875
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع و الأربعون
الإسلام والجاهلية
وقد أبطل الإسلام كل سمة من سمات الجاهلية وعلامة من العلامات التي كانت تعدّ من صميم حياة الجاهليين. وفي جملتها المثل الأعرابية والحياة البدوية، فاعتبر الأعرابية بعد الإسلام ردة ر ونهى عن الهجرة من المدن إلى البوادي، فكان الأعرابي إذا دخل في الإسلام، لزم الحضارة، وكلّف بواجب الجهاد في سبيل نشر الإسلام، لما في التبدي والأعرابية من ابتعاد عن الجماعة وترك للواجب الملقى على المواطن في الدفاع عن الإسلام وفي العمل على إنهاض المجتمع والإنتاج. في سبيل الخير العام. لذلك لام الناس "أبا ذر الغفاري"، حين لجأ إلى "الربذة" فأقام، بها وتعزب بذلك عن الجماعة.
وفي جملة ما حاربه الإسلام من أمور الجاهلية الأصنام والأوثان، فطُمست وأزيلت معالمها، بل غير أموراً أقلّ منها شأناً وخطباً، مثل: خضرمة النوق. وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم، فل جاء الإسلام أمروا إن يخضرموا من غير الموضع الذي تخضرم منه أهل الجاهلية. وذلك منعاً من التشبه بالجاهليين، و إبعاداً للمسلمين عن تذكر أيام ما قبل الإسلام. ونهى عن تسنيم القبور وعن لبس بعض الملابس، وعن أمور أخرى، لأنها كانت من صميم أعمال الجاهليين.
وحارب الإسلام، للعصبية التي كانت من أهم سمات الجاهلية، و التي بقيت مع ذلك كامنة في نفوس الناس. عصبية القبائل وعصبية القرى والمواضع. من ذلك ما كان بين يمن و أهل مكة من نزاع، تحول إلى نزاع قحطان وعدنان. فعير أهل مكة اليمن بأنهم قيون، و أجابهم أهل اليمن بكلام غليظ شديد. هذا "أمية بن خلف" يهجو حسان بن ثابت بقوله: أليس أبوك فينا كـان قـينـاً لدى القينات، فسلاً في الحفاظ
يمـانـياً يظـلّ يشـدّ كِـيِراً وينفخ دائباً لهـب الـشـواظ
وهذا "حسان" يجيبه ويرد عليه في شعر مطلعه: أتاني عـن أمـيّة زُورُ قـولٍ وما هو في المغيب بذي حفاظ
وطالما ظهرت هذه العصبية في أيام الرسول، بتنازع الأنصار وقريش وتفاخرهم بعضهم على بعض. وذكر إن في جملة أسباب تحريم الخمر، إن رجلا من الأنصار صنع طعاماً، فدعا جمعاً من الأنصار وقريش، وشربوا الخمر حتى انتشوا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضل منكم. وقالت قريش نحن أفضل منكم، و تخاصموا، فبلغ ذلك الرسول، فنزل الأمر بتحريم الخمر.
وفي جملة ما نهى الإسلام عنه "دعوى الجاهلية" من التفاخر بالأحساب والأنساب والتباهي بالمال والبنين والأموات، و تحريم بعض الطعام والشراب والعادات الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية على نحو ما رأينا فيما تقدم، وما سنراه فيما بعد.
قد ترك المسلمون أموراً كثيرة أخرى مما كان مستعملاً في الجاهلية، فمن ذلك تسميتهم للخراج إتاوة، و كقولهم للرشوة ولما يأخذه السلطان: الحُملان والمكس. و كما تركوا: أنعم صباحاً، وأنعم ظلاماً، وصاروا، يقولون: كيف أصبحتم? وكيف أمسيتم? كما تركوا إن يقولوا للملك أو السيد المطاع: أبيت اللعن، وتركوا إن يقول العبد لسيده: ربي وان تقول حاشية الملك و السيد للملك وللسيد: ربنا. وكما تركوا إن يقولوا لقوّام الملوك السدنة، وقالوا: الحجبة. كما تركوا أشياء أخرى مثل المرباع والنشيطة و الصفايا، إلى غير ذلك، مما كان مستعملا في الجاهلية. فكره لذلك استعماله في الإسلام.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق