إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2016

893 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثامن و الأربعون تغلب


893

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل الثامن و الأربعون

تغلب


وهذه الخصومة السياسية العنيفة التي جزأت العرب ويا للأسف إلى جزءين، و أسالت السماء بين الفريقين، صارت سببا لتثبيت أنساب القبائل وضمها في مجموعتين: إما إلى قحطان، و أما إلى عدنان، ولا وسط بين الكتلتين. وقد صادف هذا التحزب عصر بدء التدوين، فكان النسب "لأهميته عند القبائل والناس وفي الحياة السياسية في ذلك العهد" في طليعة الأمور التي شملتها حركة التدوين، فبدلاً من إن يعتمد النسابون على الذاكرة والرواية سطرّوا تلك الروايات في الأوراق، وضبطوا أنساب القبائل التي عاشت قبيل الإسلام وفي صدر الإسلام بهذا التدوين.

وقد أحدث عدم ضبط قواعد الخط في صدر الإسلام، وعدم استعمال النقط في أول العهد بالتدوين بعض المشكلات للمتأخرين في ضبط الأعلام. فاختلاف النقط يحدث كما هو معروف اختلافاً في ضبط الأسماء، وهذا ما حدث فعلاً. و إنك لتجد في كتب الأنساب المطبوعة والمحفوظة أمثلة عديدة من هذا القبيل. كذلك أدى إهمال في النسابين ذكر الآباء أو الأجداد إلى حدوث شيء من الارتباك في ضبط الأنساب. يضاف إلى هذا تشابه أسماء بعض القبائل والبطون في قحطان وعدنان.

وقد أشار الهَمدْاني إلى العصبية التي كان لها أثر خطير في وضع الأنساب في عهد معاوية وغيره في الشام وفي العراق، ثم إلى تقصير نسابي العراق والشام في عدة آباء كهلان وحمير، ليضاهوا بذلك على حد تعبير الهمداني عدة الآباء من ولد إسماعيل، وذكر انه كانت عند أهل اليمن مثل حمير وهمدان والمرانيين وغيرهم زُبر مُدوّنة فيها أنسابهم، يتناقلها الناس، وهي تختلف عن الأنساب التي يتداولها أهل النسب في العراق والحجاز والشام بعض الاختلاف، وان بعضاً من أنساب عرب الحجاز دخل في أنساب الناس من أهل اليمن، وذلك على رأيه لأسباب، منها: فتك "بخت نصر" بأقيال اليمن في عهد أسعد تبع، وفي أيام حسان بن أسعد وتخريبه حصونهم، وقتل حسان لجديس التي أفنت طسماً. وفي هذا الحديث على علاته ما فيه من اعتراف صريح باضطراب النسابين في ضبط الأنساب.

ولا يخلو بعض هذه الأنساب من تحامل العصبية التي كانت في نفوس القبائل والبطون، إذ خلقت هذه مثالب لصقتها بآباء القبائل المتباغضة وأجدادها حفظت على مرور الأيام، ولازمت من قيلت فيهم، ليس من الصعب الوقوف عليها ومعرفتها كما هو الحال في نسب ثقيف مثلاً. وتجد أوجدت قسوة الحجاج بن يوسف، وهو من ثقيف، ذلك القصص الذي قيل في جدّ ثقيف ولا شك.

وقد أشرت فيما سبق إلى أثر التوراة وأثر نفر من أهل الكتاب ممن ادعوا العلم بكتب الأولين في النساّبين والإخباريين ووضعهم أسس النسب، وإرجاعها إلى قحطان و عدنان، وبناء نسب القبائل على هذين الأساسين. وقد وجدنا "يقطان" في التوراة أباً لشبا وحضرموت وبقية إخوتهما، وهم من العرب الساكنين في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية. ويقطان هو قحطان. ثم وجدنا الإشماعيليين في التوراة كذلك، والإشماعيليون هم الاسماعيليون أبناء إسماعيل جدّ العرب العدنانيين. ووجدنا نابت وقدار في التوراة كذلك وعند النسابين أيضاً، ونابت هو "نبابوت".

أما الذي يتجلى لنا من استعراض كل هذه الأنساب ودراستها، سواء أكانت قحطانية أم عدنانية، فهو إن الحياة السياسية للقبائل كانت حياة كتل، وهي حياة اقتضتها ضرورات الحياة للدفاع عن النفس والمصالح، كما هو شأن الدول في كل زمان، حيث تعقد بينها المحالفات. فالحلف بين القبائل، هو كالحلف بين الدول يكل ما للحلف من معنى. وقد رأينا. نماذج من تلك الكبل الضخمة أشرت إليها في أثناء كلامي على القبائل. ويخيل إليّ إن فكرة رجوع العرب إلى قحطان و عدنان، فكرة تثبتت في الإسلام، ساعد في ترسيخها وتثبيتها تلك العصبية التي أشرت إليها، وتلك النظرية التي انتزعها ابن الكلبي وأضرابه من التوراة ومن أهل الكتاب بخصوص يقطان وقيدار.

وفي الذي يذهب إليه أهل الأخبار والأنساب من ادعاء وجود خلاف بن القحطانيين والعدنانيين، شيء من الصحة، لا سبيل إلى نكرانه، غير انه ليس على النحو الذي ذهبوا إليه. والكتابات الجاهلية التي تحدثت عنها سابقاً، وأسماء الأشخاص والأصنام، شواهد على وجود هذا الاختلاف. ولكنه ليس اختلافاً بالمعنى الذي ذهب إليه الأخباريون فبين العرب الذين يطلق الأخباريون عليهم "القحطانيين" اختلاف في اللهجة وفي الأسماء لا يقل عن الاختلاف بين القحطانيين و العدنانيين. كذلك نجد مثل هذا الاختلاف بين العدنانيين أنفسهم. وقد وجدنا نص النمارة لامرئ القيس، وهو أصل قحطاني على حدّ تعبير الأخباريين وأهل الأنساب، بلهجة قريبة من لهجة القرآن الكريم بعيدة عن لهجات أهل اليمن. بلهجة نستطيع إن نقول إنها من الأم التي ولدت عربية القرآن الكريم. كذلك نجد النصوص الأخرى قريبة من هذه العربية، مع إنها لأناس يجب عدّهم من قحطان إن سرنا مع النسّابين في مذهبهم في تقسيم العرب إلى قحطانيين وعدنانيين. ثم إن الأخباريين لم يشيروا إلى وجوب فروق في اللسان بين القحطانيين والعدنانيين، وإنما جعلوهم يتكلمون بعربية واحدة هي عربية القرآن الكريم، ونسبوا إليهم أصناماً مشتركة. وشعراء الجاهلية هم في عرفهم من قحطان و عدنان. ولهذا قالوا عن اللهجات العربية الجنوبية التي ظلت حية في اليمن وفي حضرموت إنها نمير فصيحة و إنها ليست بعربية، وان لسان حمير ليس بلساننا، إلى غير ذلك مما أشرت إليه في أجزاء الكتاب السابقة مأخوذة من أقوال العلماء.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق