.

ويظن بعض الباحثين إن منجم "مهد الذهب" هو المنجم الذي كان لبني سليم، فعرف باسمهم وقيل له: "مدن بني سلُيم"، وقد وهبه الرسول إلى بلال بن الحارث.

وعرفت "أرض مدين" وما والاها من الأرضين في شمال "وادي الحمض"، بوجود التبر فيها. واستخراج الناس له هناك قبل الجلاد بمئات من السنين. وتوجد آثار المناجم التي كانت تستغل مبعثرة في مواضع عديدة حتى اليوم.

وتوجد خامات معادن أخرى فيء الحجاز منها الكبريت والنحاس والقصدير والحديد، وتستخرج الأملاح من الصخور الملحية التي في الحجاز وفي عسير عند جيزان، ويستخرج الأهلون منها مسحوقاً لاستعماله في عمل المفرقعات كما إن هنالك مثل هذه الصخور المحلية في السلف من اليمن. ويمكن الاستفادة من هذه الأملاح فائدة كبيرة من الوجهة الاقتصادية حيث تدخل في كثير من الصناعات.

وفي منطقة "راج" توجد رواسب "البارايت" "Barite"، وتدل البعوث الأولية على أنه من الممكن استخراج عشرة آلاف طن من "البارايت" في كل عام. وتدل الدلائل على إن هنالك منجماً قديماً في منطقة "رابغ" كان يستغل لاستخراج "الكالينه" "Galena"، غير إن النماذج التي فحصت فحصاً أولياً دلت على إن هذه الماسة قليلة فيها. ويظهر إن هناك كميات كبيرة من تراب الحديد في "العقيق" على مقربة من "مهد الذهب" كما شوهدت خامات المعادن في موضع "برم" جنوب الطائف وفي موضع "نفى"، ولا يستبعد العثور على البترول في الحجاز في المواضع المتكونة من الطبقات المترسبة "Sedimentary Formation"، وتوجد في الحجاز الرمال التي تصلح لصنع الزجاج.

وتستغل أرض الأحساء في استخراج "البترول"، ويكثر وجود البترول في العروض حيث حفرت الآبار في الكويت والبحرين، وتدل الدلائل على وجوده في قطر لوممان، كذلك دلت التحريات على وجوده في حضرموت في منطقة "شبوة" وفي المناطق وراء شبوة إلى داخل جزيرة العرب، حيث يحتمل العثور على مناجم للذهب كذلك. ويجري البحث عن البترول في محمية "عدن" وفي اليمن.

ودلت التقارير الأولية على وجود الفحم في حضرموت في منطقة "شبوة"، وتوجد الصخور المحلية مترسبة في بطن طبقات الأرض يقتطعها الأهلون، وتستغل في الأعمال التجارية، كذلك توجد هذه الصخور الملحية في اليمن، وقد تكونت بفعل العوامل "البيولوجية" والضغط المتواصل، فتحجرت بمرور آلاف السنين عليها، وتكمن تحت سطح الأرض في بعض الأماكن حيث تحفر جوانب التلال للوصول إلى قلب مناجم الملح المتحجرة، وقد يفتت باستعمال المواد المتفجرة "الديناميت"، وتستخرج صخوره من بعض المناجم صافيه بيضاء كأنها البلور.مثل الملح المستخرج من "جبل الملح" بمأرب، فإن ملحه كما يقال صاف كالبلور. وتشتهر "السلف" بوجود مناجم ملح فيها، تقع على مسافة أربعين ميلا إلى الشمال من الحديدة. وتوجد في جزيرة "قمران" المقابلة هذا الموضع مناجم ملح، وكذلك في "اللحية".

وإلى وجود مثل هذه الصخور الملحية في كثير من أنحاء جزيرة العرب، يجب أن يعزى ظهور قصص بناء القصور من الملح المنتشرة في كتب التأريخ و الأدب.

ولما كانت أرض اليمن وأكثر الأنحاء الأخرى من الجزيرة، لم تفحص حتى الآن فحصاً فنياً، ولم تطأها أقدام الخبراء، فمن الصعب التحدث عن مواطن المعادن فيها، وعن أنواع التربة، وأثرها في الحضارة الجاهلية.

وقد وجدت مصنوعات حديد في اليمن، عثر عليها في الخرائب والآثار والأماكن العادية، كما اشتهرت اليمن بسيوفها، في الجاهلية وفي الإسلام، غير أننا لا نعرف الآن المواطن التي كانت تستغل لاستخراج الحديد منها، وقد ذكر الرحالة "نيبور" انه كان في " صعدة" منجم، يستخرج منه الحديد، وأن أماكن أخرى كانت تستغل لإنتاج هذه المادة.

وذكر "الهمداني" من معادن اليمن الذهب والفضة، وقال: انه كان يستخرج من "الرضواض" ولا نظير لفضه، والحديد، وكان يستخرج من "نقم" و "غمدان" و "فصوص البقران"، وتستخرج من جبل أنس. و "فصوص السعوانية" وتستخرج من "وادي سعوان" جنب صنعاء، وهو فص أسود فيه عرق أبيض ومعدنه بشهارة وعيشان من بلد حاشد إلى جنب هنوم وظليمة والجمش من شرف همدان، وحجر "العشاري"، وهو الحجر العشاري من عشار بالقرب من صنعاء، والبلور، والمسنى الذي تعمل منه أنصاب السكاكين والعقيق الأحمر، والعقيق الأصفر من الهان والجزع الموشى والمسر، والشزب تعمل منه ألواح وصفائح وقوائم سيوف وأنصاب سكاكين ومداهن وقحفة وغير ذلك. وعرفت اليمن بعقيقها الذي يقال له "عقيق يماني" و "حجر يماني" وهو "الجزع" "Onyx".

وقد بقيت بعض المواضع المذكورة تستغل معادنها في الإسلام، إلا إن تغير الوضع في جزيرة العرب في الإسلام وهجرة كثير من القبائل إلى البلاد المفتوحة، ووجود صناعات فيها ومعادن أثمانها أرخص من أثمان معادن الجزيرة، ثم تقدم العالم بعد ذلك وظهور الثورة الصناعية، كل هذا وأمثاله أثر في وضع التعدين وفي صناعة المعادن في جزيرة العرب، فدثرها، أو تركها مشلولة لا تعمل إلا في حدود مرسومة ضيقة وفي مجال محلي.

وليست دولة الحيوان في جزيرة العرب دولة ضخمة عظيمة، وكيف تكون ضخمة وأكثر أرض الجزيرة عدو للحيوان ولكل ذي روح? والجمل هو الحيوان الأليف الوحيد الذي استطاع بعناده وبصلابته على السير بجبروت و بتبختر فوق رمال الصحارى، غير عابىء بالرياح العاتية التي تذرو الرمال في الأعين، وتنقل أكواما منها معها، تكفي لدفن الجمل ومن عليه أو من معه ومع ذلك فإن هذا الحيوان للصبور العنيد. لم يتوفق أيضاً في تحطيم جبروت البوادي في كل مكان، فظل ت بعضها أرضاً حراماً عليه وعلى السابلة،تحطم من يريد التجاوز عليها والاعتداء على استقلالها، بأن تميته عطشاً، فتفتح ذرات رملها الناعم، وعندئذ تغوص قوائم الجمل فيها فيبقى في مكانه حتى ينفق.

والجمل، هو أيضاً من اقدم الحيوانات التي سمعنا بها عند العرب، وأعزّها. وقد صوّر في النصوص الاشورية، عند ذكر معركة "قرقر" ومعارك أخرى، وقعت بين العرب والآشوربين. و طبيعي إن يقرن الجمل بالبادية، وأن يجعل رمزاً لها، فليسن لحيوان آخر القدرة على اجتياز البوادي واختراقها ونحمل مشقاتها وعطشها مثل الجمل. ثم انه مركب العرب، يحملهم، ومحمل تجارتهم وماءهم،وهو ممولهم بالوبر لصنع البيوت حتى قيل للأعراب "أهل الوبر" ومنه يصنعون أكسية عديدة. ولبن الإبل، هو لبن أهل البادية، وإذا احتاجوا إلى لحم، ذبحوا الجمل، فأكلوه، وأفادوا من جلده.

والجمل ثروة، والثري العربي هو من يملك عدداً كبيراً من الإبل، وتقدر ثروته بقدر ما يملكه منها. وقد كان الجمل مقام "النقد"، أي مقام الدينار والدرهم في الغالب، فبعدد من الإبل يقدر مهر الفتاة، وبعدد من الإبل تفض الديّات والخصومات. وهكذا يتعامل به كما نتعامل اليوم بالنقود.

ويرى العلماء إن الإنسان ذلل الجمل حتى صيره أليفاً مطيعاً له في الألف الثانية قبل الميلاد. وقد ذهب بعضهم إلى إن العربية الشرقية كانت الموطن الذي ذلّل فيه هذا الحيوان في الشرق الأدنى، استدلوا على ذلك بإطلاق العراقيين القدماء على الجمل اسم "حمار البحر"، وقالوا إن قصدهم من "البحر" الخليج، وأن لفظة "الجمل" "جملو" "كَمَلو" في "الأكادية" إنما وردت من بادية الشام، ومعظم سكان البادية هم من العرب، وقد كانوا يستعملون الجمل استعمال الناس للسيارات ولوسائل الركوب في هذا الزمن. وقد استعملوه في الألف الثانية قبل الميلاد،فدخوله من البوادي إلى العراق هو دليل على إن العرب كانوا قد استخدموه أولاً ومنهم انتقل إلى العراق والبلاد الأخرى.

ويرى "البريت" إن البداوة الحقيقية على في ما نعرفها اليوم من السكنى في البوادي والتنقل فيها من مكان إلى مكان، لم تظهر في جزيرة العرب إلا في أواخر النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد، وذلك بتذليل الإنسان للجمل وبترويضه له لخدمة أغراضه، ففتح له بذلك أبواب البوادي، وتمكن من التوغل فيها واجتيازها بفضل جمله خادمه المطيع. أما ما قبل الجمل، فقد كان العربي لا يستطيع اجتياز البوادي واختراقها لأن حماره الذي كان واسطة الركوب عنده، لا يتحمل ولوج البادية، ولا يستطيع إن يعيش فيها، وأن يصبر عن شرب الماء أو الأكل صبر الجمل، لذلك كان عرب الجزيرة في الألف الثانية، وقبل وقت تذليل الجمل رعاة في الغالب، وسائط ركوبهم الحمير، ولم يكونوا قد طرقوا البوادي أو توغلوا فيها توغل العرب أصحاب الوبر فيما بعد.

فالجمل أذن هو الذي فتح لأهل جزيرة العرب آفاق البوادي، ووسع البداوة عندهم، حتى جعلها عالماً خاصاً يقابل عالم الحضارة في الجزيرة. وهو الذي صار لهم واسطة لنقل الأموال بالطرق البرية الطويلة التي تربط أجزاء الجزيرة بعضها ببعض، و تربط طرق الجزيرة مع الطرق الخارجية. و بفضل الجمل القادر على تحمل العطش و الصبر على الجوع، و على تحمل الصعاب صار في امكان العرب التنقل إلى مسافات بعيدة من الجزيرة و حمل أثقاله معه. فأستخدم العرب له هو في الواقع ثورة كبيرة في ذلك العهد بالنسبة إلى وسائط النقل و الحمل و في عالم التجارة و الاقتصاد. و من حق العربي إذا ما عبّر عن الغنى إن يعبر بكثرة ما عند الإنسان من إبل.

وقد عرف الجمل بوجود غزيرة الانتقام فيه، و بعدم نسيانه أذى من يؤذيه، لذلك زعم أنه يبقى حاقدا على المسيء إليه حتى ينتقم من و لو بعد زمن طويل, و يظن بأنها من فعل "كَمَلَ" "جَمَلَ" "كامل" "جامل"، أي انتقم، مع أنها تعني "حَمَلَ" أيضا. و قالوا إن معنى " الجمل" "المنتقم" وقالوا إنه سمي بذاك لأنه حيوان منتقم. ومن ثم وصف "أرسطو" و "أربان"، الجمل بأنه حيوان لا ينسى الأذى، سريع الانتقام. وقد يكون لأقوالهما ولأقوال غيرهما في الجمل دخل في تكوّن هذه الفكرة عنه عند الناس حتى اليوم.

الجمل المعروف في جزيرة العرب، هو الجمل ذو السنام الواحد. وهناك نوع من الجمال يقال للواحد منها "الهجين"، وهو الجمل المضرب، ويكون أصغر حجماً من الجمل العربي الأصيل، إلا أنه أسرع عدواً منه. وقد عدّ الجمل عند للعبرانين من موارد الثروة والغنى كذاك، ولذلك عدّ "أيوب" من أغنياء زمانه لأنه كان يملك ألفي جمل، وعد "المديانيون" "أهل مدين" وهم من العرب، أغنياء، لأنهم كانوا يملكون عدداً كبيراً من الجمال.

وللجمل في العربية أسماء كثرة. أما في العبرانية وفي اللغات السامية الأخرى، فلا نجد فيها مثل هد الكثرة. ويقال للجمل "كمل" و "بكرة".ويراد ب "كمل" الجمل. أما "بكرة" فالجمل الصغر. والجمل من أقدم الحيوانات المذكورة في التوراة، وذكر أنه كان لإبراهيم عدد كبير من الجمال. وبالرغم من اشتهار جزيرة العرب بجمال خيلها، وبتربيتها لأحسن الخيل، وبتصديرها لها. فإن الخيل في جزيرة العرب إنما هي من الحيوانات الهجينة الدخيلة الواردة عليها من الخارج، ولا ترتقي أيام وصولها إلى الجزيرة إلى ما قبل الميلاد بكثير. قيل إنها وردت إليها من العراق. ومن بلاد الشام، أو من مصر، وإن وطنها الأصلي الأول هو منطقة "بحر قزوين". وهذا لا تجد في الكتابات الآشورية، أو في "للعهد القدم" أو في المؤلفات "الكلاسيكية"، إشارات إلى تربية الخيل في جزيرة العرب،أو استعمال العرب لها في حلهم وترحالهم وفي حروبهم.

وقد بقي العرب إلى ما بعد الميلاد، بل إلى ظهور الإسلام، لا يملكون عدساً كبيراً من الخيل. وفي غزوات النبي ومعاركه مع المشركين، كان عدد الخيل التي اشتركت في المعارك محدوداً معدوداً، مع أنها كانت مهمة جداً وعدة حاسمة في إحراز النصر. وذلك بسبب قلتها إذ ذاك، وعدم تمكن كل الناس من اقتنائها، إلا من كان موسراً منهم، أو في حال حسنة. فقد كانت تكاليف الخيل، كثيرة لا يتحملها إلا ذوو الدخل الحسن، فالخيل في حاجة إلى عناية ورعاية، وطعامها للمحافظة على صحتها يكلف باهظاً. فلا بد من تقديم الحشائش والحبوب لها ثم إن مجال استعمالها في البادية محدود لأنها لا تستطيع تحمل جوع الصحراء وعطشها تحمل الجمل، كما أنها لا تستطيع السير في رمال البوادي المهلكة المتعبة مسافات بعيدة هذا لم يقبل الأعرابي العادي على شرائها أو تربيتها في تلك الأيام، فصارت من نصيب أهل اليسر والحال الحسنة، يمتلكها ويعتني بها من يملك السيارات في هذه الأيام. كثرتها عند الرجل علامة على ثراء ووجاهته بين الناس.

ونظراً لسرعة الخيل وخفتها في الكر والفر، صارت أهم سلاح لنجاح الغرو وإلحاق الأذى بالعدو، يغير عليها المغير فيباغت خصمه بهجوم سريع خاطف، فيربكه، وهذا أخذت القبائل، ولا سيما القبائل الساكنة في مضارب قريبة من الأرياف ومن الحضر، تشتري الخيل وتعتني بها للمحافظة على حياتها في الدفاع والهجوم. وعدّت القبائل القوية، هي التي تملك عدداً كيرا من الخيل، وصار للفارس مقام خطير في ذلك الزمن، لشجاعته وصبره في الدفاع عن مواطنيه، فهو بمثابة "الكومندو" في هذه الأيام.

واستعملت الخيل للتسلية واللهو واللعب، فتسابق على ظهورها الفرسان في حلبات السباق، وتراهن الناس على السابق، ولعب الفرسان بعض الألعاب: ألعاب الفروسية وخرجوا على ظهورها للصيد، فالصياد للراكب، أقدر من الصياد الراجل على مطاردة الصيد.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق