102
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن
طبقات العرب
ثمود
ويرد اسم ثمود في الكتب العربية مقروناً باسم "عاد"، وبعد هذا الاسم في الغالب، والروايات العربية الواردة عنهم لا تعرف من تأريخهم شيئاً، إنما روت عنهم قصصاً أوردتها لمناسبة ما ذكر عنهم في القرآن الكريم على سبيل العظة والاعتبار والتذكير. وقد وردت إشارات عنهم في الشعر الجاهلي.
وجاء اسم "ثمود" في مواضع عديدة من القرآن الكريم، جاء منفرداً، وجاء مقروناً باسم شعوب أخرى مثل قوم "نوح" وقوم "عاد"، فبدأ بقوم نوح ثم عاد ثم ثمود. وجاء مع ثمود في موضعين "أصحاب الرسّ"، جاءوا بعد "ثمود" كما جاء اسمهم قبل "ثمود". وورد أيضاً ذكر قوم "لوط" و "أصحاب الأيكة"، وقد تقدم في هذا الموضع اسم "ثمود"، ودعت الآية أولئك: )الأحزاب(، كما ورد ذكر "ثمود" مع "عاد". وقد تقدم اسم "عاد" على ثمود إلا في آية واحدة تقدم فيها اسم ثمود على اسم "عاد": )كذبت ثمود وعاد بالقارعة(، وورد اسم "ثمود" في آيات أخرى من القرآن الكريم.
وقد ذكر الطبري إن شعراء الجاهلية ذكرت في شعرها عاداً وثمود، وان أمرهما كان معروفاً عند العرب في الشهرة قبل الإسلام، وأن من يظن أن الجاهليين لم يكونوا يعرفون عاداً أو ثموداً فإنه على وهم وخطا.
ويظهر من ورود ذكر "ثمود" في مواضع متعددة من القوآن، لتهيب "الكفار" من العاقبة التي آلت إليها حالة "ثمود" بعد أن استحبّوا العمى على الهدى، واستمروا بطغواهم كما استمر طغيان "فرعون" وقوم "مدين" وغيرهم ممن ذكرناهم، أن الجاهليين كانوا يعلمون مصير ثمود ومصير عاد الذي كان من نوع مصير ثمود، وأنهم كانوا يعرفون منازلهم كالذي يظهر بجلاء من الآية: )وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم( معرفة جيدة، ولم يعين القرآن الكرم موضع منازل "ثمود"، وإنما يظهر من آية: )وثمود الذين جابوا الصخر بالواد(، أن مواضعهم كانت في مناطق جبلية، أو في هضاب ذات صخور. وقد ذكر المفسرون إن معنى "جابوا الصخر" قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتاً، وأن "الواد" هو وادي القرى. فتكون مواضع ثمود في هذه الأماكن. وقد عين أكثر الرواة "الحجر" على أنه ديار ثمود، وهو قرية بوادي القرى. وقد زارها بعض الجغرافيين وعلماء البلدان والسياّح، وذكروا أن بها بئرا تسمى بئر "ثمود"، وقد نزل بها الرسول مع أصحابه في غزوة "تبوك". وقد ذكر السعودي أن منازلهم كانت بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الحبشي، وديارهم بفج الناقة، وأن بيوتهم منحوتة في الجبال، وأن رممهم كانت في أيامه باقية، وآثارهم بادية، وذلك في طريق الحاج لمن ورد الشام بالقرب من وادي القرى.
وينسب النسابون ثمود إلى "ثمود بن جاثر أو كاثر بن إرم بن سام بن نوح"، ويكتفي بعضهم بإرجاع نسبهم إلى عاد، فيقولون عنهم إِنهم من بقية عاد. وينسبهم بعض آخر إلى "عابر بن إرم بن سام بن نوح"، وزعموا أن ثمود هو أخو جديس.
وقد استطاع المستشرقون التعرف على الثموديين من الكتابات والمؤلفات "الكلاسيكية"، فوجدوا اسم ثمود في النصوص الآشورية: وجدوه في نص من نصوص "سرجون الثاني"، مع أسماء شعوب أخرى سوف أتحدث عنها. وقد دعوا ب "Tamudi" "Thamudi" وذلك بمناسبة معركة جرت بين الآشوريين وبين هذه الشعوب، انتصر فيها الآشوريون، كما وجدوه في النصوص و الكتابات الثمودية، مواضع متعددة من جزيرة العرب، وفي النصوص "الكلاسيكية" حيث عرفوا باسم "Thamudeni" "Thamudenoi" "Thamydenoi" "Thamyditai".
ولقد وصف مؤلف كتاب: "الطواف حول البحر الإريتري" مواضع الثمودين "Thamudeni" مستنداً إلى مورد آخر، اْخذ منه، أقدم عهداً منه. فذكر "أن ""Thamudeni"، كانوا يقيمون على ساحل صخري طويل، لا يصلح لسير السفن، وليست فيه خلجان تستطيع أن تأوي أليه القوارب فتحتمي بها من الرياح، ولا ميناء تتمكن من الرسو فيه، ولا موضع أو جزر عنده تقبل أليه القوارب الهاربة من الأخطار. فيظهر من وصف هذا المؤلف أن مواطن ثمود كانت في الحجاز على ساحل البحر الأحمر.
وقد ذكر هذا الوصف، ولكن بشيء من التحوير "ديودورس". وأما "بلينيوس"، فذكر "Thamudaei" بين "Domata" "Haegra" مدينة دعاها "Badanatha" "Baclanza". وأما "بطلميوس"، فقد جعل قوم ثمود ""Thamuditae"" ""Thamudeni"" بين ا ل "Sarakenoi" و بين "Apatae" ويظهر من كل ذلك أن ديارهم في شمال غربي "العربية السعيدة"، أي في المواضع التي عينتها المصادر العربية.
يظهر من جغرافية "بطلميوس" اذن، أن ديار ثمود كانت غير بعيدة عن ديار "عاد"، ليس بينهما وبين ديار عاد "Oaditae" إلا ديار "سره كيني" "Sarakeni" وكلها في أعالي الحجاز في هذه المنطقة الجبلية التي تخترقها الطرق التجارية التي توصل الشام ومصر بالحجاز واليمن. وفي هذا تأييد للروايات العربية القائلة إن ديار ثمود كانت على مقربة من ديار عاد. فإذا كانت "الحجر" وما والاها هي مواطن ثمود: وجب أن تكون ديار "عاد" على مقربة من هذه ا لمواضع.
وأما تأريخ قوم "ثمود"، فيه ود إلى ما قبل الميلاد بزمان. وقد ذكرتُ قبل قليل أنهم كانوا في جملة الشعوب التي حاربت الآشوريين في عهد "سرجون الثاني"، وقد ذكر هذا الملك في النصوص التأريخية التي سجلها، أنه تغلب عليهم، وانه أجلاهم من مواطنهم إلى "السامرة" "Samaria". ولم يكن أولئك الثموديون الذين حاربوه من أبناء الساعة، بل لا بد أن يكون لهم أسلاف عاشوا قبلهم عدة قرون.
وقد عرفت المنطقة التي حارب بها قوم ثمود والشعوب الأخرى الآشوريين باسم "بري" "Bari"، ويظهر أنها تعني لفظة "بر" و "برية" العربية، أي "البادية" فحرّفت إلى "بري" على وفق الآشوري.
ويرى بعض الباحثين أن آخر ذكر ورد في الوثائق لقوم "ثمود" كان في القرن الخامس للميلاد " حيث ورد أن قوماً منهم كانوا فرساناً في جيش الروم.
وقد كان الثموديون يقطنون بعد الميلاد في مواطنهم المذكورة في أعالي الحجاز في "دومة الجندل" و "الحجر" وفي غرب "تيماء". وقد ذكر أنهم كانوا يمتلكون في منتصف القرن الثاني للميلاد حَرّتَيْ "العوارض" و "الأرحاء". ويرى "دوتي" أن "الحجر" التي سكن بها قوم ثمود، هي موضع "الخريبة" في الزمن الحاضهر، لا "مدائن صالح" التي هي في نظره "حجر" النبط. وتقع "مدائن صالح"، وهي عاصمة النبط، على مسافة عشرة أميال من موضع"الخريبة".
ولم يرد في الموارد العربية الإسلامية، ما يفيد وجود قبائل ثمودية قبيل الإسلام، أو في الإسلام، غير ما ذكره بعضهم من نسب "ثقيف" الذي رجعوه إلى ثمود؛ ولكن ذلك لم يرض الثقفين. فقد كان الحجاج بن يوسف يكذب ذلك، والظاهر أن أعداء ثقيف ولا سيما معارضي الحجاج وضعوا ذلك على ثقيف بغضاً للحجاج، الذي كان قاسياً عاتيا شديداً. وقد روى "دوتي" أن بدو نجد يذكرون أن قبيلة "بني هلال" هي من نسل عاد وثمود.
% ونجد في كتاب: "Mission archeologique en Arabie" لمؤلفيه "Jaussen" "Savignac"، عدداً من الكتابات الثمودية، عثرا عليها في "العلا" وفي مواضع أخرى من الأرضين التي هي اليوم في المملكة الأردنية الهاشمية وفي أعالي الحجاز من المملكة العربية السعودية، كما عثر غيرهما قبلهما وبعدهما على عدد آخر، أغلبه من هذه للكتابات القصيرة، التي كتبت على مختلف الأحجار، بالمناسبات، مثل تذكّر شخص،أو تسجيل الهمم لمناسبة وجود صاحبه في هذا المكان، كما يفعل كثير من الناس في أيامنا.
وتمكن "لانكستر هاردنك" محافظ مديرية الآثار العتيقة في المملكة الأردنية الهاشمية من تصوير ما يزيد على خمسمائة كتابة ثمودية أرسلها إلى المستشرق "أنوليتمان"، يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، ويعود قسم منها إلى ما بعد الميلاد، ومن بينها نص أرخ بسنة "267" للميلاد، ونص آخر رسمت فيه دائرة في داخلها صورة تشبه الصليب، وكتابة قرأها المستشرق "أنوليتمان": "يشوعة" أو "ليشوعة"، أي "ليسوع"،وهو النصر الذي رُقم ب "476". والظاهر إن صاحبه كتبه تيمناً باسم المسيح، ولا يعرف تأريخه بالضبط. ويعتقد "ليتمان" انه أقدم شاهد عرف حتى ألان عن انتشار النصرانية في شمال جزيرة العرب. وقد قراها المستشرق "فان دين برندن": "بوايوب" أي "لأيوب"، أو "بأيوب"،أو "أبوب".وبالجملة فان العلماء لم يتمكنوا من ترجمة تلك الكتابات ترجمة صحيحة حتى الآن.
وفي المتاحف الأوروبية وفي مكتبات بعض الجامعات وفي أوراق المستشرقين مجموعة من النصوص الثمودية، جميعها في أمور شخصية وفي موضوعات دينية وأدعية لآلهة ثمود. وأما المناطق التي وجدت فيها هذه النصوص، أو أخذت صورها، فهي مناطق "حائل" بنجد، وأرض "تبوك" وتيماء ومدائن صالح والسلاسل الجبلية الممتدة بين هذه المنطقة والحجاز، وعثر في الطائف على بعض النصوص الثمودية أيضاً وفي السواحل الحجازية الشمالية للبحر الأحمر عند "الوجه" وفي "طور سيناء" وفي "الصفا" شرقي دمشق وفي مصر. وفي "الحرة" و "الرحبة" وفي شمال غربي تدمر.
وقد عثر على نقوش ثمودية في اليمن، وبدل وجود هذه الكتابات هنالك على وجود صلات بين اليمن وثمود، ولعلهم كانوا يقيمون في اليمن كذلك. وقد عثرت البعثة المصرية التي زارت اليمن على مخربشات ثمودية في "حجر المعقاب" عند جبل "حليل" على مسافة ليست بعيدة من "بيت حميد" بوادي شرع بالخارد.
ويشك المستشرق "هوبرت كريمه" "Hubert Grimme" في صحة نسبة كثير من هذه النصوص إلى ثمود، ويرى أنها لأناس غيرهم، إذ لا دليل علمياً هناك يثبت كون هذه النصوص تعود إلى هؤلاء.
وهناك عدد غير قليل من هذه النصوص إلى ثمود، ويرى أنها لأناس غيرهم، إذ لا دليل علميا ًهناك يثبت كون هذه النصوص تعود إلى هؤلاء.
وهناك عدد غير قليل من النصوص الثمودية يعود عهدها إلى العهد النبطي، ويشغل حيزاً من الزمن يقع بين حوالي مئتي سنة قبل المسيح وثلاث مئة سنة بعده، وتمتزج في مثل هذه النصوص الثمودية بالنبطية، وقد عثر على بعض نصوص نبطية في الحجاز ظن أنها نصوص ثمودية، مثل نص: Hu.418 =Eu. 772 ، ونص آخر يعود إلى سنة 267 للميلاد.
إلاّ أن هناك نصوصاً ثمودية يظهر عليها أثر عبادة "صلم" "Salm". وقد كانت "تيماء" من أهم الأماكن التي كانت تقدس هذا الإله حوالي سنة )650( ق. م.، ويرمز أهل تيماء إلى "صلم" برأس ثور، وقد وجد هذا الرمز على النقوش الثمودية، كما وجدت أسماء بعض الالهة التي كان يتعبد لها أهل تيماء منقوشة في النصوص الثمودية، مما يدل على أن قوم ثمود كانوا يتعبدون لها كذلك، وأن هنالك صلات ثقافية ودينية بين تيماء وثمود.
ويرجح بعض الباحثين تأريخ عدد من الكتابات الثمودية إلى القرن السابع قبل الميلاد. وهناك كتابات يرون أنها أقدم عهداً من القرن السابع. غير أن أكثر ما عثر عليه يعود تاريخه إلى ما بعد الميلاد. وهى بالجملة في أمور شخصية، لا تفيد المؤرخ الذي يريد تدوين تأريخ "ثمود" فائدة كبيرة. ولكنها نافعة على كل حال من نواح أخرى، فهي تفيد اللغوي الذي يريد الوقوف على لغة الثموديين ومعرفة أسمائهم ولهجاتهم، وتفيد الباحثين في اللهجات العربية الجاهلية وفي الساميّات.
والكتابات الثمودية في نظر الباحثين نوعان: كتابات قديمة وقد دونت بالقلم الثمودي القديم، وكتابات حديثة وقد كتبت بقلم ثمودي متطور تخلف أشكال حروفه ورسومها بعض الاختلاف عن القلم القديم. وللقلم الثمودي صلة بقلم "طور سيناء"، كما أن له علاقة بالقلم المسند. وتفيد دراسته من هذه الناحية في الوقوف على تأريخ تطور الكتابة في جزيرة العرب قبل الميلاد، وفي تطور الأقلام بوجه عام.
ويلاحظ وجود بعض الخواص في الكتابات الثمودية التي عثر عليها في الحجاز، لا نجدها،أو قلما نجدها في كتابات ثمودية أخرى، عثر عليها في نجد وفي اليمن. ويعود سبب ذلك إلى تأثير البيئات، ولا شك، في هؤلاء الثموديين الذين تأثروا بلهجات جيرانهم و بثقافاتهم، فطهر ذلك الأثر في هذه الكتابات.
ويظهر من الكتابات الثمودية أن قوم ثمود كانوا زُرّاعاً وأصحاب ماشية، وأنهم كانوا أقرب إلى الحضر، منهم إلى أهل الوبر، فقد كانت لهم مستوطنات ثابتة استقروا فيها، وكانت لهم معابد ثابتة أيضا، أي مبنية، وبينهم قوم اشتغلوا بالتجارة. ولعل الأيام ستجود علينا بكتابات ثمودية تتحدث عن أمور عامة، وعندئذ نستطيع أن نستنبط منها شيئا عن أحوالهم من مختلف الوجوه.
ومن أصنام ثمود التي ورد ذكرها في كتاباتهم، الصنم "ودّ"، وهو من . الآلهة القديمة عند العرب. والصنم "جد - هد" أو "جد - هدد"، وله عندهم معابد وسدنة يخدمونه، ويعرف سادن الأصنام عندهم ب "قسو" أي "قس". عرفنا أسماء بعضهم، ومنهم السادن "ايليا" "ايلية". ويظهر
انه كان من الآلهة العربية العتيقة، غير أن سعده أخذ في الأفول، فأخذت مكانه آلهة أخرى، ثم عفى أثره من الذاكرة، فلم يرد اسمه بين الأصنام التي كان يعبدها الجاهليون قبيل الإسلام. وقد بقيت مع ذلك أسماء مثل: "عبد جد" تشير إلى اسم الإلَه العربي القديم.
و"شمس" و "مناف" و "مناة" و "كاهل" و "بعلة" "بعلت" و "بعل" و "يهو" و "رضو" أو "رضى"، هي أيضاً من أصنام ثمود، سأتحدث عنها كلها في أثناء بحثي في الديانة العربية قبل الإسلام. ومن بقية آلهة ثمود "عثيرت" "عثيرة"، و "وتن" "وت"، و "يثع" "سمع" و "سميع" و "هبل" و "سحر" و "سين" و "هم" و "تجن" و "يغوث" و "إلَه" و "ألى" و "إلهي" و "الت" و "اللآت" و "حول" "حويل" و "ذو شري" و "سمين" و "هلال" و "صلم" و "نهى" و "عثتر سمين" و "كاهل" "كهل"، و "ملك" و "مالك"، و "هادي" "هدى"، و "بحل"، و "رتل"، و "هيّج"، و "شوع"، و"ستار"، و "ظفت"، و "سعى"، و "غم"، و "عسى"، و "عسحرد"، و "عثير"، و "عطير"، و "تجر"، و "دبر".
وبعض هذه الأسماء ليست في الواقع أسماء آلهة، وإنما هي من قبيل ما يقال له "الأسماء الحسنى" عندنا أو صفات الله، فلفظة "سمع" مثلاً، وهي بمعنى "ير" أو "السميع" في عربيتنا ليست اسم إله معين، إنما هي صفة للإله، بمعنى أن الإله هو سميع يسمع دعوات الداعين. ولذلك يخاطبه المؤمنون ويقولون له "سمع" "يا سميع"، ليسمع دعاءهم وليجيب طلباتهم، وهناك ألفاظ أخرى هي من هذا القبيل.
ووصلت ألينا أسماء ثمودية كثيرة، مثل: "اوس" و "سد" و "عفير" و "وائل" و "بارح" و "كربال" "كرب إيل" و "عش" "عاثش" و "مالك" "ملك" و "عذرال" "عذرايل"، و "عوذ"، و "أسعد"، و "عياش"، و "إياس"، و "قيس بن وائل" "قس بن وال" وغيرها، مما يخرجنا ذكرها عما نحن فيه. وهي أسماء لا يزال بعضها مستعملاً.
ويلاحظ أن بعض هذه الأسماء مثل "كرب ال" و "عذرال"، وما شاكله، قلّ استعمالها عند العرب قبيل الإسلام، بينما كانت من الأسماء الشائعة في الجاهلية البعيدة عن الإسلام، ولا سيما بين الجاهليين في العربية الجنوبية، حيث ترد بكثرة في كتابات المسند.
ويرى "برو" Brau أن ثمودا أصيبوا بكارثة عظيمة، من ثوران براكين أو هزات أرضية، بدليل ورود كلمة "رجفة" وكلمة "صيحة" في القرآن الكريم، وذلك محتمل جدا، لأن البقاع التي كانوا يقطنونها هي من مناطق ا لحرار.
ويشبه مصير "عاد" و "ثمود" مصير "سدوم" "Sodom" وعمورة "جمورة" "كمورة" "Gomorrah" وبقية مدن الدائرة في عمق السديم التي تقع - على رأي كثير من علماء التوراة - في جنوب البحر الميت، فقد لأقت هذه المدن، وهي خمس على سهل "دائرة الأردن" المصير الذي لقيه قوم عاد وثمود، حيث أرسل الله عليهم عذاباً "فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء، وقلب تلك المدن كل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض". وأصحاب هذه المدن هم: قوم "Lot" "لوت".
و "لوت" هو "لوط" المذكور في القرآن الكريم. وقد رأيت أن القرآن الكريم قد أشار إلى مصير "قوم لوط"، وأطلق على ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة "الأحزاب". )ثمود وقوم لوط و أصحاب الأيكة أولئك الأحزاب(.
وقد تعرض المفسرون لقوم "لوط" وما حل بهم من العذاب، وبحث عنهم أهل الأخبار والتأريخ، باعتبار أن أخبارهم هي صفحة من صفحات التأريخ القديم العام قبل الإسلام. وفي الرواية التي ذكرها "الطبري" في تأريخه عنهم، وسندها مرفوع إلى "محمد بن كعب القَرظَمي" ذكر للقرى الخمس الواقعة حول "سهل دائرة الأردن"، وقد دعاها ب "المؤتفكات" المأخوذة من القرآن الكريم من )والمؤتفكة أهوى(، وهي: صبعة، وصعرة، وعمرة، ودوما، وسدوم، بحسب رواية الطبري هذه. وفي هذه الأسماء تحريف وتغيير في الترتيب الذي وردت به في التوراة، إذ هي فيها على هذا الشكل: سدوم "Sodom" و "عمورة" "Gomorrah" و "أدمة" "Admah" و "صبوبيم" "Zeboim" و "بالع" "Bela"وتسمى أيضاً ب "صوغر" "Zoar".
وقد نبه القرآن قريشاً إلى مصير يشبه مصهر "ثمود"، إذ كفروا بنبوة نبيهم "صالح"، وعقروا "الناقة" التي أرسلت لهم إية تحذرهم من عاقبة كفرهم ومن استمرارهم في تكذيبهم نبوة نبيهم. فلما استمروا في غيهم وضلالهم، أرسل الله عليهم "الصيحة"، فأهلكتهم، ورجفت الأرض بهم، فلم يبق من كفّارهم على الأرض إلا رجل واحد، هو "أبو رغال" كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله.
ويذكر أهل الأخبار أنّ رسول الله لما غزا غزاة تبوك، نزل "الحجر"، ونهى الناس من دخول القربة، ومن شرب مائها، وأراهم مرتقى الفصيل. والقرية المذكورة هي "الحجر"، وهي "قرية ثمود"1.
وقد ورد في شعر "حسان بن ثابت": "أشقى ثمود"، وقد ذكر الشرّاح أنه "قدار بن سالف أحيمر ثمود"، وهو عاقر ناقة صالح. وهكذا نجد لثمود "أحيمراً" على نحو ما وجدنا عند عاد.
ويرجع سند روايات "الطبري" عن ثمود إلى "الحسن بن يحيى"، ويتصل سنده ب "أبي الطفيل"، وإلى "القاسم"، وينتهي سنده إلى "عمرو بن خارجة"، و "ابن جريج" عن جابر بن عبد الله و "إسماعيل بن المتوكل الأشجعي" وينتهي سنده ب "عبد الله بن عثمان بن خثتم" عن "أبي الطفيل".
وتفيدنا دراسة هذه الأسانيد وأمثالها فائدة كبيرة في الوصول إلى معرفة الموارد التي أمدَت الأخباريين بأمثال هذه الأخبار.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق