28
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني
الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي
والغريب أن المستشرقين الذين عرفوا بجدهم وبرصهم على الإحاطة بكل ما يرد عن حادث، أهملوا مع ذلك شأن الموارد المذكورة، ولم يأخذوا منها إلا في القليل. ولو راجعوها، لكان ما جاؤوا به عن الجاهلية أضعاف أضعاف ما جاؤوا به وكتبوه، ولكانت بحوثهم أدق وأعمق مما هي عليه الآن.
وفي طليعة من اشتغل برواية أخبار ما قبل الإسلام: عبيد بن شرية،ووهب ابن منبه، ومحمد بن السائب الكلي، وابنه أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلي، وآخرون. وبعض هؤلاء مثل عبيد بن شرية وكعب الأحبار ووهب ابن منبه، قصاص أساطير، ورواة خرافات، وسمر مستمد من أساطير يهود، وأولئك وأمثالهم هم منبع الإسرائيليات في الإسلام.
فأما عبيد بن شرية، فقد كان من أهل صنعاء "في رواية" أو من سكان الرقة "في رواية أخرى". وكان معروفا عند الناس بالقصص والأخبار، فطلبه معاوية، فصار يحدثه بأخبار الماضين. ومن الكتب المنسوبة إليه: كتاب الأمثال، وكتاب الملوك وأخبار الماضين، وقد طبع في ذيل "كتاب التيجان في ملوك حمير" المطبوع بحيدراباد دكن بالهند بعنوان "أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها" وقد وضع الكتاب على الطريقة التي تروى بها الأسمار وأيام العرب، وفيه أشعار كثيرة وضعت على لسان عاد وثمود ولقمان وطسْم وجَديِس والتبابعة، وفيه قصص إسرائيلي وشعبي يمثل في جملته السذاجة وضعف ملكَة النقد، وبساطة القص والقصة، ومبلغ علم الناس في ذلك الوقت بأخبار الأوائل.
وقد حصل "كتاب الملوك وأخبار الماضين" على شهرة بعيدة، وطلب في كل مكان، وكثرت نسخه، ومع هذه الكثرة اختلفت نسخه، حتى صعب العثور على نسختن متشابهتين منه. وقد نقل الهمداني "المتوفى سنة 334 للهجرة" بعض الأخبار المنسوبة إلى عبيد. ولمَا نقله، أهمية كبيرة في تثبيت مؤلفات عبيد، إذ يمكن مقابلته بما نشر، وَمطابقته بما طبع، فيمكن عندئذ معرفة ما إذا كان هناك اتفاق أو اختلاف. ويمكن عندئذ تعيين هوية المطبوع.
والطابع الظاهر على أخبار عبيد، هو طابع السمر والقصص والأساطير المتأثرة بالإسرائيليات. وأما الشعر الكثير الذي روي على أنه من نظم التبابعة وغيرهم، وفيه قصائد طويلة، فلا ندري أمن نضمه أم من نظم أشخاص آخرين قالوها على لسان من زعموا أنهم نظموها، أو إنها أضيفت فيما بعد إلى الكتاب ونسبت روايتها إلى عبيد? وعلى كل فإنها تستحق توجيه عناية الباحثين إلى البحث عن زمن ظهورها وأثرها في عقلية أهل ذلك الزمن.
وأما "وهب بن منيه"، فقد كان من أهل "ذمار"،وكان قاصاً أخبارياً، من الأبناء، ويقال انه كان من أصل يهودي، واليه ترجع أكثر الإسرائيليات المنتشرة في المؤلفات العربية. وقد زعم أنه كان ينقل من التوراة ومن كتب بني إسرائيل، وانه كان يقول: "قرأت من كتب الله تعالى اثنين وسيعين كتابا"، وانه كان يتقن اليونانية والسريانية والحمرية، ويحسن قراءة الكتابات القديمة الصعبة التي لا يقدر أحد على قراءتها. قال المسعودي: "وجد في حائط المسجد لوح من حجارة، فيه كتابة باليونانية، فعرض على جماعة من أهل الكتاب فلم يقدروا على قراءته، فوجّه به إلى وهب بن منبه، فقال: هذا مكتوب في أيام سليمان بن داوود، عليهما السلام، فقراه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. يا ابن آدم، لو عاينت ما بقي من يسير أجلك: لزهدت فيما بقي من طول أملك، وقصرت عن رغبتك وحيلك، و إنما تلقي قدمك ندمك إذا زلّت بك قدمك، وأسلمك أهلك، وانصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، ثم صرت تدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد، فاغتم الحياة قبل الموت، والقوة قبل الفوت، وقبل أن يؤخذ منك بالكظم، ويحال بين ك وبين العمل. وكتب في زمن سليمان بن داوود".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق