169
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السَّادس عَشِر
العرب والعبرانيون
وكان "جشم" العربي، من أشد المعارضين لبناء السور،ولتحصين القدس، وذلك لأنه كان يرى في هذا العمل إعادة لدولة "يهوذا" ولتنصيب "نحميا" ملكاً على "أورشليم". وقد صرح برأيه هذا إلى "نحميا" في رسالة وجهها إليه نقل "نحميا" منها هذه الكلمات: "وجشم يقال: أنلك أنت واليهود تفكرون إن تتمردوا، لذلك أنت تبني السور لتكون لهم ملكاً بحسب هذه الأمور. وقد أقمت أيضاً أنبياء لينادوا بك في أورشليم قائلين في يهوذا ملك".
وما كان "جشم"، ليعارض بناء أسوار القدس ووضع الأبواب لها، وإعادة حكومة "يهوذا" التي قضى عليها البابليون إلى الوجود لو لم يكن صاحب سلطان وحكم في أرضين تجاور القدس، وهذا رأى في إعادة الملكة إلى القدس عاصمة ملكة "يهوذا" المنقرضة، تهديداً له ولمن تحالف معهم على مقاومة هذا المشروع.
و "جشم" "Geschem" اسم من الأسماء العربية المعروفة. وفي القبائل العربية قبيلة يقال لها "جشم"، وهي من قبائل "بني سعد"، وهو أيضاً "جشم" من أسماء الرجال. ويرد بصورة: "جشم" في الكتابات النبطية. ولم يشر "نحميا" إلى موطنه ومكانه، ولذلك لا ندري أين كان. وقد ذهب بعض الباحثين في التوراة إلى إنه كان من أهل "السامرة" "Samaria"، وذهب بعض آخر إلى إنه كان من أهل المناطق الجنوبية من "يهوذا" وأنه كَان رئيس قبيلة فيها.
وذهب بعض، الباحثين إلى أن "جشم بن شهرو" "جشم بن شهر"، هو "جشم" المذكور في التوراة. وهو أحد ملوك قبيلة "قيدار" "قدار" "قدرو". وهو الذي عارض "نحميا" في سنة "444" قبل الميلاد في إعادة بناء سور "أورشليم". وقد كانت "قيدار" ملكة تسيطر على أرض تمتد من "دلتا" النيل إلى حدود مملكة "يهوذا" فجنوب "ديدان" بحوالي "21" كيلومتراً نحو الجنوب في الحجاز، أما في الغرب فتصل حدودها بالبادية. فملك "قيدار" وهو "جشم بن شهر"، كان إذن هو المعارض لبناء السور، وفي معارضته هذه دلالة ولا شك على مقاومته لمحاولة إعادة دولة إسرائيل،من بعد السبي.
ويظن أن الإناء الذي عثر عليه بصير في موضع يقع على مسافة اثني عشر ميلاً إلى غرب الإسماعيلية، وقد دُون عليه اسم شخص يدعى "قينو بن جشم ملك قيدار"، هو ابن "جشم" المعاصر "لنحميا". وعلى ذلك يكون أحد ملوك "قيدار".
وقد كانت "طور سيناء" منذ القديم أرضاً يسكنها العرب، حتى في أيام داوود وسليمان. ونجد أن رسالة "القديس بولس" إلى أهل غلاطية تجعل جبل سيناء في ديار العرب، وتذكر أن "طور سيناء" موطن أبناء هاجر، أي العرب. كما تجد أن النقب ووادي عربة كانا من مواطن الأعراب. وقد كان أعراب "جشم" وغيره ينتقلون وينزلون في هذه المواطن وعلى مقربة من القدس.
وفي هذا العهد وصل الاتجار بين فلسطين وبين العربية ذروته. فعثر على مواد كثيرة في مواضع متعددة من فلسطين استوردت من العربية الجنوبية. كما عثر في حضرموت على آثار تدل على إنها استوردت من فلسطين وبلاد الشام. وقد كانت حاصلات العربية الجنوبية هي من أهم السلع المطلوبة في فلسطين. ترسل، إليها عن طريق البرّ على ظهور الجمال.
ومنذ عهد "نحميا" أي أوسط القرن الخامس قبل الميلاد، أخذ العبرانيون ينظرون نظرة عداء إلى العرب، ويعدّونهم في الجماعات المعادية لهم. وذلك مما يدل على اتخاذهم موقفاً موحداً ضد العبرانيين وعلى توغلهم في فلسطين في المناطق التي حكمتها حكومتا "إسرائيل" و "يهوذا"، ولهذا اشتدت مقاومة العرب للعبرانيين واتحدوا مع الشعوب الأخرى في. قاومتهم، وفي منعهم من إعادة تكوين حكومة يهودية في هذه البلاد.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق