إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 9 يناير 2016

945 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخمسون والسب: ا لعمامة.


945

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخمسون

والسب: ا لعمامة.


وورد في الحديث " كانت عمائم العرب محنكة " أي طرف منها تحت الحنك. وقد جرت عادة العرب بإرخاء العذبات، وقد يزيدون في ذلك دلالة على الوجاهة و ا لغنى. ويذكر علماء اللغة أن "من أسماء العمامة: العصابة، والمقطعة، والمعجر، والمشوذ، والكوارة ". وقيل إن العصابة والعمامة سواء.

وقد كان السادات يتفننون في لبس العمامة وفي اختيار ألوانها، فكانوا يختارون لكل مناسبة لوناً، فكان بعضهم إذا قاتل لبس عمامة حمراء، ولبس بعضهم عمامة صفراء أو سوداء. يتبع ذلك مزاج لابسها وعمره، ونُظر اليها على انها جمال الرجل، ومظهره الذي يضهر به. ورد ان علي بن أبي طالب كان يقول: جمال الرجل في عمته، وجمال المرأة في خفها.

وفي الأمثال: " أجمل من ذي عمامة"، وهو مثل من أمثال مكة، قيل: انهم قالوه لسعيد بن العاص بن أمية، المعروف عندهم ب "ذي العمامة"، وكان في الجاهلية إذا لبس عمامة، لا تلبس قريش عمامة على لونها. وقيل: انه كناية عن السيادة. وذلك لأن العرب تقول: فلان معمم، يريدون ان كل جناية يجنيها الجاني من تلك القبيلة والعشيرة، فهي معصوبة برأسه. والى مثل هذا ذهبوا في تسميتهم سعيد بن العاص، ذا العمامة، وذا العصابة.

وربما جعلوا العمامة لواءً، فينزع سيد القوم عمامته، ويعقدها لواءً، وفي ذلك معنى التقدير والاحترام، لأنها عمامة سيد القوم، وربما شدوا بها أوساطهم عند التعب والمجهدة.

وما يكون تحت الحنك من العمامة هو "الحنكة ". أما ما أرسل، منها على الظهر نهو الذؤابة. وأما " القفدة " فأعلى العمامة. والعمة العجراء، هي العمة الضخمة. وفي العمامة الكور، وهي الطرائق الني يعصب بها الرأس.

ولطريقة شد العمامة ووضعها على الرأس أسماء، وضعت لكل شدة أو طريقة من طرق وضعها فوق الرأس. ويختلف حجم العمامة وألوانها باختلاف العمر أيضاً. فللشباب عمائم تميزهم عن الكهول والشيوخ. كما يختلفون عنهم في اختيار ألوان الألبسة. وذكر ان الرسول كانت له عمامة تسمى السحاب، وكان يلبسها ويلبس تحتها " قلنسوة ". وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة. وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه. ولما دخل مكة، دخلها وعليه عمامة سوداء.

ووضعت القلنسوة على الرأس كذلك، فورد أن خالد بن الوليد كان يضع قلنسوة على رأسه. وقد لبسها الرسول. وكانت معروفة عند الجاهليين وأشير اليها في الشعر. ولفظة " قلنسوة " من الألفاظ المعربة عن "اللاتينية". عربت من Calantica. ويراد بها ضرب من ملابس الرأس.

وقد كان الجاهليون يوفقون أيضاً بين نوع ملابسهم، فكانوا يلبسون مثلاً عمامة خز مع جبة خز ومطرف خز. وذلك للتناسق في اللباس.

وجعلوا العمامة شعاراً للعرب ورمزاً لهم، إذا زال زالت عروبتهم. " قال غيلان بن خرشة للأحنف: يا أبا بحر. ما بقاء ما فيه العرب ? قال: إذا تقلدوا السيوف، وشدّوا العمائم، واستجادوا النعال، ولم تأخذهم حمية الأوغاد". وورد "في الخبر، إن العمائم تيجان العرب، فإذا وضعوها وضع الله عزهم". وقيل اختصت العرب: بالعمائم تيجانها وبالدروع وبالسيوف وبالشعر.

وعرفت "المساتق" في الحجاز. وهي فِراء طوال الأكمام، واحدتها "مستقة ". وذكر الجواليقي أنها من الألفاظ المعربة عن الفارسية، وأنها "مشته" في لغة الفرس. وروي أن الرسول كان يصليّ وعليه مستقة، وأن مستقته من سندس مبطنة بالحرير، أهديت اليه. ذكر أن ملك الروم أهداها اليه.

وأما الجبّة، فهي من البسة الموسرين كذلك، لأنها غالية، تكون من خز، وتكون من ديباج ومن أقمشة أخرى. وقد ذكر أن لم الأكيدر أهدى إلى الرسول جبةّ من ديباج منسوج فيها الذهب. وقد تكون واسعة الكمين، كما تكون ضيقتهما. وقد لبس الرسول في السفر جبة ضيقة الكمين. وذكر أنه قد كانت عند "اسماء بنت أبي يكر" جبّة لرسول الله، "طيالسية خسروانية لها لينة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج. فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يلبسها، فنحن نغسلها للمريض نستشفي بها ".

وتعدّ الجبب من مقطعات الثياب. فقد اصطلح علماء اللغة على تقسيم الثياب إلى مقطعات و غير مقطعات. والمقطع من الثياب كل ما يفصّلُ ويخاط من قميص وجبات وسراويلات وغيرها، وما لا يقطع منها كالأردية والأزر والمطارف، والريّاط التي لم تقطع، وإنما يتعطف بها مرة ويتلّفع بها أخرى.

والجبب مثل سائر الثياب، لا تكون بلون واحد. فقد تكون بيضاء، وقد تكون سوداء، وقد تكون حمراء، وقد تكون خضراء، ويختار لابسها اللون الذي يلفت نظره. وقد تكون له جملة جبب بألوان مختلفة، يلبس صاحبها الجبة التي يلائم لونها المناسبة والمكان الذي يذهب اليه.

و "البرنس": قلنسوة طويلة، أو كل ثوب رأسه منه، ملتصق به، درّاعة كان أو جبة، أو ممطراً. وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام. واللفظة من الألفاظ المعربة عن اليونانية، عربت من أصل " فيروس" Virros، بمعنى ثوب عريض الكمين، غطاء الرأس ملتصق به، أي هو جزء منه.ويلبس عندهم فوق الثياب.

و "القميص" من الثياب المقطعة. ذكر بعض علماء اللغة انه لا يكون إلا من قطن أو كتان، وأما من الصوف فلا. والظاهر انهم خصصوه بالقطن أو الكتان للغالب. وذكر ان الرسول لبس قميصاً من قطن، وكان قصير الطول، قصير الكمّين. والظاهر ان هذه الصفة كانت هي الصفة الغالبة على القمصان، ثم طولت فيما بعد ووسعت أكمامها.

و "الخميصة" من الألبسة القديمة. وهي ثياب من خزّ ثخان سود وحمر ولها أعلام ثخان أيضاً. وذكر أن الخميصة كساء أسود مربع له علمان، فإن لم يكن، معلماً، فليس بخميصة. وذكر أنها قد تكون من خزّ أو صوف. والظاهر أنهم كانوا لا يسمون الخميصة خميصة، إلاّ إذا كانت ذات أعلام. وهي من ألبسة الموسرين.

و "الرداء"، الوشاح، ويقع على المنكبين ومجتمع العنق. وهو ما يشمر على النصف الأعلى من الجسم لتغطيته، ويكون من قطعة واحدة من القماش، يلف على هذا النصف. قد يكون طويلاً واسعاً، وقد يكون قصيراً. وقد يلف على الجسم رأساً، وهو الغالب، وقد يلف فوق ألبسة أخرى.

و" الازار" الملحفة، وما يستر أسفل البدن، والرداء ما يستر به أعلاهٍ.

و كلاهما غير مخيط . وقيل الازار ما تحت العاتق والظهر، ولا يكون مخيطاً. فهو قطعة قماش، يلف به القسم الأسفل من البدن لستره. يختلف طوله وعرضه حسب رغبة لابسه. ويلبس الإزار مع الرداء في الغالب، وقد تلبس معه ألبسة أخرى.

و "النمرة" شمله فيها خطوط بيض وسود، وبردة مخططة من صوف تلبسها الأعراب. وذكر أن كل شملة مخططة من مآزر الأعراب، فهي نمرة. وجمعها أنمار ونمار. كأنها أخذت من لون النمر، لما فيها من السواد والبياض. وقد لبس النبي النمار. وورد: نبطي في حبوته، أعرابي في نمرته أسد في تامورته.

والمطرف: رداء من خز مربع، له أعلام. وهو من الأردية التي يلبسها الأغنياء وذوو اليسار. وذكر ان المطرف رداء في طرفيه علمان.

ولبس الجاهليون القباء. وقد كان كسرى قد أهدى " الأكيدر" قباءً من ديباج منسوج يالذهب. وكان من عادة الأكَاسرة أن يكسوا الرؤساء وسادات القبائل أقبية من الديباج للتلطف والإسترضاء.

واكتسبت البرد اليمانية شهرة كبيرة بين الجاهليين،وبقيت شهرتها في الإسلام،وهي ذات ألوان. وفي كتب الأخبار: ان وفد رؤساء مكة حينما ذهبوا الى سيف بن ذي يزن ، لتهنئته، ودخلوا عليه في قصر غمدان، وجدوه متضمخاً بالعنبر، يلمع وبِيصُ المسك فى مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران قد ائتزر بأحدهما.

واشتهرت برود، " تزيد " عند العرب وضرب بها المثل، كما يضرب ببرود اليمن. وذكر ان العرب تنسب البرود الفاخرة إلى تزيد، ونزعم انها قبيلة للجن.

ولبس الجاهليون الألبسة الحمراء مثل: المياثر الحمر والألبسة الحمراء البحتة القانية. وذكر ان الرسول نهى عن لبس الألبسة الحمراء الخالصة التي لا يخالط لونها هذا لون آخر. ولم ينه عن لبس الألبسة المخططة بحمرة مع لون آخر، مثل الحلل اليمانية، وهي إزار ورداء، منسوجان بخطوط حمر مع الأسود. كما نهى الرجال من لبس الربط المضرجة بالعصفر، لأنها من لبس الكفار.

ولبس للعرب الثياب المصبغة، وذكر أن ساداتهم كانوا يصبغون ثيابهم بالزعفران.

وان من صبغ ثيابه به "ذو المجاسد". وهو من حكّام الجاهلية وفقهائها. وذكر أن العرب كانت مصفقة على توريث البنين دون الأناث، فورّث ماله لولده في الجاهلية للذكر مثل حظ الانثيين. فوافق حكم الإسلام. وورد أن ملحفة رسول الله التي يلبس في اهله مورسة حتى انها لتردع على جلده.

وقد كان الأغنياء والشباب يبالغون في ألبستهم، فكان منهم من يشمر ثوبه، ومنهم من يسبله ويتركه يجر الأرض، ومنهم من يبالغ في ردائه خيلاء وتيهاً وتكبراً. ونظراً إلى ما يتركه من أثر في نفوس الفقراء، والى ما فيه من اسراف وتبذير في استعمال الأقمشة، نُهي عن فعل ذلك في الإسلام. وورد النهي عن ذلك في كتب الحديث. وورد النهي عن لبس القمصان ذات الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراح، لأنها من جنس الخيلاء.

ويلبس العرب النعال في أرجلهم، ويفضلونها على غيرها من البسة الرجل مثل الخف. وقد ورد ذكرها في شعر النابغة. وتصنع من الجلود المدبوغة، ولا سيما جلود البقر. ويذكر بعض اهل الأخبار أن أول من حذا النعال هو جذيمة الأبرش بن مالك.

وقد ضرب العرب المثل بموضع تجميع الأنعلة في الذلة والهوان. فقيل: هو في صف النعال، لا في صف الرجال. دلالة على أن الرجل من الطبقة الذليلة.

والخفاف، جمع الخف،هي في منزلة النعل عند العرب. لبسوها في أرجلهم، وشاع استعمالها بين أهل المدر في الحجاز وفي الأمكنة الأخرى. وذكرت في كتب الفقه، في باب الضوء والصلاة، حيث جوّز الفقهاء المسح على الخفين.

وورد النهي باستعمال الخفين للمحرم إلاّ عند عدم النعلين، وذلك يدل على استعمال أهل الحجاز للخفاف قبيل الإسلام.

ومن الخفاف، نوع يقال له "الموزج"، ويذكر بعض علماء اللغة ان اللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية، وان أصلها "موزه". وهناك نوع آخر يسمى "الموق" ويجمع على "أمواق"، وقد عرف بأنه خف غليظ يلبس فوق الخف. ويظهر من بيت للشاعر المخضرم النمر بن تولب، ان العباديين كانوا يلبسون الأمواق، إذ وصف مشية النعاج بمشي العباديين في الأمواق.

وورد في الأخبار: ان العرب تلهح بذكر النعال، والفرس تلهج بذكر الخفاف.

وورد ان النساء كن يلبسن الخفاف، وقد ورد أن أصحاب رسول الله كانوا ينهون نساءهم عن لبس الحمر والصفر. ويقولون: هو من زينهَ آل فرعون. ويعني هذا ان نساء الجاهلية كن يلبسن الخفاف الملونة، فوجد المسلمون ان في ذلك تقليداً للأعاجم فأمرهن بنبذ الملون منها.

وقد ضرب العرب المثل بخفي حنين عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة. فيقال: رجع بخفي حنين. وكان حنين إِسكافاً من أهل الحيرة، فساومه أعرابي بخفين، فاختلفا حتى أغضبه الأعرابي، وأراد حنين غيظ الأعرابي، فلما ارتحل أخذ أحد خفيه، فطرحه، ثم ألقى الآخر في مكان آخر، فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا الخف بحفي حنين ولو معه الآخر لاْخذته، ومضى فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول، فأناخ راحلته ورجع في طلب الأول، وقد كان حنين كمن له، فعمد الى راحلته وما عليها فذهب بها،وأقبل الأعرابي وليس معه إلآ خفان. فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك ? قال جئتكم بخفي حنين فذهبت كلمته مثلا.

وحيث أنّي سأتكلم عن ملابس الجاهليين بشئ من الأطناب في أثناء حديثي عن الحرف، لذلك اكتفي بما ذكرته في هذا الموضع عن الملابس، على امل التحدث عنها في ذلك المكان.

ومن عادة اهل "نجد" الاستصباح ب "الداذين". مناور من خشب الأرز ليستصبح بها. وهي بنجد من شجر المظ.

ومصابيح القوم من الفخار، أي الطين المشوي بالنار، يوضع في بطنه زيت الوقود تتصل به فتيلة تولع بالنار، ليستضاء بها، وذلك في الأماكن التي يندر فيها استعمال الحجر. أما في الأماكن الجبلية ذات الحجر،فيستعمل كذلك المصابيح المستعملة من الحجر، وخاصة في بيوت الكبار والموسرين. ويستعملون فها زيت الزيِتون. ولا يزال بعض الناس يستعملون هذه "الضواية" في الإنارة،وتعرف ب "المسرجة" كذلك. و "السراج" هو المصباح والنبراس و "القراط" شعلة السراج، و "الذبال" ما يحمل "السراج". ويقال سَغّم المصباح، أي مدّه بالزيت. والنسيلة الفتيلة في بعض اللغات. والمشاعل القناديل والزهليق السراج في القنديل.

أما الأعراب، فلم يكونوا يعرفون المصابيح، ومصابيحهم نجوم السماء وضوء القمر يهتدون بها ويستلهمون منها معنى الحياة.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق