554
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والثلاثون
مملكة تدمر
حصن "زنوبية"
لم تفكر "الزباء"، على ما يظهر، في نقاط عاصمتها إلى موضع آخر، وقد عملت على تقوية "تدمر" وتحصينها وتجميلها، ومعظم الاثار الباقية فيها هي من أيامها. ولو إن كثيراً من الأبنية التي كانت فيها قبل أيام الملكة قد صيرّت باسمها، غير انها عُنيت عناية فائقة بتحسين عاصمتها ولا شك.وابتنت مدينة على نهر الفرات لحماية حدودها من المشرق عرفت ب "زنوبية" وهو اسمها باليونانية. ويظهر إن هذه المدينة هي التي أشار اليها "الطبري" بقوله: "وكانت للزباء أخت يقال لها زبيبة، فبنت لها قصرآَ حصيناً على شاطىء الفرات الغربي"، فجعل المدينة قصراً، وصيّر اسم المدينة وهو "زنوبية" "زبيبة" وجعله اسم أخت للزباء. وذكر "المسعودي" إن مدائن الزباء على شاطىء الفرات من الجانب الشرقي والغربي، "وكانت فيما ذكر قد سقفت الفرات وجعلت من فوقه أبنية رومية، وجعلته أنقاباً بين مدائنها". وذكر أيضاً انها حفرت سرباً من تحت سريرها وبنته حتى خرج من تحت الفرات إلى سرير أختها. وقد أشير إلى هذا النفق في قصة مقتلها. وذكر "ابن الكلبي" إن أبا الزبّاء اتخذ النفق لها ولأختها، وكان الحصن لأختها داخل المدينة.
وذكر "البكري" إن المدينة التي بنتها الزباء على شاطىء الفرات هي "الخانوقة"، وزعم إن "الزبّاء" "عمدت إلى الفرات عند قلة مائه فسكر، ثم بنت في بطنه ازجاً جعلت فيه نفقاً إلى البرية وأجرت عليه الماء، فكانت اذا خافت عدواً دخلت إلى النفق وخرجت إلى مدينة اختها الزبيبة". وسمى "ياقوت الحموي" تلك المدينة "الزباء"، قال: انها "سميت بالزباء صاحبة جذيمة الأبرش". ودعاها في موضع آخر "عزان" وقال: إنّ في مقابلها على الضفة الثانية من الفرات مدينة تدعى "عدان"، وهي لأخت الزباء.
ويظهر إن هرب "الزبّاء" سراً من نفق سري، يمر من داخل المدينة من معبدها أو من قصر الملكة ومن تحت السور إلى الخارج، هو الذي أوحى إلى أهل الأخبار قصة ذلك النفق الطويل الذي زعموا أن الملكة بنته تحت الأرض من قصرها إلى نهر الفرات، حيث مدينتها الثانية، وهو نفق يجب أن يكون طوله مئات من الأميال. وقد عثرعلى بقايا سراديب وقنوات. تحت أسوار تدمر وقلاعها تشير إلى وجود أنفاق للهرب منها عند الاضطرار، ولكنها لا يمكن أن تكون على شاكلة نفق أهل الأخبار بالطبع.
ولا يستبعد احتمال وجود نفق في حصن "زنوبية" على الفرات أيضاً، ساعد وجوده في تثبيت هذه القصة في رواية الأخباريين.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق