إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2016

877 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثامن و الأربعون القبائل العدنانية


877

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
  
الفصل الثامن و الأربعون

القبائل العدنانية


أما منازل اياد القديمة، فكانت تهامة مع ابناء أنمار ما بين حد ارض مضر إلى حد نجران وما والاها وصاقبها من البلاد. ثم فارقت أنمار اخوتها ربيعة ومضر و اياداً، فكثرت اياد وزاد عددها وكثرت قبائلها، فأخذت تعتدي على ابناء ربيعة ومضر، فوقعت بينها وبينهم من جراء بغيها هذا حروب، واجتمعت مضر وربيعة عليها، ثم تحاربوا في موضع من ديارهم يسمى "خانقاً" وهو لكنانة، فغلبت اياد، وظعنت من منازلها، وافترقت عن اخوتها، وتفوقت على رأي بعض الأخباريين ثلاث فرق: "فرقة مع أسد بن خزيمة بذي طوى، و فرقة لحقت بعين اباغ. وأقبل الجمهور حتى نزلوا بناحية سنداد. ثم أتفقوا، فكانوا يعبدون ذا الكعبات: بيتا بسنداد - وعبدتها بكر بن وائل بعدهم - فانتشروا فيما بين سنداد وكاظمة، والى بارق و الخورنق وما يليها، و استطالوا على الفرات، حتى خالطوا ارض الجزيرة، فكان لهم موضع دير الأغور ودير الجماجم ودير مُرّة، وكثر من بعين اباغ منهم، حتى صاروا كالليل كثرة، وبقيت هناك تعير على من يليها من أهل البوادي، وتغزو مع ملوك آل نصر المغازي"، وحالها حسن معهم ومع الأكاسرة، حتى حدث حادث افشل ما بينهم وبين الفرس، يرجعه الأخباريون إلى اعتداء نفر من اياد على نسوة من أشراف الأعاجم، وذلك في أيام "انو شروان بن قباذ" أو "كسرى بن هرمز"، فسار إليهم الفرس، فانحازت اياد إلى الفرات، وجعلوا يعبرون ابلهم بالقراقير، و يجوزون الفرات فتبعتهم الأعاجم، وكان على اياد يومئذ. "بياضة ابن رباح بن طارق الايادي". فلما التقى الناس، ارتجزت "هند بنت بياضة" شعراً مشهوراً معروفاً، أوله: نحن بنـات طـارق  نمشي على المفارق

ثم هجمت اياد على الفرس، وهزمتها آخر النهار، وقتلت الجيش الذي كان يتعقبها، فلم يفلت منه إلا الشريد، وجمعوا جماجمهم، فجعلوها كالكوم، فَسُمّي ذلك الموضع دير الجماجم.

هذه رواية من عدة روايات وردت عن الحرب التي وقعت بين الفرس و اياد، وهي الرواية الوحيدة التي ورد فيها خبر انتصار اياد على الفرس. أما الروايات الاخرى، فتقول بانتصار الفرس على اياد. فرواية أبي علي القالي مثلاً،عن رجاله تنص على غزو انو شروان لاياد على اثر اعتداء نفر من اياد على نسوة الاعاجم، وتعقيبه لهم، وقتله خلقاً منهم، حتى اضطر بعضهم إلى النزول بتكريت، وبعضهم ارض الموصل والجزيرة، عندئذ بعث انو شروان ناساً من بكر بن وائل مع الفرس، فنفوهم من تكريت والموصل إلى قرية. يقال لها الحَرَجيّة: ثم التقوا بهم ثانية في هذا الموضع، فهزمهم الفرس، وقتلت. منهم كثيراً، ودفنت أجسادهم بها في مقبرة ذكر صاحب الرواية إنها كانت معروفة بها إلى يومه. وسارت البقية حتى نزلت بقرى من ارض الروم، فسار بعضهم إلى حمص وأطراف الشام. وكان الحارث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان فيمن سار إليهم من بكر بن وائل مع الأعاجم، فأجار ناساً من اياد، كان فيهم: أبو دواد الايادي..

وفي رواية أخرى إن اياداً كانت مقربة عند الفرس، حتى إن كسرى بن هرمز كان قد اتخذ جماعة منهم امتازوا بحسن الرماية، فجعلهم رماة عنده، وجعلهم مراصد على الطريق فيما بينه. وبين الفرات لئلا يعبره أحد عليهم، إلى إن حدثت حادثة الاعتداء على نسوة، فغضب كسرى على اياد، وأرسل جيشاً عليهم، لحقهم وقد عبروا دجلة، فجثا الاياديون على الركب، ورموا الفرس رشقاً واحداً. عندئذ آمر كسرى بإرسال الخيل عليهم، وأمر "لقيط بن يعمر ابن خارجة بن عَوْبَثان الايادي"، وكان كاتبه بالعربية وترجمانه، وكان محبوساً عنده إن يكتب إلى من كان من شداد قومه، فيما بينهم وبين الجزيرة، إن يقبلوا إلى قومهم، فيجتمعوا، ليغير على اياد كلهم، فيقتلهم. فكتب لقيط إلى قومه ينذرهم كسرى، ويحذرهم إياه في جملة قصائد رواها الأخباريون، فهربت اياد وأمر كسرى الخيل، فأحدقت بهم وبالذين بقوا من خلف الفرات. ثم وضعوا فيهم السيوف، ومن غرق منهم بالماء اكثر ممن قتل بالسيف. ولما بلغ كسرى شعر لقيط قتله.

أما من هرب من اياد إلى الشام، ومن كان قد هاجر إليها، فقد دان للغساسنة، و تنصر كأكثر عرب الروم، ولحق أكثرهم بلاد الروم فيمن دخلها مع جبلة بن الايهم من غسان وقضاعة ولخم وجذام.

ولدينا رواية أخرى في أسباب تسمية موضع دير الجماجم بهذا الاسم، تشير إلى حدوث، معركة بن الفرس و اياد، وقتل اياد لقوم من الفرس، ولكنها حادثة أخرى غير الحادثة المتقدمة على ما يظهر، يرويها ابن الكلبي، خلاصتها: إن رجلاً من اياد اسكنه بلاد الرماح أو بلال الرماح، وهو انبت بن محرز الايادي، قتل قوماً من الفرس، ونصب رؤوسهم عند الدير، فسمي دير الجماجم. ولم تذكر هذه الرواية زمن حدوث هذا القتل، وهل كان قبل إجلاء اياد عن العراق أو بعده كما جاء في الروايات السابقة? وهل كان هذا انتقاماً من الفرس بعد ما فعلوه بإياد? غير إن هناك رواية أخرى يرويها ابن الكلبي أيضاً تشير بوضوح إلى إن فتك اياد بالفرس في موضع دير الجماجم إنما كان بعد نفي كسرى إياهم إلى الشام وفتكه بهم، أي إن هذا الفتك كان عملا انتقامياً من الفرس، لما فعلوه بإياد. يقول ابن الكلبي: "كان كسرى قد قتل اياداً، ونفاهم إلى الشام، فأقبلت ألف فارس منهم حتى نزلوا السواد، فجاء رجل منهم وأخبر كسرى يخبرهم، فأنفذ إليهم مقدار ألف وأربع مئة فارس ليقتلوهم، فقال لهم ذلك الرجل الواشي: انزلوا قريباً حتى أعلم لكم علمهم. فرجع إلى قومه وأخبرهم، فأقبلوا حتى وقعوا بالأساورة، فقتلوهم عن آخرهم، وجعلوا جماجمهم قبة. وبلغ كسرى خبرهم، فخرج في اهليهم يبكون. فلما رآهم، إغتم لهم، وأمر أن يبني عليهم دير سمي دير الجماجم". وهذه الرواية عن فتك اياد بالفرس، هي اقرب إلى المنطق من الرواية الأولى التي ذكرتها عن النزاع بين كسرى و اياد.

على إن هناك أخباراً أخرى ذكرها الأخباريون في تعليل اسم موضع "دير الجماجم" لا تشير إشارة ما إلى هذا الاصطدام بين الفرس واياد، إنما أشار بعضها إلى حرب وقعت بين اياد وبين بني نهد في هذا المكان، قتل فيها خلق من اياد و قضاعة، ودفنوا هناك، فسمي الموضع بهذا الاسم، كما نسبت الحرب إلى قبائل أخرى لم يرد بينها اسم اياد.

وفي رواية. الإخباريين عن فتك كسرى بإياد، ونفيه إياهم إلى الشام، مبالغة كبيرة ولا شك. فإننا نجدهم أنفسهم يذكرون اياداً مع الفرس تحارب في معركة "ذي قار"، ثم يذكرون إنها اتفقت سراً مع بكر على إن تخذل الفرس يوم اللقاء. وقد خذلتهم بالفعل، إذ ولت منهزمة، ساعة اشتداد القتال فانهزمت الفرس. ثم تراهم يذكرون اياداً في أخبار الفتوح، فيروون إنها حاربت تحت امرة "بهران ابن بهران جوبين" المسلمين، أي إنها كانت تحارب مع الفرس في العراق. وان صلاتهم كانت حسنة بهم. وهذا يناقض ما زعموه عن نفي الفرس لهم عن العراق.

ولم تكن اياد من القبائل العربية النصرانية التي مالت إلى تأييد المسلمين، ففي الفتوحات الإسلامية للعراق كانوا مع الفرس على المسلمين وإن ساعدهم قسم منهم بالاتفاق معهم سراً، كما حدث في فتح تكريت. وفي الشام انضم قسم منهم إلى "هرقل" "Heraclius" في محاولاته اليائسة التي قام بها للاحتفاظ ببلاد الشام ولاستخلاص ما استولى عليه المسلمون من تلك البقاع. ولما حلت الهزائم بالروم، فضل قسم منهم الهجرة إلى بلاد الروم و الإقامة فيها. وقد كان ذلك عن عاطفة دينية ولا شك. غير إن هذا لا يعني إن جمهرة اياد كانت كلها مع الروم.

ذكرت إن من المواضع التي كانت لإياد في العراق، موضع سنداد، ويفهم من روايات الأخباريين عنه، انه قصر ونهر ومنازل نزلت بها إباد حين مجيئها إلى العراق، وانه كان في الأصل اسم حاكم فارسي كان قد عين على هذه المنطقة، فأقام بها مدة طويلة، وبنى أبنية كثيرة من جملتها القصر الذي ذكر في شعر ينسب إلى الأسود بن يعفر النهشلي، جاء فيه: أهل الخورنق والسدير وبـارق  والقصر ذي الشرفات من سنساد

وانه أيضاً اسم قصر كانت العرب تحج إليه، هو الذي قصده الهمداني بقوله: "وكانوا يعبدون بيتاً يسمى ذا الكعبات، والكعبات حروف الترابيع". ويظهر من روايات الأخباريبن عن هذا القصر انه كان من القصور الضخمة المعروفة. يظهر انه كان مربع الشكل، أو ذا مربعات ولذلك عرف ب "الكعبات"، وب "ذي الكعبات". وذكر أيضاً انه كان لربيعة، وانها كانت تطوف حوله حيث قالوا: "الكعبات، بيت كان لربيعة، كانوا يطوفون به".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق