إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2016

874 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع و الأربعون الشرف و الخمول في قبائل العرب


874

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل السابع و الأربعون

الشرف و الخمول في قبائل العرب

و القبائل كالأفراد والأُسر، فيها النابه المذكور المهاب، وفيها الخامل الهزيل الضعيف الذي لا ينظر إليه نظرة تقدير وتبجيل. والقبيل الكثير الذرَّء والفرسان والحكماء و الأجواد والشعراء، و كثير السادات في العشائر، وكثير الرؤساء في الأرحاء، هو القبيل المقدر المعظم، ذو الشأن بين القبائل. وقد تقع أحداث وعوامل، تؤدي إلى خمول القبيل والى انفصام وحدته، و إلى طمع غيره فيه، فيهزل عندئذ ويخمل، ويأخذ مكانه من هو أقوى منه. وقد ذكر "الجاحظ"، إن القبيل الذرء و العدد، والذي لا يكون فيه خير كثير ولا شرّ كثير، يخمل و يدخل في غمار المرب، ويغرق في معظم الناس، وصار من المغمورين ومن المنسيين، وسلم من ضروب الهجاء ومن أكثر ذلك؛ و سلم من إن يضرب به المثل في قلة ونذالة إذا لم يكن شرّ، وكان محلّهم من القلوب محلّ من لا يغيظ الشعراء، ولا يحسدهم الأكفاء... و إذا تقادم الميلاد ولم يكن الذرء وكان فيهم خير كثير وشرّ كثير، ومثالب ومناقب، لم يسلموا من إن يهجوا ويضرب بهم المثل... وقد يكون القوم حلولاً مع بني أعمامهم، فإذا رأوا فضلهم عليهم حسدوهم، وان تركوا شيئاً من أنصافهم اشتدّ ذلك عليهم، وتعاظموا بأكثر من قدره، فدعاهم ذلك إلى الخروج منهم إلى أعدائهم. فإذا صاروا إلى آخرين نهكوهم وحملوا عليهم، فوق الذي كانوا فيبه من بني أعمامهم، حتى يدعوهم ذلك إلى الندم على مفارقتهم، فلا يستطيعون الرجوع، حميّة واتقاء، ومخافة إن يعودوا لهم إلى شيء مما كانوا عليه، و إلى المقام في حلفائهم الذين يرون من احتقارهم، ومن شدة الصولة عليهم".

وقد ذكر "الجاحظ"، إن مما تبتلى به القبائل فيصيبها الخمول: الشعر و نبوغ الأقارب أو المنافسين. فالشعر عند العرب يرفع من قدر الناس ويحطّ من درجاتهم. فقد يقال بيت واحد يربطه الشاعر في قوم ليس لهم جاه، فيرفع من شأنهم، وفد يقال بيت واحد في قوم لهم النباهة والعدد والفعال، فيغض من مكانتهم، ويكون سبّة لهم. ولأمر ما بكت العرب بالدموع الغِزار من وقع الهجاء، كما بكى مخارق بن شهاب، وكما بكى علقمة بن عُلاثة، وكما بكى عبد الله بن جُدعان، والبلية الأخرى: إن يكون القبيل متقادم الميلاد، قليل الذرء قليل السيادة، وتهيّأ إن يصير في ولد أخوتهم الشرف الكامل والعدد التام، فيستبين لمكانهم منهم من قلتهم وضعفهم لكلّ من رآهم أو سمع بهم، أضعاف الذي هم عليه لو لم يكونوا ابتلوا بشرف أخوتهم.

و من شؤم الأخوة إن شرفهم ضعة إخوتهم، ومن يمن الأولاد إن شرفهم شرف من قبلهم من آبائهم ومن بعدهم من أولادهم. ولذلك كانت القبائل تفخر بنبوغ الشعراء بها، لأنهم لسانها الذابّ عنها، وسيفها المصلت على رقاب الأعداء. وتتباهى بما يقوم به ساداتها من فعال حميدة وأعمال مجيدة ترفع رأس أبناء القبيلة بين الناس.

ولأهمية الشعراء عند الجاهليين، قال بعض العلماء: كلاب الحيّ شعراؤهم، وهم الذين ينبحون دونهم، ويحمون أعراضهم. وفي هذا المعنى جاء قول عمرو بن كلثوم: وقد هرَّت كلابُ الحيّ منّا  و شَذَّبنا قتادة من يلـينـا

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق