إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 9 يناير 2016

944 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخمسون اللباس


944

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخمسون

اللباس


جاء في بعض الأخبار: "كل ما شئت والبس ما شئت ". ولكن الشائع بين الناس "كل ما شئت والبس ما يشتهي الناس"، ذلك لأن اللباس مظهر، وعلى الإنسان أن يظهر في خير مظهر أمام الناس. وقد ورد أن العرب تلبس لكل حالة لبوسها. وينطبق ذلك على السراة وذوي اليسار والثراء بالطبع، أما سواد الناس، فلم يكن من السهل عليهم الحصول على اللباس. إذ كان غالياً مرتفع الثمن بالنسبة لأوضاعهم الاقتصادية. فكانوا يسترون أجسامهم بأسمال بالية وبكل ما يمكن أن يستر الجسم به.

وكسوة العرب، تختلف وتتباين، باختلاف الشخص وباختلاف الجماعة التي ينتسب اليها والمكان الذي يعيش فيه. فللاعراب ألبسة وذوق، ولأهل المدر أذواق وأمزجة في اللباس، تتباين فيما بينها، بتباين المنزلة والمكانة والحرفة. ولذوي اليسار والثراء ألبسة فاخرة، يستوردونها من الخارج في بعض الأحيان، وفيها أناقة وفيها تصنع، وهي من المواد الغالية الثمينة في الغالب، لا يتاح لغير الموسرين الحصول عليها. ثم ان بعض الناس يفضلون لوناً يعافه بعض آخر ويتجنبه.

فكان الكاهن لا يلبس المصبغ، والعراف لا يدع تذييل قميصه وسحب ردائه، والحكم لا يفارق الوبر، ولحرائر النساء زيّ، ولكل مملوك زيّ، يتساوى في في ذلك لباس الرأس ولباس اليدن.

وقد كان أثرياء مكة ويثرب والقرى والقبائل يلبسون الملابس الفاخرة المصنوعة من الحرير ودقيق الكتان والخز، وغير ذلك من الثياب الغالية الرقيقة، المستوردة من دور النسيج المعروفة في جزيرة العرب ومن خارجها، ويلبسون النعال الجيدة، مثل النعل الحضرمية المشهورة بمكة، ويتعطرون بعطور غالية ثمينة، ويركبون الدواب الحسنة المطهمة مبالغة في التباهي والتظاهر.

وتختلف كسوة الرأس عند العرب باختلاف منزلة الرجل ومكانته ووضعه وحاله. و "العمامة" هي فخرهم وعزهم وأفخر ملبس يضعونه على رؤوسهم. حتى قيل: "عمم الرجل: سوّد لأن تيجان العرب العمائم، فكما قيل في العجم توج من التاج، قيل في العرب عمم"، "والعرب تقول للرجل إذا سود: قد عمم، وكانوا إذا سوّدوا رجلاً عمموه عمامة حمراء". وورد عن عمر قوله: "العمائم تيجان العرب ". وهي تعدّ عادة من عادات العرب. خاصة العرب أصحاب الجاه والمكانة والنفوذ من حضر وبادية، فانها تميزهم عن بقية الناس.

وقد جاء في الخبر: " ان العمائم تيجان العرب". "وكان يقال: اختصت العرب من بين الأمم بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها " وتعد العمامة من لبس الطبقة العالية والمترفة، وذلك لأن الطبقة الفقيرة والعامة لم تتمكن من اقتنائها، وانما تضع على رأسها أغطية أخرى، أخف وزناً وثمناً من العمامة، ولذلك كانوا اذا أرادوا التعبير عن رخاء شخص، قالوا: " أرخى عمامته: أمن وترفه، لأن الرجل انما يرخي عمامته عند الرخاء ".

وجاء في الحديث: انه كان يتعوذ من الحور بعد الكور، أي من النقصان بعد الزيادة. وهو من تكوير العمامة، لأن الكور تكوير العمامة، والحور نقضها، وتكوير العمامة بعد الشد. ففي تكوير العمائم، دلالة على النعمة والرخاء. إذ لم يكن في وسع الفقير شراء قماش يعمم به رأسه على سنة الأغنياء. فكيف به يعمم رأسه بعمامة كبيرة.

ولم يكن تكوير العمامة العلامة الوحيدة الدالة على الغنى والجاه، بل كان الإسراف في اطالة الردن والذيل في الثوب من علائم الغنى والجاه أيضاً. فقد كان السادات والأغنياء يطيلون الأردان وأذيال الثياب، حتى تصير تلامس الأرض، للتعبير عن غناهم وكثرة مالهم وانهم لا يبالون بالمال و لا بالثياب فيتركونها تجر الأرض وراءهم من سعة عيشهم. بينما لم يكن في وسع اكساء جسمه حتى بالأسملة.

وللعمامة منزلة كبيرة عند العرب. فهي تعبر عن شرف الرجل وعن مكانته، فإذا اعتدي عليها أو أهينت، لحق الذل بصاحبها، وطالب بإنصافه وبأخذ حقه. وإذا أهين شخص أو شعر بإهانة لحقت به، ألقى بعمامته على الأرض، ونادى بوجوب انصافه. ويعدّ اللوذ بعمامة رجل، وذكرها من موجبات الوفاء والانصاف لمن لاذ بها. "واذا قالوا سيد معمم، فإنما يريدون أن كل جناية يجتنيها الجاني في تلك العشيرة، فهي معصوبة برأسه". كما يريدون بذلك السيادة لأن تيجان العرب العمائم، فكما قيل في العجم توج من التاج قيل في العرب عمم. وكانوا إذا سودوا رجلاً عمموه عمامة حمراء. وكانت الفرس تتوج ملوكها فيقال له المتوج.

ويدلّ سيماء العمامة على مكانة حاملها، فلقماش العمامة وللونها ولشكلها العام، أي كيفية تكويرها، دلالة على مكانة صاحبها ومنزلته في المجتمع. فعمامة المترفين المتمكنين هي من أقمشة فاخرة، نسجت بعناية، منها عمائم الديباج والخز، وذكر أن العمائم المهراة، وهي الصفرة، هي لباس سادة العرب. وأن بعض السادة مثل " الزبرقان بن بدر" كانوا يصبغون عمائمهم بصفرة، ويعصفرونها بالعصفر والى ذلك أشار الشاعر بقوله: وأشهد من عوف حُلولاً كـثـيرة  يحُجّون سِبّ الزبرقان المعصفرا


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق