885
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن و الأربعون
تغلب
وقد أضعفت هذه الحروب القبيلتين ولا شك، وقد تدخل ملوك الحيرة في الأمر، فأصلحوا بينهم: أصلح بينهم المنذر بن ماء السماء على رواية، أو عمرو ابن هند في رواية أخرى، و قد كانوا مع المنذر الثالث في غزوته التي غزا بها الغساسنة، كما كانوا مع النعمان بن المنذر. وقد حاربوا الفرس مع بني شيبان، فانتصروا عليهم في معركة ذي قار. وكان يؤيد الفرس من العرب تغلب وطيء واياد وبهراء وقضاعة وانعباد والنمر بن قاسط. وقد اتفقت اياد سراً مع بكر بن وائل، فانهزمت حين اشتباك المعركة، فانهزمت الفرس ومن ساعد الفرس من القبائل التي اشتركت معها تأييداً لإياس بن قبيصة، أو بغضاً لبكر كما هو شأن تغلب، أو طمعاً في ربح من الفرس أو رغبة في التقرب إليهم. وقد كان هذه المعركة اثر كبير في نفوس القبائل، ومركزها مع الفرس.
ويظهر إن بكراً لم تخضع للفرس، ولا لحكم الحيرة بعد معركة ذي قار. وفي السنة التاسعة من الهجرة دخل قسم منها في الإسلام، فعين الرسول المنذر بن ساوى عليها وعلى بني عبد القيس. غير إنها ارتدت عنها بعد وفاة الرسول، فهاجمت مع قيس بن ثعلبة برئاسة الحطيم بن ضبيعة البحرين، وعينت "الغرور" ملكاً على هذه الديار. عندئذ أرسل أبو بكر عليهم جيشاً يقيادة العلاء الحضرمي ومن بقي على الإسلام من بكر وشيبان، تمكن منهم ورَجَمَهُمْ إلى حظيرة الإسلام.
ومن لُجَيْم بن صعب، بنو حنيفة، وبنو عجل، ابنا لجيم بن صعب بن عليّ، وبنو حنيفة هم أهل اليمامة، ومن حنيفة الدُّئل، وتقع مواطنهم في اليمامة كذلك. ومن ولد الدُّئل بن حنيفة بنو مرّة وعبد الله وذهل وثعلبة. ومن بني مرّة هودة بن عليّ بن يمامة الذي توجَّه إلى كسرى، وعمرو بن عبد الله ابن عمرو بن عبد العُزّى، وهو قاتل المنذر بن ماء السماء يوم عين أباغ، ومن عديّ بن حنيفة مسيلمة الكذّاب.
و أما ولد عُكابة بن صعب. فهم: ثعلبة وهو الحضن، وقيس وقد دخل بنوه في بني ذهل بن ثعلبة. فولد ثعلبة بن عكابة شيبان، وذهل، وقيساً، والحارث. وقد دخل بنوه في بني أنمار بن دب بن مرّة بن ذهل بن شيبان. وأمهم رقاش، وهي البرشاء بنت الحارث بن العتيك بن غنم بن تغلب. وولد ثعلبة أيضاً تيم الله بن ثعلبة. وأمه الجدماء بنت جلّ بن عديّ بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، وأتيد، وضنّة. ودخل بنو ضنّة في بني عذرة. ودخل بنو أتيد في بني هند من بني شيبان.
ومن ولد ثعلبة بن عكابة، تيم الله. ومن ولد تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، شيبان، ومنهم أوس بن محصن، وهو الذي أطلق له السبي يوم اوارة، و صعير بن عامر وكان من فرسان بكر.
ومن بني ذهل بن ثعلبة بن عكابة، بنو سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وتقع مواطنهم في اليمامة، وكانوا أرداف ملوك كندة. وبنو رقاش وهم الرقاشيون أبناء مالك "ملكان" وزيد "زيد مناة" ابني شيبان بن ذهل ابن ثعلبة بن عكابة من زوجه رقاش بنت ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. وكان بنو شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة من البطون الضخمة، ورئيسهم في الجاهلية مرّة بن ذهل بن شيبان، ومن نسله جساس قائل كليب.
ومن نسل قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب، ضبيعة، وتيم، وثعلبة، وسعد. ومن نسل ضبيعة الأعشى ميمون بن قيس الشاعر المعروف، والمرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وطرفة بن العبد، وعمرو بن قميئة، وشعراء آخرون. وتعدّ هذه القبيلة في طليعة القبائل بكثرة من ظهر فيها من الشعراء. وتقع منازل قيس في اليمامة. وكانت صلاتهم وثيقة بالمناذرة. ومنهم كتيبة الصنائع إحدى كتائب النعمان بن المنذر.
ومن بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، عمرو بن أبي ربيعة بالمزدلف، وابنه حارثة ذو التاج، وكان على بني بكر يوم أوارة، وهانىء بن مسعود الشيباني الذي هاج القتال بين بني بكر وبني تميم وضبة والرباب يوم ذي قار، ومفروق واسمه النعمان بن عمرو الأصم، وهو من فرسان بكر و ساداتهم، وأعشى بني ربيعة، وهو عبد الله بن خارجة بن حبيب بن قيس بن عمرو ابن أبي ربيعة الشاعر.
ومن بني مرّة بن ذهل بن شيبان، همام، و جساس قاتل كليب التغلبي، والمثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرّة بن ذهل الشيباني القائد الإسلامي الشهير قاتل مهران.
و أما عَك، فهم من القبائل العربية القديمة، وهم "أكيتة" "Akkitai" عند "بطلميوس"، ولا نعرف من أخبارها في نصوص المسند شيئاً. ويظهر من اختلاف النسّابين في نسبها، ومن جعلها من قحطان تارة ومن عدنان تارة أخرى، إنها كانت على اتصال بالجماعتين، واختلطت بهما بالفعل، ولهذا الاختلاط أثره في تكوين الأنساب، كما إن لمحالفاتها لقبائل عدنان و قحطان أثره في النسب.
وهذا نجد بعض النسابين يجعلون عكّاً ابناً لعدنان، فهو على حد قولهم شقيق معدّ، ونجد بعضاً آخر يُسميّه الحارث، ويجعل عكّاً لقباً له، ثم يصيره ابناً للديث بن عدنان فيقول: هو عَكّ بن الديث بن عدنان، أي انه حفيد عدنان. ثم نجد قسماً آخر يصيره من الأزد، أي من قحطان، فيجعله عَكّ ابن عدنان بن جمد الله بن الأزد، بن للغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان وأرى إن "عدثان" و "عدنان" كلمة واحدة. وقع فيها تحريف، فصارت الكلفة الواحدة كلمتين، وليس من المستغرب وقوع ذلك. فالكلمتان واحدة في الحروف، ما عدا حرفي الثاء والنون اللذين يتشابهان في الرسم أيضاً. فيما عدا عدد النقط.
و قد رجح نشوان بن سعيد الحميري، وهو من اليمن من حمير، رأي القائلين من النساّبين برجوع نسب عَكّ في الأزد، فقال: "عَك قبيلة من العرب يقال لهم ولد عك بن عدنان أخي، معد، ويقال لهم ولد عكّ بن عدثان بن عبد الله بن الأزد، وهو أصح القولين. و إنما سبب انتسابهم في معدٍ إن غسان وقت خروج الأزد من مأرب نزلوا تهامة وبها عكّ، فخيرتهم عَكّ بين شرقي تهامة وغربيها، فاختارت غساّن الشرقي، ومكثت به زماناً، حتى قيل لهم إن عكاً أثخن منكم لبنَاً، وأدسم منكم سمناً، لأن أموالكم إذا سرحت استقبلت الشمس، وإذا راحت استقبلت الشمس، فاْحرّت الشمس رؤوسها، وأموال عَكّ تستدبر الشمس عند الطلوع والغروب، فاستقالت غساّن عكاً. فلم تقلها، فاقتتلوا، فقتلت غسان عكّاً قتلاً ذريعاً وأجلتها عن كثير من أوطانها، فمن ثم انتفت عَكّ من اليمن، وانتسبت إلى معدّ".
وقد ذكر نشوان شعراًَ جاء فيه: ألم ترَ عكّاً هامة الأزد أصبحت مذبذبة الأنساب بين الـقـبـائل
وعقت أباها الأزد واستبدلت بـه أباً لم يلدها في القرون الأوائل?
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق