876
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثامن و الأربعون
القبائل العدنانية
اوجزت الكلام في الفصل المتقدم على القبائل القحطانية، أي القبائل التي يرجع نسبها إلى اليمن، وفي هذا الفصل سأحاول الكلام على قبائل القسم الثاني من العرب، أي قبائل العدنانين، مقتصرا في الغالب على ذكر القبائل الكبرى، سالكاً ما سلكته في الفصل المتقدم من طريقة أهل الأنساب في ترتيب القبائل.
وجدّ قبائل هذا الفصل عدنان من سلسلة تنتهي بإسماعيل بن أيراهم الخليل، جد الإسماعيليين. وهو مثل قحطان شخصية لا نعرف من أمرها شيئاً، ولا من خبرها غير هذا الذي يقصه علينا الأخباريون. وهو على حد قولهم من معاصري الملك بختنصر ملك بابل "604 - 561ق.م" الذي أوحى الله إليه على لسان "برخيا بن احنيا بن زربابل بن سلتيل" إن يغزو العرب في أيام ابنه معدّ بن عدنان على حد قول الأخباريين.
ويزعم الأخباريون انهم وجدوا في كتب "برخيا" هذا نسب عدنان، وأنه كان معروفاً عند أهل الكتاب وعلمائهم، مثبتاً في أسفارهم. واستشهدوا على نسبه بشعر لأمية بن أبي الصّلت. فمن ذرية عدنان أذن، تفرعت هذه القبائل التي سأتحدث عنها في هذا الفصل.
وقد بخل الأخباريون على عدنان، فلم يمنحوه من الولد غير ولدين، هما:.
معد، والحارث وهو عكّ. وأمهما: منهاد بنت لهم بن جليد بن طسم. وقد بخلوا عليه بأسماء نسائه أيضاً على ما يظهر، إذ لم يذكروا لنا اسم زوجة أخرى له. ولا ندري نحن، وقد عشنا بعدهم بقرون، سرّ هذا البخل الشنيع.
ومن نسل هذين الولدين تفرعت قبائل عدنان فأولد معد نزاراً، وأضاف بعض النسابين قضاعة إليه. و أمهما معانة بنت جوشم بن جهلمة بن عامر بن عوف ابن عديّ بن دُب بن جرهم. وقد أشرت إلى اختلاف النسابين في نسب قضاعة و إرجاع بعضهم إياه إلى معدّ وبعضهم إلى قحطان، والى محاولة كل فريق جرهم إليه، لعوامل سياسية بحتة و إن اكتسبت صبغة نسب وأصل وحسب، فالموضوع هو تكتل وتحزب وتنافس. و قضاعة كتلة من القبائل كبيرة، لذلك كان لاجتذابها إلى أحد المعسكرين السياسيين المتطاحنين أهمية عظيمة في سياسة ذلك العهد، لذلك نجد نَسّابي كل فريق يحاولون جهدهم إثبات نسب قضاعة في فريقهم، حريصين على نفي نسبتها إلى الفريق المعارض، و إخراجها منها، وتفنيد حجج الخصوم هذا، أبو عبد الله الزبيري. "156 - 236 ه" و هو قرشي، و معدود من مشاهير النسابين، يذكر نسب قضاعة فيقول: "وقد انتسبت قضاعة إلى حمير، فقالوا: قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ، وأمه عُكبرة، امرأة من سبأ، خلف عليها معد، فولدت قضاعة على فراش معدّ، وزَوّروا في ذلك شعراً فقالوا: يا أيها الداعي ادعنه وأبشـر ولكن قضاعـياً ولا تَـنَـزّرْ
قضاعة بن مالك بن حـمـير النسب المعروف غير المنكر
قال: وأشعار قضاعة في الجاهلية، وبعد الجاهلية، تدلّ على إن نسبهم في معدّ".
وجعل ابن حزم لمعدّ خمسة أولاد، هم: نزار بن معدّ، و أياد بن معدّ، وقنص بن معدّ، وعبيد الرماح بن معدّ، والضحاك بن معدّ. وذكر إن من الأخباريين من يزعم إن ملوك الحيرة من المناذرة هم من ولد قنص، وأن عبيد الرماح دخلوا في بني مالك بن كنانة، وان الضحاك بن معد هو الذي أغار على بني إسرائيل في أربعين من تهامة. ونسب ابن الكلبي لمعد جملة أولاد آخرين.
ويذكر بعض الأخباريين إن الإمارة بعد معدّ على العرب كانت إلى قنص بعد أبيه، فأراد إخراج أخيه نزار من الحرم، فأخرجه أهل مكة، وَ قدّموا عليه نزاراً.
وقد ولد لنزار مضر واياد، وأمهما، خبيةّ بنت عك بن عدنان، و ربيعة وانمار، وأمهما حُدالة بنت وعلان بن جوشم بن جهلمة بن عامر بن عوف بن عديّ بن دُبّ بن جرهم، فهما ليسا صريحين في نظر النسابين كمضر و أياد، لأنهما ليسا مثلهما من أب عدناني و أم عدنانية. ومن النسابين من قال: إن "ربيعة ومضر الصريحان من ولد إسماعيل"، فلم يجعل اياداً بذلك من العدنانيين الصريحين.
وفي رواية الأخباريين إن نزاراً حينما شعر بدنوّ اجله قسم ما عنده على أولاده، فجل لربيعة الفرس، ولمضر القبة الحمراء، ولأنمار الحمار، و لإياد الحلمة والعصا.. ثم تخاصموا بعد ذلك، واتفقوا على التحكيم، فحكم بينهما أفعى نجران.
ولم يجزم ابن حزم في نسبة أنمار نزار، فبعد أن ذكر مضر وربيعة واياداً، وهم ولد نزار، قال: "وقيل: أنمار"، ثم قال: "وذكروا أن خثعماً وبحيلة من ولد أنمار". أما ابو عبد الله المصعب بن عبد الله مصعب الزبيري، فأثبت نسب أنمار في نزار، وذكر إن من أنمار بجيلة "انتسبوا إلى اليمن، إلا من كان لهم بالشام والمغرب، فانهم على نسبهم إلى أنمار بن نزار".
ويظهر إن نسابي خثعم وبجيلة يأبون انتسابهم إلى أنمار، إذ ذكروا ذلك، ويرون إن اراش بن عمرو تزوّج ابنة أنمار، وهي سلامة، فولدت له ولداً سمي أنمار بن اراش. ويذكر النسابون انه لم يشتهر أحد من ولد أنمار. ومعنى هذا إن هذه القبيلة كان قد ضعف حالها وذابت في غيرها، لذلك يذكر لها النسابون شيئاً من البطون.
وقد نسب "الزبيري" خثعماً إلى اقبل "افتل" بن أنمار بن نزار، وذكر إن خثعماً هم اسم جبل تحالفوا عليه، "فنسبوا إليه، وهم بالسراة على نسبهم إلى أنمار بن نزار. و إذا كانت بين اليمن فيما هنالك وبين مضر حرب، كانت خثعم مع اليمن على مضر". كذلك نسب خزيمة، وهو يشكر إلى أنمار.
وكان اياد على رواية الأخباريين اكبر أولاد معدّ، واليه يرجع نسب كل أيادي. وأولد اياد زهراً ودعمياً ونمارة، ومن نسلهم تفرعت سائر اياد.
وقد ارتحلت اياد عن منازلها الأصلية، بسبب الحروب، فذهب قسم كبير منها إلى العراق حيث نزلوا في الأنبار وفي عين أباغ و سنداد و تكريت وبطن اياد و باعجة وأماكن أخرى، وذهب قسم آخر منهم إلى البحرين حيث انضموا إلى قضاعة، كما سكن قسم منهم في بلاد الشام.
ويروي الأخباريون إن اياداً الذين كانوا اختاروا الإقامة في البحرين وهجر بعد تركهم مواطنهم القديمة في تهامة اضطروا إلى ترك مواطنهم الثانية والهجرة منها إلى العراق على اثر قدوم بني عبد القيس وشن بن افصى ومن معهم مهاجرين من منازلهم إلى هجر و البحرين، فان هؤلاء القادمين الجدد لما بلغوا هجر والبحرين ضاموا من وجدوهم بها من اياد و الازد، ثم أجلت عبد القيس اياداً عنه تلك البلاد، فساروا نحو العراق، وتبعتهم شن بن افصى، فعطفت عليهم اياد واقتتلوا معهم حتى كاد القوم يتفانون، وقد بادت بسبب ذلك قبائل من شن.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق