إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2016

855 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع و الأربعون السادات


855

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل السابع و الأربعون

السادات


وسادة القوم إشرافهم ورؤساؤهم، وذكر إن السيد الذي فاق غيره بالعقل والمال والدفع والنفع، المعطي ماله في حقوقه المعين بنفسه. وذكر إن السيد: الحليم لا يغلبه غضبه.

والسيادة منزلة ودرجة، ولا تأتي أحداً إلا باعتراف قومه له بسيادته عليهم وبتنصيبهم له سيداً عليهم. وكانوا إذا سوّدوا شخصاً عصبوه، والتعصيب التسويد، وهذا كانوا يسمّون السيّد المطاع معصَّباً. وذكر إن العصابة العمامة. وكانت عمائم سادة العرب هي العمائم الحمر.

وتعدّ الأسر الحاكمة التي ينشأ فيها عدد كبير من الملوك والحكام أسراً عريقة في الشرف، وينظر إليها نظرة تقدير واحترام، لأنهم ورثوا المجد عن آبائهم أباً بعد أب. وينطبق ذلك على سادات القبائل الذين يرثون سيادتهم قبائلهم أباً عن جد، فانهم يفتخرون بذلك على غيرهم، لأنهم ليسوا من أولئك الذين انتزعوا السيادة فصاروا سادة، على حين كان آباؤهم أو أجدادهم من الخاملين.

وقصد سادات القبائل وبعض الشعراء الكبار الملوك، ورحلوا إليهم من منازلهم، وتقربوا إليهم، وتوسطوا لديهم لبعض الناس. وقد عرف هؤلاء ب "الرحال". ولهذا نجد في الكتب، إنها إذا تعرضت لمثل هؤلاء قالت عنهم انهم من "الرحال". فقد عرف "عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب" ب "عروة الرحال"، "و إنما سُميّ الرحال لنحلته إلى الملوك". كما عرفوا ب "زوّار الملوك"، ومنهم "أبو زيد الطائي".

وأشراف الناس، هم الذين نالوا الشرف والسؤدد بين قومهم، فسادوهم. والسيد هو الرئيس، ويطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم وعلى من ساد قومه، مثل سادات القبائل. وقد نعت رسول الله "سعد بن معاذ" ب "سيّد الأنصار". وتقول العرب "هذا سيدّنا" و "فلان سيّدنا"، أي رئيسنا والذي نعظمه. وتقول "ساد قومه"، أي صار سيدهم ورئيسهم. ونعت "قيس بن عديّ" ب "سيد قريش". وكان يوم وفاة "سعد بن معاذ" بالمدينة يوماً مشهوداً. حتى حضر الرسول جنازته وكبر عليه تسعاً، كما كبر على حمزة، تعظيماً لشأنه. وشهد دفنه. وكان من عادة أهل مكة في الجاهلية انه إذا مات لهم سيد كبيرٌ أغلقوا أسواقهم أعظاماً لموته، وتعبيراً عن تقديرهم له. فغلق الأسواق عند الجاهلين عند وفاة رجل خطير من إمارات التقدير والتعظيم.

ومن إمارات تكريم الميت الشريف، تجمع الناس عند بيته، احتفالاً به لنقله  

إلى موضع دفنه. و إذا كان الميت خطر الشأن كان الجمع اكبر. وهو يتناسب في كثرته مع مكانة ودرجة الميت في المجتمع. وقد ذكر انهم كانوا يقولون للرجل الشريف يقتل: "العقيرة".

والسادات هم الرؤوس، رؤوس الناس. أما من دونهم فأذناب. وعرفوا ب "أذناب الناس و ذنباتهم"، أي اتباعهم وسفلتهم، والاتباع دون الرؤساء. يقال: جاء فلان بذنبه، أي اتباعه. قال الحطيئة يمدح قوماً: قوم هم الرأس والأذناب غيرهم  ومن يسوّي بأنف الناقة الذنـيا

والسادات "مصابيح الظلام" ومشاعله، بنورهم يهتدي الفقراء و أصحاب الحاجة والفاقة، فينالون منهم ما يخفف عن كربهم وفقرهم. يطعمون الناس في الحضر والسفر، فهم سادة الناس وملاذهم حين تغلق كل الأبواب. بأوجه الأذناب التاعسين البائسين.

ويقال لأشراف قوم و للبارزبن منهم وجوه القوم ووجهاء القوم، فورد "وكان من وجوه القرشين"، و "كان من وجوه قريش". و أما "سروات" مثل "سروات الانصار" و "سروات قريش"، ففي هذا المعنى أيضاً، وجوه الأنصار وأشرافهم ووجوه قريش وأشرافهم. و "السرّي"، هو الرئيس. وتعني كلمة "النواصي" خيار العرب وأشرافهم. فيقال هو ناصية قومه، وهو من ناصيتهم ونواصيهم. و "النصية" من القوم الخيار الأشراف.

ويعرف الأشراف المعرقون ب "النجوم"، و واحدهم "نجم". وقد أشار إليهم "حسان" في شعره، فذكر إن الذين يحملون "اللواء" أي "لواء الحرب"، هم النجوم. ويقال لسادة الناس "الجحاجح" كذلك،. ويقال لهم: "العَرى"، وهم سادات الناس الذين يعتصم بهم الضعفاء، ويعيشون بعُرفهم. شبهوا بعرى الشجر العاصمة الماشية في الجدب.

و أما لفظة "ربّ" التي تعني بعلا أيضاً، وإلهاً، والتي تعبر عن معنى "إله" في الزمن الحاضر؛ فقد أطلقت في لغة المسند على السيد والشريف، لتعبر عن معاني التفخيم والاحترام، وأطلقت في معنى "إله" أيضاً في النصوص المتأخرة في الغالب، وهي من الألفاظ السامية القديمة.التي وردت في معظم لغات السامين.

وقد وردت في عربيتنا بمعنى المالك والسيد والمدبّر، وأطلقت بمعنى الملك كذلك. وقد كان أهل الجاهلية يطلقونها على الملك، قال الحارث بن حِلِزَّةَ: وهو الربّ والشهيد على يو  م الحيارين والبلاء بـلاء

هنا وللسن أهمية. كبيرة عند العرب، لأن الإنسان إذا ما تقدم في السن ازدادت حكمته و تجاربه في الحياة ورجح عقله. لذلك يكون مرجعاً لمن هو دونه في للعمر، وملاذاً في المشورات، ويعبر عنهم ب "ذوي الأسنان". وهم الطبقة الذكية الفطنة المجربة من ذوي المكانة في الناس بالطبع. ولهذا نجد القبائل تتمسك بأخذ الرأي والمشورة من ساداتها المسنين ومن حكمائها المعمرَّين، لأنهم عركوا الحياة وخبروها وعرفوا ما فيها من مرّ وحلو. لذلك جعلوهم في الطبقات العليا من الناس.

و "الربّ" الرئيس والمرجع ومن تكون إليه الطاعة. والأرباب، هم السادات "قال المنذر يوماً لخالد، وهم على الشراب، يا خالد، من ربك? فقال خالد: عمرو بن مسعود ربيّ وربك. فأمسك عليهما". و "المنذر" هو المنذر الأكبر اللخمي، وخالد، هو خالد بن نضلة. ولهذا كان يقول العبد لسيّده: ربيّ. وتقول حاشية السيد والملك لسيدها وملكها: ربنا.

قال الحارث بن حلزّة: ربُّنا وابننا وأفضـل مـن يم  شي ومن دُون ما لديه الثناء

وقال لبيد حين ذكر حذيفة بن بدر: وأهلكن يوماً ربّ كندة وابنـه  ورب معدٍّ بين خَبْتٍ و عرعر

و "الخُطر" الأشراف من الرجال العظيمو القدر والمنزلة. والخطير الواحد. ويقال للرجل الشريف، هو عظيم الخطر. وقوم خطرون: قوم أشراف، ويقال "العبقري" للكامل والسيد من الرجال. وهو سيد القوم وكبيرهم والذي ليس فوقه شيء والشديد القوي.

وقد عرف سادة قريش ووجوهها ب "خضراء قريش". ولما صعد الرسول "الصفا"، عام الفتح، وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا وجاء "أبو سفيان"، فقال: "يا رسول اللهِ أُبيدت خضراء قريش! لا قريش بعد اليوم". يقصد نخبة قريش وخاصتها، في مقابل "أوباش قريش"، الذين قال عنهم الرسول للأنصار: يا معشر الأنصار! هل ترون أوباش قريش.

والأخضر عند العرب الأسود. و قد افتخر "الفضل بن عباس بن عتبة اللهبي" بلونه، إذ قال:  

وأنا الأخضر من يعرفـنـي  أخضر الجلدة في بيت العرب

يقول: أنا خالص لأن ألوان العرب السمرة، وأنه عربي محض لأن العرب تصف ألوانها بالسواد، وتصف ألوان العجم بالحمرة، والخضرة عند العرب السواد. وورد "خضر غسان"، و "خضر محارب". قال الشاعر: إن الخضارمة الخضر الذين غدوا  أهل البريص ثمانٍ منهم الحكـم

والخضارمة جمع خضرم، وهو السيد الحمول.

ويقال لمن هم دون الأشراف وفوق الطبقات الدنيا، "أوساط الناس"، و "الأوساط"، و "اللهازم". يقال هو من لهازم القبيلة، أي من أوساطها لا اشرافها.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق