984
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني والخمسون
الدولة
الحكم وأخذ الرأي
ولم يكن الملوك في العربية الجنوبية أو العربية الغربية ملوكاً مطلقين لهم سلطان مطلق وحق إلهي في الدولة على نحو ما يريدون، ولكن كانوا ملوكاً
مطلقين لهم سلطان مطلق وحق الهي في ادارة الدولة على نحو ما يريدون ولكن كانوا ملوكا يستشيرون الاقيال والأذواء وسادات القبائل والناس وكبار رجال الدين فيما يريدون عمله، واتخاذ قرار بشأنه. وهو نظام تقدمي فيه شيء من الرأي والمشورة وحكم الشعب."الديمقراطية" بالقياس الى الملوك المطلقين الذين حكموا آشور وبابل ومصر وايرانْ.
أما الطبقات الضعيفة وبقية السواد من السوقة والفلاحين وما شاكلهم، فليس لهم رأي في تسيير الامور، ولا يستشارون في البت في أي شيء حتى في المسائل الصميمة المتعلقة بمصيرهم، ولم يكن عالم ذلك اليوم يحفل بسواد الناس،أي بالغالبية، لأن الرأي لأصحاب الوجاهة والسيادة والسلطان إذ ذاك، وفي كل مكان من أمكنة العالم.
وترينا الكتابات المعينة ان ملوك معين كانوا مقيدين في حالات معينة باخذ رأي "المزود" عند اتخاذ قرار خطير، ولذلك يذكر "المزود" عند صدور التشريعات والقرارات الخطيرة في نص القوانين والقرارات، للتعبير عن موافقته عليها وعلى انها صدرتْ بعد وقوفه عليها وأخذ الملك رأيه فيها. ويؤخذ رأي المعبد أيضاً، فقد ذكر في قرار بشأن الضرائب، وِذلك يدل على ان المعبد كان يستشار في المسائل الخطيرة أيضاً.
وقد تبين من بعض الكتابات ان ملوك العربية الجنوبية، قد أخذوا برأي الجمعيات وأصحاب الحرف والعمل، حتى لا يبرموا أمراً يظهر بعد تنفيذه انه غير واقعي ولا عملي، وانه سيلقى معارضة من بعض الفئات والطبقات. كما أخذوا برأي المستشارين وأصحاب الرأي من جماعة ال "فقضت" وال"بل"و "طبن" "الطبن"، وهم الملاكون، عند وضع القوانين.
وقد تبين من النص: Rep. Epigr. 2771 ان ملك معين استشار "المزود" في فرض ضريبة. وتبين من النص: Rep. Epigr. 2774 انه استشاره في فرض ضرائب خصصت بالمعبد. ولكننا نجد في نصوص أخرى، مثل النصر: Rep. Epigr. 3699أن الملك لم يستشر "المزود" حين أصدر أمره في موضوع زواج المعينيين بأهل "ددن" "ددان" "ديدان". ولعله فعل ذلك لأن موضوع الزواج موضوع اداري ولا علاقة له بالسياسة العامة أو بفرض الضرائب أو بالمسائل الداخلية الخطيرة،وهي الأمور التي يأخذ فيها الملك رأيَ المجلس. كما نجد الملك يصدر قانونا باسم "معن" "معين" أي شعب "معين" دون أن يذكَر اسم "المزود".
وقد تبين من بعض الكتابات أن ملوك معين أصدروا تشريعات في أمور لم يأخذوا فيها رأي المزود، لعدم ورود إشارة فيها اليه. فلدينا قرار في تنظيم أمور الزواج بين المعينيين وأهل "ددن" "ت يدان" ة لم يرد فيه ذكر للمزود. ولدينا قرار اخر لم يذكر فيه اسم المزود أيضا، غير أنه يشير إلى أنه صدر باسم شعب معين، مما قد يبعث على الظن بأن الملوك لم يكونوا ملزمين دائما بالرجو إلى رأي إلمزود ووجوب أخذ موافقته في كل قضية، بل في القضايا العامة الخطيره التي تخص مصير الشعب.
ويتبين من الكتابات السبئية أن ملوك سبأ ولا سيما قدماؤهم كانوا يتبعون سنُّة "معين" في الرجوع إلى رأي المزود في القضايا الخطيرة للدولة واصدار القوانين. فكَان الملك إذا أراد اصدار تشريع، أحاله على المزود ليبدي رأيه فيه وفي طليعة هذه المسائل القوانين الخاصة بالأرضين وبالزرع وبحصص الحكومة من الضرائب لما لها من صلة بمصالح رجال المزود. ومتى وافق المزود على القانون أحيل على الملك لتصديقه ولاعلانه.
وهنالك شبه كبير في موضوع التشريع بين القوانين القتبانية والقوانين السبئية العامة، الصادرة في سبأ، ولا سيما في ايام حكم قدماء الملوك، حتى ذهب بعض الباحثين الى وجود ما يشبه حد الاتفاق بين قوانين إلمملكَتين، إلا في القوانين الخاصة التي تتعلق بالتشريعات المحلية للمخاليف والمدن، فانها شرعت على وفق الأحوال الملائمة لتلك الأمكنة.
وقد يشار في التشريعات الى قصور الملوك، مثل "قصر سلحن" "قصر سلحين"،كما أشير اليها في كتابات مختلفة، تتعلق بأخبار الحروب والجباية، وذلك كناية عن مقرِ الحكم، على نحو ما يستعمل في الزمن الحاضر من قولهم: "صدر من قصرنا العامر" أو "صدر من قصر....". وذلك رمز إلى مقر الحكم وكناية عن الملك الذي يقيم في ذلك القصر. ومن تلك القصور: "قصرغمدن" أي "قصر غمدان" و "قصر وعلن "قصر وعلان" و "قصر ريدن"
أي "قصر ريدان". ومن هذه القصور تصدر الأوامر بالموافقة على القوانين والمراسيم، وفيها يوقع على ما يراد نشره ليكتسب صيغة رسمية مقررة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق