إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 يناير 2016

985 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والخمسون الدولة في اخلاق الحكام


985

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل الثاني والخمسون

الدولة

 في اخلاق الحكام

ليس لدينا وثائق جاهلية فيَ أخلاق الحكام والصفات التي يجب أن يتصف بها الحاكم، ليتمكن بها من حكم الناس ومن الحكم بينهم. وكل ما لدينا، نتف ومقتبسات في أصول الحكم تنسب إلى الجاهليين، مدونة في المؤلفات الإسلامية، يظهر ان بعضها أخذ من حكم الفرس ومن آداب اليونان في السياسة، فنسب الى الجاهليين، وبعضه اسلامي خالص وضع ليكون وعظاً وإرشاداً وإشارة هادية إلى الخلفاء والحكام في كيفية حكم الرعية وفي تنبيههم الى واجباتهم وابعادهم عن الظلم والاتعاظ بمصير الحكام الطغاة الماضين حتى لا يكون مصيرهم مصير أولئك الملوك.

وفي كتاب "تأريخ ملوك العرب الأولية من بني هود وغيرهم"،لأبي سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي، وصايا وعظات في أصول الملك والحكم، نسبها إلى ملوك العرب الماضين قبل الإسلام، دوّنها للخليفة "المأمون" لتكون له هادياً ومرشداً في كيفية الحكم. وقد استهله بوصية نسبها الى "قحطان بن هود" أوصى بها بنيه أن يتعظوا بما نزل بقوم عاد حين عتوا على ربهم، وعصوا أمر نبيهم، فحثهم على التآلف والتعاضد و التناصر وعلى الطاعة للحكام، ثم حث ابنه "يعرب" كبير أولاده على العمل بسيرته ومنهجه، وان يصل ذوي القربى، وان يحفظ لسانه ويصونه، وان يكون كاظماً للغيظ، يقظاً من الأعداء، حليماً، لأن الذين سادوا لم يسودوا إلا بالعلم،وان يكون كريماً، لأن البخل يبعد الأتباع من الحاكم.

وذكر "الأصمعي" ان يعرب أوصى أبناءه بخصال وبما وصاه به أبوه. أوصى بأن يتعلم العلم ويعمل به، وان يترك الحسد وان يتجنب الشر وأهله، وان ينصف الناس، وان يبتعد عن الكبرياء، لأن الكبرياء تبعد قلوب الرجال عن المتكبر، وأوصى بالتواضع، فإنه يقرب المتواضع من الناس ويحببه اليهم، وان يصفح عن المسيء، وان يحسن إلى الجار، ولأن يسوء حال أحدهم، خير له من أن يسوء حال جاره، وان يوصي بالمولى، لأن المولى منكم واليكم، وان يخلص بالاستشارة والنصيحة، وان يتمسك الإنسان باصطناع الرجال.

ونجد في الوصايا التي ذكرها "الأصمعي" وصايا بوجوب التعاضد والتآزر،والابتعاد عن الفرقة، والطاعة من غير خوف، والعدل في الرعية، والتجاوز عن المسيء،والكف عن أذى العشيرة، والأخذ بالرأي لأنه لا بد للملك من يعينه في الرأي والأمر والنهي، ولا بد له من مشير يحمل عنه بعض ما يثقله من ذلك. والملك صانع، فإن قام الصانع حق قيامه على صنعته، استجاد الناس له، فكسب المال والجاه ؛ وان استهان بها، ذهبت الصنعة من يده، وكسب الندم والحرمان.

واستمر "الأصمعي" يذكر الوصايا التي ذكر أن ملوك العرب الماضين وضعوها في كيفية الحكم حذر الزلل، ولتجنب الوقوع في الخطأ، وهي نثر وشعر، قد تكون من وضعه وصنعته، صنعها للخليفة ليتعظ بها في الحكم على نسق ما كان يفعله ادباء الفرس والهند في وضع الوصايا والمواعظ والقصص على ألسنة الملوك الماضين والحكماء ليتعظ بها الحكّام في أثناء حكمهم للناس. ونجد أمثلة كثيرة من هذا النوع دبجت في كتب السياسة والأدب، على ألسنة أرسطو أو الاسكندر أو أكاسرة الفرس.

ونجد في شعر ينسب إلى "لقيط الإيادي"،أن الحاكم الذي يقلد الأمر يجب أن يكون رحب الذراع، مضطلعاً بأمر الحرب،لا مترفاً ولا إذا عض به مكروه خشع وخضع، يحلب دَرَّ الدَّهر،يكون مُتبَّعاٌ طوراً ومُتَّبعاً، مستحصد الرأي لا قحماً ولا ضرعاً.

وكان الملوك على استبدادهم أحياناً بآرائهم يستشيرون من يرون فيه الأصالة في الرأي،ولا سيما المتقدمون في السن، فقد "كانت العرب تحمد آراء الشيوخ لتقدمها في السن، ولأنها لا تتُبع حسناتها بالأذى والمنّ، ولما مرّ عليها من التجارب التي عرفت بها عواقب الأمور، حتى كأنها تنظرها عياناً، وطرأ عليها من الحوادث التي أوضحت لها طريق الصواب وبينته تبياناً،ولما منحته من أصالة رأيها، واستفادته بجميل سعيها".

ويظهر أن الملوك الغساسنة والمناذرة كانوا قد تطبعوا بطباع الروم والفرس، وأخذوا عنهم أبهة الحكم، فحجبوا أنفسهم عن رعيتهم، مخالفين بذلك العرف العربي، وحصروا أنفسهم في قصورهم وفي قبابهم،حتى أن من كان يريد الوصول اليهم من ذوي الحاجات كان عليه أن يقف أياماً أمام باب الملك، حتى يأتيه الأذن بالدخول عليه، وهذا ما ازعج الوافدين عليهم. كثيراَ، وسبب الى تجاسر الشعراء وذوي الألسنة الحادة عليهم. وكان على أكثر الوافدين التقرب إلى "الحاجب" والتذلل اليه ورشوته ليعجّل لهم بالدخول على الملوك، ومنهم من كان يتعهد له بأن يجعل له نصيباً فيما قد يناله من جوائز الملك وهداياه،فيسرع الحاجب عندئذ إلى الملك، لطلب أخذ الأذن منه بدخول ذلك الوافد عليه. وتوصف أخلاق الملوك بالتلون والتغير، لأن الملوك لهم بَدَوات. حتى تضرب بتلون أخلاقها المثل. فقيل: ويومٍ كأخلاق الملوك ملوّن  فشمسُ ودجنٌ ثم طلٌّ ووابلُ

ولهذا حذر أصحاب المكانة والجاه من الوصول اليهم في أيام غضبهم وبؤسهم، خشية صدور شيء منهم قد يزعجهم فيغضبوا عليهم،أو يتفوهوا بعبارات قد تخدش من كرامتهم، وتسبب لهم الألم والأذى. وقد ورد في الحكم: اتقوا غضب الملوك ومدّ البحر. وقد ضرب المثل، بيومي البؤس والنعيم.

وقد وردت في الكتابات الجاهلية مصطلحات تعبّر عن تقدير الناس لملوكهم،مثل مصطلح "أمرهم"، أي "آمرهم" و "أميرهم" أو سيدهم، ونجد الكتابات العربية الجنوبية تطلق لفظة "مراهمو" و "مراسهمو" بمعنى "آمرهم" او"أميرهم" و "سيّدهم" على من هو فوقهم، كالملوك أو الأقيال أو السادات، احتراماً لهم واعترافاً بسيادتهم عليهم.

أما في كتابات "تدمر"، فقد وردت لفظة "مرن"، أي "سيدنا". وقد أطلقت على الملوك، كما استعملت للأشخاص الكبار من أصحاب السلطان. وتقابل هذه اللفظة كلمة Exarkos في اليونانية، وفي الشعر ذمّ الحكام وشعر في هجاء السادة، لظلمهم وتنمرهم في حق رعيتهم، حتى ذهب الظن بهم أن كَل مطاعٍ يظلم، وان المسوّد ظالم غشوم.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق