894
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن و الأربعون
تغلب
وقد ذكرت في كتابي: تأريخ العرب قبل الإسلام، في أثناء كلامي على النبط ما كان من وجود أداة "ال" المستعملة في عربية القرآن الكريم، في كتاباتهم، وأشرت إلى استعمالهم أسماء استعملتها قريش وغيرهم من العرب العدنانيين. وهي أسماء لم نعثر عليها في الكتابات العربية الجنوبية حتى ألان، كما أشرت إلى مشاركتهم العرب الشماليين في أسماء الآلهة التي تعبدوا لها، وأوردت آراء بعض المستشرقين في أصلهم، وفي انهم عرب مثل العرب الآخرين.
وهذه الملاحظات أهمية كبيرة في اصل الحديث عن العرب الشماليين، وفي النواحي التي يختلفون فيها عن العرب القحطانيين. كما أن لنص النمارة ولتأريخ "بروكوبيوس" أهمية خطيرة كذلك في هذا الموضوع لإشارتهما لأول مرة إلى "معدّ". فقد وردت كلمة "معدو" أي معدّ في السطر الثالث من النص، ووردت كلمة "نزرو" أي "نزار" في السطر الثاني منه. يضاف إلى ذلك ورود أسماء قبائل أخرى هي "الأسدين"، أي قبيلة أسد، ومذحج.
أما تأريخ "بروكوبيوس"، فقد وضع "Maddeni" أي معدّاً في الأقسام الشمالية من الحجاز، وقد ذكر هذا المؤرخ إن القيصر "يوسطنيان" طلب من "السميفع أشوع" "Esimiphaius" أن يوافق على تعيين سيد قبيلة اسمه "قيس Kaisua" "Gaisus" رئيساً على "معدّ". وقد ذكرت إن هذا يدلّ ضمناً على خضوع معدّ لحمير، ولو كان خضوعاً بالاسم. ولوجود معدّ في هذا الزمن، أي في القرن السادس للميلاد، في أرض كانت مأهولة بالنبط أهمية كبيرة ولا شك.
كما أشرت إلى ورود كلمة "مضر" في نص يماني: والى اشتراكها في حرب خاضتها سبأ وحمير ورحبة وكست و مضر وثعلبة. وهي حرب يظهر إنها كانت واسعة من الحروب التي وقعت قبيل الإسلام. ومضر في هذا النص قبيلة من هذه القبائل التي اشتركت في الحرب، وليس اسماً عاماً لقبائل كثيرة، أي على نحو ما يذهب إليه الأخباريون.
فيتبين من هذه النصوص إن معداً و نزاراً ومضر كانت قبائل تقيم في الأقسام الشمالية من جزيرة العرب وفي العربية الغربية. وقد لاحظنا إن نص النمارة قد فرق بين معدّ ونزار، ولم يشر إلى وجود رابطة بين القبيلتين، بمعنى إن كلا من نزِار ومعدّ كلن قبيلة مستقلة، في حين يضع النسابون نسباً بينهما ويربطون بين القبيلتين. والظاهر إن هذا الارتباط الذي ذهب إليه الأخباريون وأهل الأنساب إنما حدث في صدر الإسلام، بعد تثبيت القبائل في الديوان.
وفي أثناء كلام الأخباريين على تأريخ الحيرة، ذكروا إن معداً كانت خاضعة لها، وأن ملوكها كانوا يحكمون معدّاً. ذكروهم في جملة من كان قد خضع لحكم أولئك الملوك. والذي يستنتج من كلامهم أن معداً كانوا بادين، أي أعراباً، وأنهم كانوا يقطنون مناطق كانت في نفوذ ملوك الحيرة. فهل قصد الأخباريون معداً الذين كانوا يسكنون في أعالي الحجاز كما ذكر ذلك "بروكوبيوس" أم قصدوا جماعات منهم هاجرت إلى بادية الشام، وخضعوا لحكم أهل الحيرة? و يلاحظ إن الإخباريين يتوسعون أحياناً في ملك ملوك الحيرة فيبلغون به البحرين والحجاز.
أما كيف تطورت هذه الأنساب، وكيف توزعت، وكيف حصرت في جدّين ومن قام بذلك، وأمثال هذا? فليس من السهل إيجاد جواب لأمثال هذه الأسئلة ما دمنا لا تملك الأسباب التي تهيء لنا العلم الكافي للإجابة عنها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق