26
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني
الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي
والرأي عندي أن علمنا بأسلوب التأريخ عند الفرس: كيفية عرضه وطرقه وتبويبه علم نزر، لأن ما وصل إلينا من كتبهم معدود محدود، وما ورد فيه سير ملوكهم وأيامهم وما نجده مترجماً ومنشوراً في المؤلفات العربية، هو مم نوع القصص الذي يغلب عليه الطابع الأدبي، فيه أدب السلوك ومواعظ الحكم وأقوال في الحكمة، وحتى القسم المتصل منه بالتأريخ قد وضع بأسلوب عاطفي أدبي. ومن هنا ابتعد عن أسلوب المؤرخين اليونان واللاتين، وعن أسلوب المؤرخين الذين ظهروا بعد الميلاد. وقد يكون لاختلاف الذوق دخل في اختلاف الأسلوبين. ومهما يكن من أمر فأنا لا أريد أن أكون متسرعاً عجولاَ في إصدار حكم على فن التأريخ عند الفرس، فابغض الأشياء إليّ التسرع في إصدار الأحكام في التاًريخ، ومن الحكمة وجوب التريث و الانتظار، فلعل الأيام تتحفنا بتواريخ فارسية، ترينا أن للفرس رأياً أصيلاً في التأريخ، وأن لهم طريقة المؤرخين في تدوين تأريخ العالم وتأريخ بلادهم وفي تدوين سير الملوك والأشخاص، وأنهم كانوا قد عينوا مراسلين يلازمون جيوشهم لتدوين أخبار الحروب، كما فعل الروم، ولكن بعقلية مستقلة لم تتأثر بطريقة اليونان واللاتين.
ويكاد يكون أكر ما دوّن عن "الغساسنة" في المؤلفات العربية الإسلامية مأخوذا من الروايات الواردة عن ملوك الحيرة وعرب الحيرة، أنداد الغساسنة، ولذلك لم تكن في جانبهم، وتكاد تلك الأخبار ترجع في الغالب إلى شخص واحد، تخصص بأخبار الحيرة وملوك الفرس، هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو الذي روى هذه الأخبار اعتماداً على بحوثه الخاصة، وعلى البحوث و الدراسات التي قام بها والده من قبله. ويجب أن نجعل لهذه الملاحظات الاعتبار الأول في تدوين تاريخ الغساسنة. وقد وردت أخبارهم في الطبري مع أخبار ملوك الحيرة والفرس لهذا السبب. و أما في سائر الأصول التاريخية الأخرى، فهي مقتضبة، وشد اكتفى بعض المؤرخين بإيراد جريدة بأسماء الملوك، وهو عمل ينبئك بقلة بضاعة القوم في تاريخ عرب الشام. وعلى كل حال، فإننا نجد في كتب الأدب وفي دواوين الشعر عوناٌ لنا في تدوين، تاريخ غسان، قد يسد بعض الفراغ في تاريخ هذه الإمارة، وان كان ذلك كدّ لا يكفي، بل لابد من الاستعانة بأصول أعجمية من يونانية وسريانية، ففيها مواد عن نواح مجهولة من هذا التاريخ، كما أنها تصحح شيئا مما ورد في الموارد العربية مهن أغلاط. ولقد تأثرت روايات "ابن الكلي" بطابع التعصب لأهل الحيرة على الغساسنة، لاعتماده على روايات أهل الحيرة وعلى أهل الكوفة في سرد تاريخ الغساسنة،وقد كان ملوك الحيرة أنداداً لملوك الغساسنة، ولهذا تتعارض رواياته وروايات من استقى من هذا المورد مع روايات علماء اللغة والأدب والشعر الني وردت استطراداً عن أهل الحيرة أو الغساسنة، وذلك في أثناء شرحهم لفخمة أو بيت شعر أو قصيدة أو ديواناً أو حياة شاعر كانت له علاقة بالحيرة أو بالغساسنة، أو عن قصة من القصص، وما شاكل ذلك. ومرجع أولئك الروايات العربية الخالصة، وقد استمدت من رجال كانوا شاهدي عيان،أو رووا ما سمعوه من أفواه الناس، ويمكن إدراك اتجاهها وميولها بوضوح، ولهذا تجب الموازنة بين الروايتين.
أما روايات أهل "يثرب" أي "المدينة"، فهي في مصلحة الغساسنة في الأكثر، وقد كانوا على اتصال دائم بهم.ولهم تجارات معهم، وكان شعراؤهم يفتخرون بانتسابهم هم وآل غسان إلى أصل واحد و دوحة واحدة هي الأزد. وهذا يستحسن التفكر في هذا الأمر بالنسبة إلى روايات أهل المدينة، ولا سيما أخبار حسان بن ثابت الأنصاري عن أل غسان.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق