141
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع عشر
العرب في الهلال الخصيب
ويلاحظ كثرة عدد العجلات المستخدمة في المعركة بالنسبة إلى تلك الأيام. وهذه الأرقام ليست بالطبع أرقاماً مضبوطة، فقد عودنا الملوك الأقدمون المبالغة في ذكر العدد، والتهويل في تدوين أخبار المعارك والحوادث، للتضخيم من شأنهم وللتعظيم، وتلك عادة قديمة، نجدها عند غير الآشوريين أيضاً.
و "جنديبو" اسم من الأسماء العربية المعروفة، هو "جندب". ويكون هنا الاسم أول اسم عربي يسجل في الكتابات الآشورية. ولم يشر "شلمنصر" إلى أرضه والمكان الذي كان يحكم فيه. غير إن القرائن تدل على انها كانت في أطراف البادية، ويرى "موسل" إنها كانت تقع في مكان ما جنوب مملكة "دمشق". وأرى إنه كان ملكاً على غرار الملوك سادات القبائل مثل ملوك الحيرة والغساسنة، حكم على قبائل خضعت لحكمه وسلطانه، وكان يتناول الإتاوات من الحكومات الكبيرة مقابل حماية حدودها من الغارات والاشتراك معها في الحروب.
وقد أبلغنا "شلمنصر" الثالث "858 - 824 ق. م." أيضاً، إنه زحف في الجنوب، نحو أرض "كلدو"، أي أرض الكلدانيين، فاستولى عليها وتوغل بعد ذلك نحو الجنوب حتى بلغ "البحر المر" "البحر المالح" "Nar Marratu" أي الخليج العربي، فقهر كل السكان الذين وصلت جيوشه إليهم. ويظهر إنه بلغ حدود الكويت فاتصل بذلك جزيرة العرب وبقبائل عربية ساكنة في هذه الأرضين.
و في السنة الثالثة من حكم "تغلث فلاسر" "تغلاتبلاسر الثالث" "Tiglath Pileser" "745- 727 ق.م." تقريبا، دفعت ملكة عربية اسمها "زيبي" الجزية إلى هذا الملك. و كانت تحكم "أريبي"، أي العرب. و لم يتحدث النص الذي سجل هذا الخبر عن مكان الاعراب أباع "زبيبي".
%577 و قد ذهب "موسل" إلى انه "أدومو" "Adumu"، أي "دومة" "دومة الجندل"، و ذهب أيضا إلى إن الملكة كانت كاهنة على قبيلة "قيدار" "Kedar". و "زبيبي"، هو تحريف لأسم "زبيبة"، و هو من الاسماء العربية المعروفة.
و يحدثنا هذا الملك أيضا أنه في السنة التاسعة من ملكه، قهر ملكة عربية أخرى اسمها "سمسي" "شمسي" "Shamsi"، و اضطرها إلى دفع الجزية له بعد أن تغلبت عليها جيوش آشور. و يدعي أنها حنثت بيمينها وكفرت بالعهد الشي قطعته للإلَه العظيم "شماش" "Schamash" بألا تتعرض للآشوريين بسوء، وبأن تخلص لهم، فانتصر عليها، واستولى على مدينتين من مدنها، وتغلب على معسكرها، فلم يبق أمامها غير الخضوع والاستسلام وتأدية الجزية إبلاً: جمالاً ونوقاً.
والظاهر إنها انضمت إلى ملك دمشق في معارضته للآشوريين، وتعرضت لقوافل آشور، فجهز الملك عليها حملة عسكرية تغلبت عليها. ولضمان تنفيذ مصالح الآشوريين، قرر الملك تعيين "قيبو" أي مقيم أو مندوب سام آشوري لدى بلاطها، لإرسال تقاريره إلى الحاكم الآشوري العام في سورية عن نيات الملكة واتجاهات الأعراب، وميول قبيلتها، ولتوجيه سياسة الملكة على النحو التي تريده "آشور".
وقد ذكر النص الآشوري أن الملكة أصيبت بخسائر فادحة جداً، وهي ألف و مئة رجل، وثلاثون ألف جمل، وعشرون ألف من الماشية، وهي أرقام بولغ فيها جداً، ولا شلك.
ويذكرنا اسم الملكة "شمسي" "سمسي" باسم عربي هو "شمس" أو "شمسة". و "شمسة" من الأسماء العربية القديمة التي ما تزال حية. وقد كان في المدينة امرأة نصرانية اسمها "شمسة"، أسلمت على يدي الحسن بن علي بن أبي طالب فحرف الآشوريون الاسم وفْقَ لطقهم وكتبوه على هذا الشكل. وقد صوّر على اللوح الذي ورد فيه خبر الانتصار المذكور، منظر فارسين آشوريين يحملان رمحين، يتعقبان أعرابياً راكبا جملاً، وتحت أعقاب الفرسين وأمامهما جثث الأعراب الذين خروا صرعى على الأرض. وصوّر شعرهم طويلا وقد عقد إلى الوراء، وأما اللحى فكثة، وأما أجسامهم فعارية إلا من مئزر شدّ بحزام. وقد حرص الفنان على تصويره الأعرابي الراكب قريباً جداً من الفارسين" مادّاً يده اليمنى اليهما متوسلاً ومسترحماً ومستسلماً، وصورت الملكة "سمس" "شمسي" "سمسي" حافية، ناشرة شعرها، تحمل جرة من الجرار الاحدى عشرة المقدسة، بعد أن أضناها الجوع والتعب في فرارها إلى "بازو"، وقد خارت قواها المعنوية.
وورد في الكتابة الآشورية أن الملكة أرسلت وفداً إلى ملك آشور لمصالحته واسترضائه، ضم عدداً من سادات قبيلتها وأتباعها، منهم "يربع" "يربأ" "Jarapa"، وكان رئيس الوفد، و "تمرنو" "حترنو" "Hataranu" و "جنبو" "Ganabu"، و "تمرنو" "Tamranu".وهي أسماء عربية لا غبار عليها، كتبت بحسب النطق الآشوري. ف "Jarapa" مثلاً، يمكن أن يكون أصله "يرفع" أو "يربع" أو يربوع، و "Hataranu" جائُز إنه "خاطر" أو "خطر"، و "Ganabu" جائز إنه جناب أو "جنب"، و "Tamranu" جائز إنه "يمر" أو "تمار" أو ما شابه ذلك. ولا أرى بنا حاجة إلى ذكر أمثلة عديدة وردت فيها أسماء من مثل "يربوع" "جناب" و "جنب" وأمثال ذلك لدى الإسلاميين.
وبعد أداء "شمس" الجزية إلى ملك آشور، دفعت عدة قبائل وشعوب عربية الجزية إليه. وقد جعل بعض الباحثين ذلك في حوالي سنة "738 ق م" وجاء في الترجمة العربية لكتاب "حتي" إن ذلك كان في عام "728 ق م" و إذا كان أداء العرب المذكورين الجزية في السنة التاسعة من حكمه، فيجب أن تكون السنة سنة "736 ق.م." تقريباً، لأن حكم الملك كان في "745 ق.م.". وقد ذكر الملك إنه تسلم الجزية ذهباً وفضة وإبلاً وطيوباً من "مساى" "مسأى" "Mas'a" و "تيما" و "سبأ" "سبا" و "خيابة" "خيابه" "Hajappa" "Hayapa" "Hajappa" و "بطنه" "Batana" "Badana" و "خطي" "Hatta" "Hatti" و "أدبئيل" "Ibida'il". و قد ورد إنها كانت تقطن في أرضين تقع في الغرب في أماكن بعيدة. ويقصد إنها كانت غرب آشور، والغالب إنه كان يريد من قوله: في مواضع بعيدة، البادية حيث يصعب الوصول إليها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق