19
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني
الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي
الموارد العربية الإسلامية
وأعني بها الموارد التي دوّنت في الإسلام وقد جمعت مادتها عن الجاهلية من الأفواه، خلا ما يتعلق منها بأخبار صلات الفرس بالعرب وبأخبار آل نصر وآل غسان وبأخبار اليمن المتأخرة، فقد أخذت من موارد مرتبة يظهر انها كانت مكتوبة كما سأتحدث عن ذلك.
والموارد المذكورة كثيرة، منها مصنفات في التاريخ، ومنها مصنفات في الأدب بنوعيه: من نثر ونظم، ومنها كتب في البلدان والرحلات والجغرافيا وفي موضوعات أخرى عديدة، هي وإن كانت في أمور لا تعد من صميم التاريخ، إلا أنها مورد من الموارد التي يجب الاستعانة بها في تدوين تاريخ الجاهلية، لأنها تتضمن مادة غزيرة تتعلق بتاريخ الجاهلية القريبة من الإسلام والمتصلة به، لا نجد لها ذكرا في كتب التاريخ، فلا بد لمؤرخ الجاهلية من الأخذ منها لاتمام التاريخ.
الحق، إننا إذا أردنا البحث عن مورد يصور لنا أحوال الحياة الجاهلية، ويتحدث لنا عن تفكير أهل الحجاز عند ظهور الإسلام، فلا بد لنا من الرجوع إلى القرآن الكريم ولا بد من تقديمه على سائر المراجع الإسلامية، وهو فوقها بالطبع. ولا أريد أن أدخله فيها، لأنه كتاب مقدس، لم ينزل كتاباً في التاريخ أو اللغة أو ما شاكل ذلك، ولكنه نزل كتاباً عربياً، لغته هي اللغة العربية التي كان يتكلم بها أهل الحجاز، وقد خاطب قوماً نتحدث عنهم في هذا الكتاب، فوصف حالتهم، وتفكيرهم وعقائدهم، ونصحهم وذكّرهم بالأمم والشعوب العربية الخالية، وطلب منهم ترك ما هم عليه، وتطرق إلى ذكر تجاراتهم، وسياساتهم وغير ذلك. وقد مثلهم أناس كانت لهم صلات بالعالم الخارجي، واطلاع على أحوال من كان حولهم. وفيه تفنيد لكثير من الآراء المغلوطة التي نجدها في المصادر العربية الإسلامية. فهو مرآة صافية للعصر الجاهلي، وهو كتاب صدق لا سبيل إلى الشك في صحة نصه.
وفي القرآن الكريم ذكر ليعض أصنام أهل الحجاز، وذكر لجدلهم مع الرسول في الإسلام وفي الحياة وفي المثل الجاهلية. وفيه تعرّض لنواح من الحياة الاقتصادية والسياسية عندهم، وذكر تجارتهم مع العلم الخارجي، ووقوفهم على تيارا السياسة العالمية، وانقسام الدول إلى معسكرين، وفيه أمور أخرى تخص الجاهلية وردت فيه على قدر ما كان لها من علاقة بمعارضة قريش للقرآن والإسلام. و كل ما ورد فيه دليل على أن صورة الإخباريين التي رسموها للجاهلية، لم تكن صورة صحيحة متقنة، وأن ما زعموه من عزلة جزيرة العرب، وجهل العرب وهمجيتهم في الجاهلية الجهلاء، كان زعماً لا يؤيده القرآن الكريم الذي خالف كثيراً مما ذهبوا إليه.
والتفسير، مصدر آخر من المصادر المساعدة لمعرفة تاريخ العرب قبل الإسلام وفي كتب التفسير ثروة تأريخية قيمة تفيد المؤرخ في تدوين هذا التاًريخ، تشر ما جاء مقتضباً في كتاب الله، وتبسط ما كان عالقاً بأذهان الناس عن الأ التي سبقت الإسلام، وتحكي ما سمعوه وما وعوه عن القبائل العربية البائدة ورد لها ذكر مقتضب في السور،وما ورد عندهم من أحكام وآراء ومعتقدات.
ولكن كتب التفاسير -ويا للأسف - غير مفهرسة ولا مطبوعة طبعاً حديثا، وهي في أجزاء ضخمة عديدة في الغالب، ولهذا صعب على الباحثين الرجوع أليها لاستخراج ما يحتاج إليه من مادة عن التأريخ الجاهلي، حتى إن المستشرقين المعروفين بصبرهم وبجلدهم وبعدم مبالاتهم بالتعب، لم يأخذوا من معين الا قليلاّ، مع أن فيها مادة غنية عن نواح كثيرة من أمور الجاهلية المتصلة بالإسلام.
كتب الحديث وشروحها، هي أيضاً مورد غني من الموارد التي لا بد منها لتدوين أخبار الجاهلية المتصلة بالإسلام، إذ نجد فيها أموراً تتحدث عن نواح عديدة من أحوال الجاهلية لا نجدها في مورد آخر. فلا مندوحة من الرجوع اليها والأخذ منها في تدوين تاًريخ الجاهلية. ولكن أكثر من بحث في التأريخ الجاهلي لم يغرف من هذا المنهل الغزير، بسبب عدم انتباههم لأهميته في تدوين تأريخ عرب الحجاز عند ظهور الإسلام، فعلينا نحن اليوم واجب الأخذ منه لنزيد علمنا بتأريخ هذه الجاهلية المتصلة بالإسلام.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق