854
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع و الأربعون
أبناء الحبش والأبناء
وقد تولد من استيلاء الحبش على اليمن جيل جديد تعرّب وكوّن، طبقة خاصة من طبقات مجتمع الين. وقد تكون هذا الجيل من عنصرين: حبش ولدوا في اليمن من أبوين حبشيين، ثم بقوا في اليمن وعاش أبناؤهم فيها، وحبش تزوّجوا من اليمن، فنشأ لهم نسل فيه دماء الحبش ودماء أهل اليمن. وقد عاش الجيلان في اليمن وتعربا و نسيا أصلهما وصارا يتكلمان العربية و اعتدّاها لغتهما، ولكن ملامحهما الافريقية، أو الملامح المختلطة دساسة، لم تتمكن من الاختفاء عن الجيلين، بل بقيت تنطق بأصلهما وبصلتهما القديمة بالأرض السوداء.
وعرف الجيل الذي ظهر في اليمن من تزوّج الفرس في العرب ب "الأبناء"، وغلب عليهم الاسم لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم. وقد كتب إليهم النبي يدعوهم إلى الإسلام. وقد ساعدوا المسلمين ودافعوا عن الإسلام وقاوموا الردة، ومنهم وهب بات منبه بن سيج بن ذكبار، و طاووس، وذادويه، وفيروز الديلمي. وقد قيل عنهم: الأبناء قوم من العجم سكنوا اليمن، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يزن لما جاء يستنجده على الحبشة فنصرره وملكوا اليمن وتديروها وتزّوجوا في العرب ؛ فقيل لأولادهم الأبناء، وغلب عليهم هذا الاسم لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم. وذكر أنهم عرفوا ب "أبناوي" في لغة "بني سعد" و "بنوي" في لغة بعض العرب.
ويظهر من بعض الأخبار إن العرب توسعت في مفهوم الأبناء فأطلقتها على كل الفرس الذين اجتذبتهم الحروب إلى جزيرة العرب.
وءإف "الأبناء " بتسمية أخرى أيضاً هي "بنو الأحرار". أما الذين ولدوا من آباء فرس وأمهات عربيات فقد عرفوا في الكوفة بالأحامرة، و في البصرة بالأساورة، و في جزيرة العرب بالخضارمة، وفي الشام بالجراجمة.
وقد ذهبت بعض كتب التواريخ التي ألفها أهل اليمن، "إن أبناء اليمن يتسبون إلى "هرمز" الفارسي الذي أرسله كسرى مع سيف بن ذي يزن. فاستوطن اليمن. وأولد ثلاثة، بهلوان و دادوان وبانيان؛ فأعقب بهلوان بهلول. و الدادويون يسعوان، ومنهم بنو المتمير بصنعاء وصعدة وجراف الطاهر ونحر البون. والدادويون خوارج. ومنهم غزا كراذمار وهم خلق كثير".
وعرف العربيّ المولود من أمة ب "الهجين". وهو معيب. وقيل هو ابن الأمة الراعية ما لم تحصن، فإذا حصنت فليس الولد بهجين. أو "مَنْ أبوة في من أمه". "قال المبرد: قيل لولد العربي من غير العربية هجين، لأن الغالب على أولاد العرب الأدمة. وكانت تسمى العجم الحمراء ورقاب المزاود، لغلبة البياض على ألوانهم".
أما طبقات المجتمع الحضري بالنسبة إلى العرب الآخرين وأسماؤها، فلا ذكر لها في النصوص الجاهلية، و إنما ذكرت في الموارد الإسلامية، وأكثره مما يخص عرب الحجاز؛ لأن اكثر ما ورد عن الجاهلية القريبة من الإسلام هو مما يخص موطن الإسلام. فكل اعتمادنا فيه على هذه الموارد الإسلامية.
وفي العربية ألفاظ عديدة تعبر عن منازل الناس في الشرف والسيادة. هي في الواقع من النعوت التي أطلقها الناس على الأشراف مبالغة في مدحهم وتفخيمهم وأشراف القوم هم سادتهم من أرباب البيوت. ونجد في الموارد الإسلامية ذكر "أشراف قريش". وهم كبار قريش وسادتها وأصحاب البيوت فيها. كما نجد تعبيراً يدل على الرئاسة والزعامة هو "رحى القوم"، يقال لسيد القوم الذي يصدرون عن رأيه وينتهون إلى أمره.
وقد عُيّر السودان في الجاهلية وفي الإسلام. عيّروا بسوادهم وبملامح أجسامهم وبطريقة تكلمهم. هذا حسان يهجو أحدهم بقوله: وأمّك سوداء نوبـيّة كأن أناملها الحنظب
و "الخلاس" الولد بين أبوين أبيض وأسود، ابيض وسوداء أو اسود وبيضاء. فهو المضرب. وقال بعض علماء اللغة: تقول العرب للغلام إذا كانت أمه سوداء وأبوه عربياً آدم فجاءت بولد بن لونيهما غلام خلاسية والأنثى خلاسية قال الجاحظ: "ورأينا الخلاسيَّ من الناس، وهو الذي يتخلق بين الحبشيّ والبيضاء، والعادة من هذا التركيب انه يخرج اعظم من أبويه وأقوى من أصليه ومثمريه. ورأينا البَيْسريّ من الناس، وهو الذي يخلق من منن البيض والهند، لا يخرج ذلك النتاج على مقدار ضخم الأبوين قوتهما، ولكنه يجيء أحسن وأملح"..
وقد شابت السنة هؤلاء "طُمطمانية"، أي عجمة. قال عنترة: تأوي له قلص النعام كما أوت خرق يمانية لأعجمَ طمطـم
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق