884
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن و الأربعون
تغلب
وقد كان لتغلب جملة رؤساء، منهم رئيس يقال له الجرّار أدرك النبي، وأبى الإسلام فبعث رسول الله. زيد الخيل الشاعر المشهور و أحد الشجعان المشهورين، ليطلب منه الدخول في الإسلام كما تقول إحدى الروايات أو القتال، فأبى الإسلام وقاتل حتى قتل.
ولاعتزاز تغلب بنفسها، ولشعورها بعزتها، امتنعت عن دفع الجزية المفروض أداؤها على أهل الكتاب، وذهبت إلى عمر بن الخطاب قائلة له: "نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض". ورضيت بدفع ضعف ما يدفعه المسلمون صدقة أنفة من كلمة "جزية". واقتدت قبائل أخرى مثل تنوخ وبهراء بتغلب، فرضيت بدفع الصدقة التي يدفعها المسلمون مضاعفة مفضلين إياها على دفع الجزية، لكي لا تكون في مصاف النبط، ومن لف لفهم من غير العرب، والمساواة فيها تعد إهانة لهم في نظرهم، وان كان دافعوها نصارى مثلهم، وهم إخوانهم في الدين.
وذكر إن "عمر بن الخطاب" لما "همّ بفرض الجزية عليهم، قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم، فانطلق "النعمان بن زرعة" أو "زرعة بن للنعمان" إلى "عمر"، فقال له: أنشدك الله في بني تغلب، فانهم قوم من العرب نائفون من الجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم، فلا يغن عدوّك بهم فأرسل عمر في طلبهم وأضعف عليهم الصدقة.
ومن مواضعها التي كانت تتبرك بها قبر القديس مارسرجيوس "مارسرجس" بالرصافة.
وكانت تغلب أيضاً في جملة القبائل العدنانية التي خضعت لآل كندة، حكم منهم عليها معديكرب المعروف بغلفاء، وخضعت أيضاً لحكم ملوك الحيرة الذين حاولوا إصلاح البين ببن تغلب وبين بكر بن وائل، فأخذوا رهائن من الطرفين، ليمنعوهم بذلك من القتال. وقد وقعت بين الحيين حروب طويلة ترد أخبارها في الأيام، كما وقعت بينها وبن يربوع وقبائل أخرى حروب سأتحدث عنها في الفصل الخاص بأيام العرب قبل الإسلام.
وقد ثار التغلبيون مراراً على ملوك الحيرة وحاربوهم، والواقع إن خضوع تغلب والقبائل الكبيرة الأخرى لملوك الحيرة لم يكن إلا خضوعاً اسمياً، يتمثل في حمل الإتاوات إلى الملوك ما داموا أقوياء، ولذلك كان ملوك الحيرة كما كان الأكاسرة والقياصرة يسترضون الرؤساء بالهبات والمال، ومن جملة هؤلاء، سادات "مشايخ" هذه القبيلة.
و أما بكر بن وائل، فكان من نسله عليٌّ، ويشكر، وبدن. وقد دخل بنو بدن في بني يشكر، ومن بني يشكر الشاعر الحارث بن حلزة، والرياّن اليشكري، سيد بني بكر في حربهم مع بني تغلب. وكان من صل علي بن بكر، صعب بن عليّ، وهو والد مالك ولُجَيْم وعكابة. ومن مالك بن صعب سهلُ بن شيبان بن زمان المعروف بالنفد. ومن بطون يشكر، بنو غُبر بن غنم بن حبيب بن كعب بن يثسكر، وبنو كنانة، وبنو حرب بن يشكر، وبنو ذبيان بن كنانة بن يشكر.
وبكر بن وائل من القبائل الكبيرة التي كان لها شأن معروف عند ظهور الإسلام. وهي مثل القبائل العدنانية الأخرى من القبائل المهاجرة التي تركت ديارها القديمة على حد قول الاخباريين، وهي تهامة، على اثر الحروب الكثيرة المملّة التي وقعت بين العدنانيين، فهاجرت إلى اليمامة ثم إلى البحرين والعراق. ويذكر إنها أخذت تغزو مع تميم وعبد القيس حدود الفرس، حتى اضطر "سابور" الثاني المعروف ب "سابور ذي الأكتاف حوالي سنة "350 للميلاد" على مهاجمة هذه القبائل ومحاربتها، وتخريب المنازل التي كانت تنزل بها. فلما انتهى من حروبه، أمر بنقل كثير من الأسرى إلى الأهواز وكرمان لإسكانهم هناك.
وفي القرن الخامس للميلاد، كان الحكم على بكر وأكثر قبائل معدّ على حد رواية الإخباريين في أيدي التبابعة، ثم في أيدي ملوك كندة، نصبهم التبابعة أنفسهم ملوكاً على تلك القبائل. وكان أولهم حجر آكل المرار الذي انتزع من اللخميين ما كان في أيديهم من ملك بكر بن وائل، ووسَّع ملكه. فلما توفي حجر تولى الملك ابنه عمرو المعروف بالمقصور من بعده، وبقيت بكر تابعة له، وكذلك لابنه الحارث مغتصب عرش الحيرة على نحو ما ذكرت. وكان الحارث قد وَزَّع أبناءه على القبائل، ليتولوا إدارة شؤونها فعين ابنه شراحيل أو شرحبيل أو سلمة حاكماً على بكر. فلما أعاد انو شروان عرش الحيرة إلى أصحابه اللخميين، وانتكس الأمر مع الحارث، حتى اضطر إلى الهَرَب إلى ديار كلب أو غيرها، حيث لاقى مصيره بكيفية لم يتفق على وصفها الأخباريون، وقعت النفرة بين أولاده، ودبَّ الخلاف بين ابنائه، فاقتتلوا، وتحزبت القبائل واقتتلت. ثم وجد رؤساؤها إنها فرصة سانحة، فاستقلوا عن كندة، و عادت إلى ما كانت عليه من الفرقة والاستقلال. وترأس كليب وائل تَغْلِبَ وبكراً وقبائل معد، وقاتل جموع اليمن، وهزمهم، وعظم شأنه، وصارَ ملكاً زماناً من السمر، ثم داخله الزهو والغرور، فبغى على اتباعه، وحمى اكثر الارضين، فلم يسمح لأحد بالرعي فيها إلا باذنه، فقتله رجل من بكر اسمه "جساس" في قصة يروها الاخباريون، فثارت تغلب، وطالب أخو كليب وهو "مهلهل" بالأخذ بالثأر من بكر، فجرت بين القبيلتين حروب طويلة استمرت على ما يذكر الأخباريون أربعين عاماً، ترك فيها خلق كثير وانتهت بمقتل جساس، وهلاك مهلهل في قصص مُنّمَّق من هذا القصص الذي يرويه أهل الأخبار.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق